منوعات

لغز الجسر الذي يدفع الكلاب إلى الانتحار

ما الذي يدفع الكلاب للقفز من أعلى جسر أوفرتون؟

The New York Times

Ceylan Yeginsu

ترجمة وإعداد: ماري مراد

كانت لوتي ماكينون تجلس في زاوية مقهي مع طفليها الاثنين، وهي تشرب الشيكولاتة الساخنة، بينما كانت تتحدث عن اليوم الذي كانت تسير فيه مع كلبتها بوني، من سلالة بوردر كولي، فوق جسر أوفرتون في دمبارتون بإسكتلندا. وقالت في هدوء: “كنت متأكدة من أنها ماتت. شيء ما تغلب على بوني بمجرد أن اقتربنا من الجسر. في البداية توقفت، لكن بعد ذلك أصبحت تمتلكها طاقة غريبة وركضت وقفزت من الحاجز”.

فهل أُغريت الكلبة من قبل قوى شريرة للقفز من الجسر؟ يبدو الأمر وكأنه مشهد سخيف وغير معقول من برنامج ” Twilight Zone” ، عبارة عن سلسة من الحلقات عرضت على قناة CBS الأمريكية خلال فترة الستينات في 156 حلقة من تأليف رود سيلرنغ.

لكن كلبة ماكينون واحدة من بين المئات التي يصر الإسكتلنديون على إنها أُجبرت على إلقاء نفسها من البناء الحجري القوطي منذ خمسينيات القرن الماضي. وانتهى الأمر بموت العديد منها على الصخور المسننة في قاع الوادي العميق بالأسفل. وعليه، بدأ سكان مدينة دمبارتون، شمال غرب غلاسكو، تسمية أوفرتون- جسر عمره قرن ويمتد عبر مضيق طوله 50 قدمًا- بـ”جسر انتحار الكلاب”.

وتذكرت ماكينون، التي نشأت في قرية ميلتون المجاورة، نزولها إلى المضيق ومحاولتها البائسة للعثور على بوني عبر الأشجار والشجيرات. لكن عندما اقتربت من الكلبة، بدأت الأخيرة إصدار أصوات تعبر عن ألمها وفي النهاية حاولت الوقوف. وأكدت ماكينون: “بقاؤها على قيد الحياة كان معجزة”.

وفي أرض حافلة بالخرافات والأساطير والوحوش، كان الجسر في قلب لغز دائم، وظل هذا السؤال مُلحًا: لماذا يفقز الكثير من الكلاب؟

ويُقدر الباحثون المحليون أن أكثر من 300 كلب قفز من الجسر. وتقول تقارير صحف التابليود (أو الصحافة الصفراء) أن العدد يصل إلى 600. ويقال إن 50 كلبًا على الأقل قد مات. ويقول البعض إن هناك تفسيرات عقلانية تتضمن التضاريس ورائحة الثدييات في المضيق والتي قد تدفع الكلاب إلى الهيجان. بينما هناك تفسيرات أخرى تتحدث بلهجة أكثر خرقًا للطبيعة.

ويتناسب موقع الجسر الهادئ والخصب، مع وصف ما أسماه الشرك الكلتي (المشهور باسم الوثنية الكلتية) بـ”المكان الرفيع”، وهو بقعة ساحرة تتداخل فيها السماء والأرض. وقال أليستير داتون، سائق سيارة أجرة محلي: “الناس في دمبارتون يؤمنون بالخرافات للغاية. لقد نشأنا نلعب في أرض أوفرتون ونؤمن بالأشباح”.

والقفزات المفاجئة للكلاب ألهمت حلقة من المسلسل الأمريكي “The Unexplained Files”، إضافة إلى تخصيص كتاب كامل لاستكشاف هذه الظاهرة. ولكن رغم كل هذا الاهتمام، لا يزال اللغز قائمًا ولم يحل.

ومن بعيد، يبدو أن الجسر الفيكتوري المزخرف- الذي بُني في عام 1895- مجرد امتداد لدرب قصر مجاور يعود إلى القرن التاسع عشر بناه رجل أعمال ثري يدعى جيمس وايت. لكن مع الاقتراب منه، يمكن للمرء أن يلاحظ 3 مداخل للجسر ممتدة على نهر صغير “أوفرتون برن”. وعند الوقوف في المنتصف على حواجز الجرانيت السوداء بالجسر، من السهل أن تنسى أن المساحة الواقعة أسفلها تقع في مضيق عميق.

في قصر قريب، قال المستأجر الحالي، بوب هيل، إنه وزوجته شاهدوا كلاب عدة تقفز فجأة قبالة الجسر منذ أن انتقلا إلى العقار- الذي يطلق عليه الآن منزل أوفرتون- منذ أكثر من 17 عامًا.

لكن هيل، قس من تكساس، كان لديه تفسيرًا قاطعًا: “رائحة الحيوانات الصغيرة التي تهرول في المضيق أسفل الجسر تدفع الكلاب إلى الهيجان، الرغبة في التخلص من القيود- إذا كانت موجوة- ومن ثم القفز”. وأردف قائلًا: “الكلاب تشتم رائحة حيوان المنك وسمور الصنوبر أو بعض الثدييات الأخرى، ثم تقفز من فوق جدار الجسر”.

واعترف هيل بأن أراضي أوفرتون أكثر روحانية من الأجزاء الأخرى. وتابع: “إسكتلندا هي مكان يوجد فيه الكثير من الأشياء الخارقة للطبيعة، وهذا شائع جدًا في حياة الناس”.

بول أوينز، مدرس الدين والفلسفة في غلاسكو، نشأ في بلدة قريبة من الجسر ونشر مؤخرًا كتابًا عن اللغز. وعندما يتعلق الأمر بتفسير قفز الكلاب، فهو ينضم بشكل قاطع إلى المعسكر الذي يرجح التفسير الخارق للطبيعة. وقال أوينز، بينما كان جالسًا خارج حانة في يوم ممطر في غلاسكو: “بعد 11 عاماً من البحث، أنا مقتنع بأن شبحًا وراء كل هذا”.

وتحظى نظرية أوينز بشعبية بين بعض السكان المحليين، الذين نشأوا وهم يسمعون قصصًا عن “سيدة أوفرتون البيضاء”، وهي أرملة جون وايت الحزينة، نجل جيمس.

وقالت ماريون موراي، إحدى سكان دمبارتون: “عاشت السيدة بمفردها في حزن لأكثر من 30 عامًا بعد وفاة زوجها في عام 1908. لقد كان شبحها يختبئ هنا منذ ذلك الحين. لقد شوهدت عبر النوافذ وتتجول في الأرض”.

في عام 2010، حقق عالم السلوك الحيواني ديفيد ساندز في هذه الظاهرة واستبعد إمكانية أن الحيوانات كانت تقتل نفسها عمدًا. وتوصلت تجاربه على الجسر إلى أن الكلاب- وخاصة السلالات ذات الأنف الطويل- تم إنجذابها إلى رائحة الثدييات بالأسفل. وافترض الدكتور ساندز أن منظور الكلاب المحدود، وجهلها بأن المسار يتغير من مستوى سطح الأرض إلى جسر يمتد عبر مضيق عميق، والروائح التي تنبعث عبر الهواء، ربما تغري الكلاب بالقفز. ورغم هذا، اعترف بأن الجسر كان له “شعورًا غريبًا”.

وبعض السكان يجدون أن افتراضه جدير بالتصديق، في حين أن آخرين لا يزالوا يعتبرون أن القفز لا يمكن تعليله، متسائلين عن سبب عدم حدوث هذه الظاهرة بنفس المعدل في جسور أخرى في بريطانيا حيث تتجول الثدييات بالأسفل.

وأصرت ماكينون على أن “الجسور الأخرى لا تختبئ وراءها أرواحًا مضطربة”. ورغم السمعة المروعة، تظل أوفرتون منطقة مشهورة للكلاب، كما تُترك العديد من الحيوانات دون قيود.

وقال هيل: “لا يؤمن الكثير من الناس بالقصة حتى يروها بأنفسهم، وحتى بعد ذلك لا يعتقدون أن ذلك سيحدث لحيواناتهم”.

في أحد الأيام، أخذت إيما دنلوب، التي قالت إنها سمعت “قصص الرعب”، كلبها اللابرادور ريتريفر، جينجر، للنزهة إلى أوفرتون على أي حال. ولم تسمح له بالخروج دون قيود. وقالت: “لم يحاول مطلقًا القفز، لكنه يتوقف أحيانًا أو يتردد عندما يأتي على الجسر، لذا فأنا دائمًا حريصة”.

قفز جينجر من السيارة، وسار حول صاحبته وتوجه مباشرة نحو جسر أوفرتون، وعبره دون أي تردد. ولكن بعد ذلك توقف جنجر، ونظر إلى الوراء بعمق إلى شيء على الجسر، الذي بدى فارغًا. وقالت دنلوب ضاحكة “ها هي السيدة البيضاء”، مشيرة إلى أن جنجر رأى شبح الجسر.

.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى