سياسةمجتمع

بريطانيا تسأل: هل نحتاج أخيرا إلى دستور مكتوب؟

واشنطن بوست: توصل البريطانيون إلى وثيقة “ماجنا كارتا” منذ 800 عام.. لكنهم قد يحتاجون الآن إلى دستور مكتوب

واشنطن بوست – جريف ويت – ترجمة: محمد الصباغ

في مثل هذا الشهر قبل 800 عام، تجمع النبلاء المتمردون والملك الذي يمر بضائقة مالية كبيرة في مرج بجوار النهر خارج لندن من أجل إبرام اتفاقية قد تغير مجرى التاريخ.

ألهمت الكلمات الموجودة بوثيقة “ماجنا كارتا” الحركات الديموقراطية حول العالم وكانت نقطة انطلاق لدساتير لا تحصى. أبرزها تلك التي أعدها مجموعة من الأرستقراطيين المتحدّين للملكية في صيف فلاديلفيا الحار.

ورغم وجود مبادئ رئيسية للإجراءات القانونية والمساواة في الحقوق بقوة القانون، إلا أن بريطانيا حتى الآن لم تسع مطلقاً إلى تدوين دستورها الخاص. والآن في تلك الأراضي القديمة بدأ قلق الشباب في الظهور، وكثيرون بدأوا يتساءلون حول فكرة أن الوقت قد حان لتغيير ذلك.

بريطانيا من ضمن ثلاث ديمقراطيات تفتقد إلى دساتير مكتوبة ورسمية. ازدهرت إمبراطوريتها واختفت، وانتصرت في الحربين العالميتين، ومع ذلك يبدو أنها لم تحتاج أبدا إلى دستور مكتوب.

نادراً ما واجهت بريطانيا تحديات جوهرية بشأن هويتها، مثلما تواجه الآن. اسكتلندا تقترب من الانفصال عن المملكة المتحدة، وكان ذلك خلال استفتاء في سبتمبر الماضي لكن المحاولة لم تنجح، وربما تحاول مرة أخرى عقب فوز القوميين الساحق في انتخابات الشهر الماضي. وكامل بريطانيا قريباً سيكون مضطرا إلى اتخاذ قرار بشأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وبسبب نظام الانتخابات الغريب في الدولة، جرت أكثر انتخابات مشوهة في تاريخ بريطانيا خلال الشهر الماضي.

هذه الشبكة من المشاكل تقدم مجموعة من الحلول السهلة. من ينادون بدستور مكتوب يقولون إن بريطانيا لن تحل أيا من مشاكلها الكبيرة إلا بعد أن تفعل كما فعل الآخرون منذ زمن بعيد ومروا  بخطوات صعبة لكتابة بعض القوانين الرئيسية.

يقول جيرمي بورفيس، عضو مجلس اللوردات البريطاني: ”لدينا تقاليد عريقة ساعدنا بها الدول الأخرى في هذا المجال، دون أن ندرك أننا في حاجة إلى ذلك، لكن حان الوقت لفعل هذا الأمر“ قدم بورفيس مشروعاً بقانون لو تم الموافقة عليه فقد يقود إلى عقد دستوري.

في الحقيقة تمتلك بريطانيا دستوراً، لكن فقط المحاضرين القانونين البارزين، وربما بمساعدة علماء الآثار سيعرفون أين يجدونه.

بدلاً من وثيقة واحدة موضوعه في جيب أمامي أو يلوح به بعض السياسيين لإضفاء تأثير درامي على حديثهم، يوزع الدستور البريطاني عبر البلاد من خلال قوة القانون،  وأعمال البرلمان، والتزامات المعاهدات والاتفاقيات التاريخية. والكثير لم يقال، فعلى سبيل المثال، لا يوجد وصف رسمي لعمل رئيس الوزراء، وقام البرلمان لسنوات بالعمل على تحديد ذلك.

يعرف الأطفال في المدارس البريطانية القليل حول دستور أمتهم، وحتى عن وثيقة “ماجنا كارتا”، التي ليست دستوراً بحد ذاتها بل إن بعض أحكامها القديمة قد ألغيت، ويبدو أنها تستحوذ على احترام أقل هنا مما تلقاه في الولايات المتحدة الأمريكية. وبعد ضغط من ديفيد ليترمان (إعلامي أمريكي) على رئيس الوزراء ديفيد كاميرون فشل الأخير في الوصول إلى الإجابة الصحيحة لمعنى “ماجنا كارتا” باللغة الإنجليزية. (البيان الأعظم هو الإجابة الصحيحة).

يقول جراهام ألين، عضو البرلمان ورئيس لجنة تعديل الدستور: ”يجب أن يعرف الناس قوانين حكمهم، لكن لا أعتقد أن معظم البريطانيين يعرفون أننا نملك دستوراً“.

عملت لجنته مع باحثين بالجامعة الملكية بلندن لأربع سنوات لصناعة نموذج للدستور يمكن استخدامه كمرجع لو قررت الأمة في وقت ما إثارة تلك القضية. ونشرت النتيجة العام الماضي، وفي الصفحة 71 يظهر كل شىء بداية من الاسم الرسمي للدولة (المملكة المتحدة لبريطانيا وإيرلندا الشمالية) إلى مشاريع قوانين الحقوق.

سعى ألين إلى معرفة آراء واقتراحات العامة على أمل ان يكون من بينهم  ”جيفرسون (أحد رؤساء الولايات المتحدة الذين شاركوا في كتابة دستورها) و مانديلا (الزعيم الأفريقي المناهض للفصل العنصري في جنوب أفريقيا)“، ووعد بزجاجة شمبانيا لمن يقترح أفضل ديباجة. وجاءت بداية المشاركة  الفائزة بهذه الكلمات: ”متحدون.. نقف محتفلين بالأصوات المختلفة التي تصنع عظمة أمتنا“.

وقام البعض بتدوين دستوره الخاص، مؤخراً أظهرت كلية الاقتصاد بلندن وثيقة شارك فيها الكثيرون ووضعت من خلال مساهمات على الإنترنت وجلسات للعصف الذهني حول البلاد، تشمل ”كرنفال دستوري“ يبرز فيه العروض الموسيقية والكثير من حلوى غزل البنات.

اكتسب قضية الدستور أولوية مؤخراً، ليس فقط في ذكرى “ماجنا كارتا” التى تحل في 15 يونيو كل عام، ويكون حدثا تشهده الملكة و كبار الشخصيات الأجنبية، ولكن أيضاً بسبب ضغوطات تتعرض لها المملكة المتحدة.

نشعر بقوة بتهديد الانفصال الاسكتلندي. المملكة المتحدة ليست أمة واحدة بل أربع أمم هي اسكتلندا، وانجلترا، وويلز، وإيرلندا الشمالية. أربع دول والسلطة تحتكرها لندن، لكن المطالبات بمنح كل وطن السلطة والسيطرة على أراضيه تزداد. وجاءت الاستجابة غير متوازنة، مع امتلاك كل دولة سلطات بمستويات مختلفة وتواجد توترات داخل الاتحاد (البريطاني).

قال بورفيس الذي يدعو إلى مؤتمر دستوري، إن المملكة المتحدة تحتاج إلى التجديد وتعريف نفسها من أجل البقاء. وأضاف: ”هناك فراغ حيث لا يوجد بيان يربط الاتحاد ببعضه، ويسمح ذلك للقوميين في انجلترا واسكتلندا بالازدهار. أريد أن يربطنا شىء كبريطانيين سوياً“.

مشروع القانون الذي قدمه بورفيس قد يلغي مجلس اللوردات، لكن من غير المحتمل أن يمر من خلال مجلس العموم. حزب المحافظين الذي ينتمي له كاميرون الذي جمع أغلبية المقاعد بمجلس العموم الشهر الماضي، رغم فوزه فقط بـ 37% من نسبة الأصوات، لم يستبعد فكرة بورفيس لكن بشكل عام كان رده لطيفا.

ما يريده حزب كاميرون يحصل عليه. يبدو أحياناً أن النظام البريطاني هو ديكتاتورية منتخبة لافتقادها إلى فصل حقيقي بين السلطات. المحاكم ليس لديها أي سلطة لفحص القوانين، والبرلمان عامة يأخذ جانب رئيس الوزراء والقرار الحكومي.

هذا أحد الأسباب التي جعلت ألان يضغط بقوة من أجل اقتراح جديد. لكن كانعكاس للواقع الحالي، لجنة ألان لتعديل الدستور تم حلها الأسبوع الماضي. يقول ألان: ”الحكومة غوريلا كبيرة، والبرمان فأر. لو أصدر الفأر صوتا تقوم الغوريلا بدهسه، لقد تم دهسي“.

أما المدافعين عن الوضع التقليدي يقولون إن هناك سبب جيد لعدم تغيير ما عملت به بريطانيا لعصور. يقول فيليب نورتون، عضو مجلس اللوردات والمحاضر الدستوري، إن تدوين الدستور قد يبدو أننا نقيد الدولة بـ”ملابس مستشفى الأمراض النفسية“ في حين أنها في حاجة إلى أن تكون مرنة بشكل كاف لتساير تغييرات العصر. ويضيف: ”لا حاجة له، وغير ضروري ولن يتحقق“.

فيما يقول أنطوني كينج، أستاذ العلوم السياسية بجامعة إسيكس، إنه لا شك أن بنية بريطانيا السياسية في حاجة إلى تجديد ضروري. لكن محاولة صياغة دستور مكتوب قد يعمق مشاكل الدولة، بغض النظر عن قدرات من سيقومون بتلك المهمة.

قال كينج: ”لو نظرت إلى من كتبوا الدستور الأمريكي، ستجد أنه كان لديهم قدرات فكرية مميزة –جيمس ماديسون، وأليكسندر هاميلتون، وجورج واشنطن، وجورج ماسون. لا يمكن إعادة عمل ذلك في بريطانيا عام 2015“.

ويضيف أن الدساتير عادة تظهر بعد تغيرات رئيسية كبرى، مثل الحروب والثورات. وهذا لم يحدث أبداً في بريطانيا، وشكك في أن تحديات الدولة الحالية قد تجبر على مثل هذا التغيير. وأكد: ”النظام غير مرضي، لكنه ليس مروعاً. ونحن في طريقنا لتدبر الأمر. البريطانيون يفتخرون بذلك“.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى