سياسةمجتمع

“كوارتز”: الإسلام “أوروبي” بقدر المسيحية

هرون موغل: المسلمون سبقوا المسيحية في المجر

كوارتز – هارون موغل – ترجمة: محمد الصباغ

”معادية للأجانب والمسلمين“، هكذا وصفت المفوضية الاوروبية العليا لحقوق الإنسان معاملة المجر للسوريين واللاجئين الآخرين، الراغبين في ملاذ آمن. لم تتأثر  المجر حتى الان بالانتقادات الدولية، ومازال رئيس وزرائها فيكتور أوربان مصراً على أن بلادته لا تريد المسلمين، ويشاركه في ذلك أعضاء حزبه.

تعامل دول أوروبية أخرى اللاجئين بنفس الأسلوب، وإن كان بصورة   أقل قسوة. وعلى سبيل المثال، فإن قادة بولندا والتشيك وحالياً سلوفينيا مازالوا مترددين في استقبال اللاجئين المسلمين. ووافقت سلوفاكيا على استقبال 200 لاجئ بشرط أن يكون جميعهم من المسيحيين. وقال وزير الداخلية السلوفاكي، إيفان نيتك، إن المسلمين لن يشعروا أنهم في بلادهم لأن سلوفاكيا تفتقر إلى المساجد.

في كل هذه التصريحات، يتم تقديم الإسلام كأنه غريب على أوروبا. حتى عندما يتحدث الساسة بإيجابية حول الإسلام في أوروبا، يميلون للتحدث عن الأعداد الكبيرة من السكان المسلمين في المملكة المتحدة، وفرنسا أو ألمانيا، وأغلبهم وصلوا حديثا – نسبيا – إلى أوروبا. إذا كان الإسلام ليس غريبا على أوروبا، إذا فهو حديث عليها، هو أمر سيحتاج من الأوروبيين – خاصة المسيحيين منهم – وقتاً كي يعتادوا عليه.

لكن الأمر ليس كذلك. ليس فقط لأن أوروبا فكرة وليست حقيقة مادية. ليس فقط لأن القومية يتم تصويرها وصناعتها بشكل انتقائي. وليس فقط بسبب أن الإسلام مثل المسيحية واليهودية هو دين أقرب إلى الشرق.

الحقيقة هي أن المسلمين عاشوا في أوروبا لقرون. وسكن عدد كبير منهم في أوروبا في بلاد مثل فرنسا وألمانيا (إذا ما استبعدنا روسيا وتركيا)، بينما نجد ان بلغاريا هي أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي من حيث عدد المسلمين مقارنة بعدد السكان.

هؤلاء ليسوا مهاجرين.

بعض أحفاد الأتراك عاشوا لعصور فيما يسمى الآن ببلغاريا، وكثير من البلغار تحولوا إلى الإسلام باختيارهم أثناء الحكم العثماني.

ما هو عمر الإسلام الأوروبي؟

عندما ينشغل فيكتور أوربان بتزييف نظام بلاده لصالح استبداد حزبه الواضح، وتدمير الديمقراطية المجرية، التي تشهد نمواً كبيراً في معاداة السامية أو بتملقه لفلاديمير بوتين (الصديق المفضل للمصابين بالإسلاموفوبيا كبشار الأسد)، فهو يعيد كتابة التاريخ.

غزت الإمبراطورية العثمانية وفتحت البلقان في القرن الرابع عشر. وتحول الكثير من رعاياها إلى الإسلام. قد يبدو ذلك صادماً، ويستخدم البعض ذلك ليثبت أن الإسلام لا جذور له في أوروبا. لكن هذا المنطق الكاره للأجانب يتجاهل حقيقة أن المسيحية انتشرت في أوروبا تقريباً بنفس الطريقة: في الواقع، بينما كان العثمانيون يؤسسون لأنفسهم في شرق أوروبا، كان فرسان تيوتون (كتائب عسكرية دينية) ينظمون حملات صليبية ضد السكان الأصليين فيما يسمى بدول البلطيق حالياً، ويجبرونهم على التحول إلى المسيحية. لكن من يفكر في أن ليتوانيا أو لاتفيا أقل أوروبية لهذا السبب؟ ببساطة، عندما يتعلق الأمر بالإسلام فهناك معايير مختلفة.

شاهدت القومية المتصاعدة الكثير من المجتمعات الأول المسلمة وهى تمحى، بنفس الطريقة التى أزيلت بها المجتمعات اليهودية في شرق أوروبا. وخلف تراجع المد العثماني خلال القرن التاسع عشر مجتمعات منعزلة، تعرضت للهجوم من القوميين المستبدين المهوسين بالأفكار العرقية.

تراجعت أعداد المسلمين عبر عقود من المذابح والتفجيرات في شرق أوروبا، كما حدث في ألبانيا وكوسوفو والبوسنة ومقدونيا، ومونتنيجرو وبلغاريا. الأمر مأساوي، لكنه ليس استثناء. فبينما كان يتم القضاء على كثير من المسلمين وإبعادهم من أوروبا، كانت الجيوش العثمانية تمحو وجود السكان المسيحيين الأرمن من الأناضول.

لم يرتبط الإسلام في أوروبا فقط بالغزوات، وفرض الدين. (مع أن ذلك يحدث كثيراً عبر التاريخ في كل مكان). في بعض المناطق، ازدهرت أقليات مسلمة وشمل ذلك المجر.

لو نظرنا إلى اللغة المجرية سنجد شيئا مثيرا، وهو أنها لا تنتمي إلى العائلات اللغوية الأوروبية، بل هي أقرب إلى الفنلندية والاستونية. وهي لغات قريبة من جماعات الكين (Kin) وترجع إلى جبال الأوروال خارج أوروبا.

في الواقع، يعتقد أن المجريين ترجع أصولهم إلى وسط آسيا، وصلوا إلى أوروبا كغزاة غير مسيحيين. هناك دليل، في الواقع، بأن المسلمين عاشوا بين تلك القبائل، ويعني ذلك أن الإسلام قد سبق المسيحية في المجر. هل تسمعني فيكتور؟

وافق ملوك المجر على قبول المسلمين بينهم، واستمر ذلك لوقت طويل حتى غيرت الحملات الصليبية قناعاتهم (وهو أمر مشابه لما يحدث في العالم الإسلامي الحديث). كما قبل أيضا الكومنولث البولندي الليتواني – وهو من أقوى الدول حينها – بوجود المسلمين. كان التعاون بين الأديان قوياً حتى عام 1683، وعندما حاصرت الإمبراطورية العثمانية فيينا النمساوية، حشد المسلمون البولنديون فرسانهم وساعدوا رفاقهم المسيحيين وأسقطوا الحصار العثماني.

وفي البيان الإرهابي، أشار أندرياس بريفيك، عن معركة فيينا عام 1683، باعتبارها نقطة تحول في الحرب بين المسيحيين والمسلمين. لكن بيرفيك كان مخطئاً للغاية. كانت معركة فيينا في الحقيقة نضال بين مسلمين متحالفين مع بعض المسيحيين لصد جارة مسلمة تتحالف مع مسيحيين آخرين. استمر وجود البولنديين المسلمين لفترة كبيرة أيضاً، وبعضهم كان قد قاتل النازيين لصالح بولندا. واليوم، بعض القرى المسلمة البولندية مازالت باقية، وتمثل تراثا رائعا يشمل أيضا الثقافة الأدبية البيلاروسية والبولندية.

لم يكن المسلمون الأوروبيون قديسين ولا جناة بشكل كامل. لكنهم كانوا أروبيين. بعض المجريين قدموا المساعدات والدعم، لكن فيكتور أوربان يمثل دولته أمام العالم. ربما يجب أن يظهر بعض الإحسان واللطف تجاه أشخاص أجبروا على ترك بلادهم. أنا وفيكتور أوربان سنتفق على ما يقوله الإنجيل والقرآن؛ أننا جميعاً من نسل آدم وحواء، وكلاهما طرد من الجنة، وبات عليهما أن يبحثا عن مكان آخر ليعيشا فيه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى