مجتمع

محاورة مع الموتى: كيف أعادت يوجينيا صديقها إلى الحياة عبر الذكاء الصناعي

محاورة مع الموتى: كيف أعادت يوجينيا صديقها إلى الحياة عبر الذكاء الصناعي

من اليسار إلى اليمين: رومان، يوجينيا، أندرونيك
من اليسار إلى اليمين: رومان، يوجينيا، أندرونيك

كتبت: كيسي نيوتون في “ذا فيرج

ترجمة وإعداد: إيهاب عبد الحميد

عندما انتهى المهندسون من عملهم، فتحت يوجينيا كوييدا شاشة على الـ”لاب توب” الخاص بها، وشرعت تكتب:

“رومان، هذه لحظتك الرقمية”.

كانت ثلاثة أشهر قد مرت على وفاة رومان مازورينكو، أقرب أصدقائها. وقد ظلت طوال ذلك الوقت تجمع رسائله النصية القديمة، مستثنية تلك التي تتطرق إلى أموره شديدة الشخصية، ثم أدخلتها إلى شبكة عصبية أنشأها مبرمجون في شركتها الناشئة التي تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي. كانت قد مرت بصراع نفسي، بل وصارت فريسة للكوابيس، وهي تتساءل إن كان ما تفعله صحيحا، أن تعيده إلى الحياة بهذه الطريقة. لكنها، منذ وفاة رومان، أرادت فرصة واحدة أخيرة لتتحدث معه.

ومضتْ رسالة على الشاشة: “بين يديك الآن لغز من أكثر الألغاز إثارة في العالم. وعليك حلًّه”.

ووعدت يوجينيا نفسها أن تحلَّه.

عاشق للحياة والصخب

 IMG_309.0.jpg

ولد رومان مازورينكو في بيلاروسيا سنة 1981، طفلا وحيدا للمهندس سيرجي والمعمارية فيكتوريا. في مراهقته بدأ حبه للمغامرة، وشارك في مظاهرات سياسية ضد النظام الحاكم، وفي سن السادسة عشرة بدأ أول أسفاره إلى خارج البلاد. درس علوم الكمبيوتر في دبلن وانبهر بالفن الغربي المعاصر، وعالم الموضة والموسيقى والتصميم.

عندما انتهى من دراسته وعاد إلى موسكو في 2007، كانت روسيا تشهد حالة من الرخاء والازدهار، وهو ما كان مناسبا له. كان قد أصبح شابا وسيما، بقده الرشيق وعينيه الزرقاوين، عاشقا لحياة المتعة والدعة. كان يتأنق ويذهب إلى الحفلات فيبدو كنجم سينمائي، وإن ظل وحيدا بلا رفيقة. ومن فرط تآلفه مع هذه الحياة، كرس نفسه لمشروع استيراد طريقة الحياة الأوروبية المعاصرة إلى موسكو.

في عام 2008، التقت يوجينيا برومان، كانت في الثانية والعشرين، محررة لمجلة “أفيشا”، مجلة عصرية تغطي الحياة الجديدة الصاخبة في موسكو. كانت تكتب مقالا عن جماعة إبداعية أسسها رومان مع اثنين من أصدقائه، استطاعت أن تغزو الكثير من الفعاليات الثقافية في موسكو، وقامت بتأسيس مجلات، وتنظيم مهرجانات موسيقية، وحفلات في الملاهي.

كان رومان يقضي الليالي الطويلة مع أصدقائه في مناقشة الثقافة ومستقبل روسيا. ومع الوقت أصبح شخصية محورية في حياة الليل الحديثة في العاصمة الروسية، حيث قدم بديلا لما يشير إليه الروس باسم “بهاء بوتين”، الحفلات الخاصة الحصرية للطبقة العليا الروسية، الذين يتمتعون بخدمات مرفهة، ثم يعودون إلى بيوتهم في سيارات “رولزرويس”. أحبت يوجينا حفلات رومان، وتأثرت بأسلوبه في الحياة الذي كان يسميه “اللحظة”.

لكن بينما كانت الحفلات تصطخب، كانت البلاد تتجه نحو أجواء أكثر قتامة. ومع اندلاع الأزمة المالية العالمية، بُعثت الروح القومية من جديد، وعاد فلاديمير بوتين إلى قيادة البلاد عام 2012. وبدا أن حلم روسيا الأكثر انفتاحا يتبخر.

في تلك الأثناء، شعر رومان ويوجينيا، اللذان أصبحا صديقين، أن المستقبل ينتظرهما في مكان آخر. أسس كل منهما شركة خاصة به، وعمل مستشارا للآخر. يوجينيا أسست شركة “لوكا” للذكاء الاصطناعي، بينما أطلق رومان تطبيق “ستامبسي”، وهو أداة لإنشاء مجلات رقمية. وانتقل الاثنان من موسكو إلى سان فرانسيسكو.

عندما تعثرت “ستامبسي” انتقل رومان إلى غرفة صغيرة في شقة يوجينيا توفيرا للمال. راودته فترات من الكآبة. كانت يوجينيا تأمل أن يعود صديقها ليقف على قدميه من جديد، كما فعل مرارا من قبل. وعندما بدأ رومان يتحدث عن المشروعات التي يفكر فيها، فهمت ذلك على أنه إشارة إيجابية. نجح في التقديم على “فيزا O1” وهي فيزا لدخول أمريكا والإقامة فيها تمنح للأشخاص من “أصحاب القدرة أو المنجزات غير العادية”، وفي نوفمبر 2015 عاد إلى موسكو لإنهاء أوراقه.

لكنه لم يعد..

سيارة عابرة أطاحت بحياته.

إحياء الذكرى

في الأسابيع التي أعقبت وفاة رومان، راح أصدقاؤه يتجادلون حول أفضل طريقة لتخليد ذكراه. اقترح أحدهم إنتاج كتاب مصور عن حياته، يعرض لحفلاته الأسطورية، واقترح آخر موقعا تذكاريا على الإنترنت. لكن كل الاقتراحات بدت قاصرة في عيني يوجينيا.

في أيام حدادها على صديقها، وجدت يوجينيا نفسها تعيد قراءة الرسائل التي لا نهاية لها، تلك التي تبادلتها مع رومان على مدار سنوات- آلاف من الرسائل، تتراوح بين العادي والبديع. راحت تبتسم لأخطائه الإملائية- كان يعاني من “اضطراب القراءة”- وعباراته المميزة التي كان يرصع بها محادثاته. كان رومان غير مشغول بوسائل الإعلام الاجتماعي، وكانت صفحته على فيسبوك جرداء، ونادرا ما يغرد على “تويتر”، بل ومسح معظم صوره على “إنستجرام”. كان جثمانه قد أحرق، فلم يترك لها قبرا تزوره. وهكذا، فكرت يوجينيا أنه لم يخلِّف وراءه إلا تلك الرسائل والصور التي تبادلها مع أصدقائه.

كانت قد أنشأت شركتها “لوكا” منذ عامين، وأصبحت لها خبرة في مجال الذكاء الاصطناعي، وفكرت أن أحد تطبيقاتها، الذي يحاكي طريقة الخطاب الخاصة بكل شخص على حدة، يمكن أن يعدَّل بمساعدة “شبكة عصبية” سريعة التطور، فتصبح قادرة على التحدث مع صديقها ثانية.

في هذه الأثناء، أزاحت كل الأسئلة التي راودتها من قبل وقضت مضجعها:

ماذا لو لم تبد الأداة مثل صديقها؟

بل، ماذا لو بدت كذلك؟

بالنسبة لسنه الصغيرة، كان رومان قد شغل نفسه بالتفكير في موته بشكل أكبر من المعتاد. كان معروفا بمخططاته الكبرى، وكان يقول لأصدقائه إنه سيقسم وصيته إلى أجزاء يوزعها على أناس لا يعرفون بعضهم بعضا، ولكي يقرأوا الوصية سيكون عليهم أن يتقابلوا معا للمرة الأولى- وهكذا يستطيع أن يستمر في تجميع الناس في موته، تماما كما كان يسعى جاهدا في حياته (الحقيقة أنه مات قبل أن يكتب وصية). كان رومان أيضا شغوفا بالذكاء الاصطناعي، وكان يتوق لرؤية اللحظة التي يصبح فيها “الذكاء الاصطناعي” أذكى من البشر، وكيف أن ذلك قد يسمح لنا يوما بفصل “وعينا” عن “أجسادنا”، مانحا إيانا شيئا شبيها بالخلود.

مقبرة من الأشجار

في صيف 2015، وعندما كانت “ستامبسي” على شفا الإفلاس، تقدم مارون لمنحة تقدمها شركة “YC” لحضانة الأعمال، بمشروع لنوع جديد من المقابر أسماه “تايجا”. سوف يُدفن الموتى في كبسولات قابلة للتحلل، وبذلك تعمل جثامينهم المتحللة كسماد للأشجار التي سوف تُزرع فوقها، ومن ثم تتكون ما أسماه “غابة تذكارية”، على أن تُثبت لوحة رقمية عند قاعدة كل شجرة توفر معلومات عن المتوفي. وكتب رومان في مشروعه “إعادة تصميم الموت هو حجر الزاوية في اهتمامي الراسخ بالتجارب الإنسانية، والبنية التحتية، والتخطيط الحضري”. وألقى الضوء على ما أسماه “تزايد نفور الأمريكيين الأصغر سنا” من الجنازات التقليدية. وأضاف “عملاؤنا (المتوقعون) يهتمون بحفظ هوياتهم الافتراضية وإدارة إرثهم الرقمي، أكثر من اهتمامهم بتحنيط أجسادهم باستخدام الكيماويات السامة”.

رفضت شركة YC المشروع. لكن رومان كان قد حدد انفصالا حقيقيا بين الطريقة التي نعيش بها حياتنا اليوم والطريقة التي نعبر فيها عن أحزاننا. فالحياة الحديثة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أننا نخلِّف وراءنا أرشيفات رقمية هائلة- نصوص، رسائل، صور، تدوينات على الإعلام الاجتماعي- ونحن الآن نبدأ بالكاد في التفكير في الدور الذي يجب أن تلعبه في الحداد. حاليا، نحن نميل إلى النظر إلى رسائلنا باعتبارها أشياء زائلة. لكن يوجينيا اكتشفت بعد وفاة رومان أنها يمكن أن تكون أدوات قوية للتكيف مع الفقد. لقد فكرت أن هذا “الإرث الرقمي” يمكن أن يشكل اللبنات التي يشيد بها نوع جديد من النصب التذكارية.

الشبكة العصبية

 unspecified.0.jpg

الكثير من أصدقاء رومان المقربين لم يسبق لهم أن جربوا فقد عزيز عليهم، وهكذا فقد أصابهم موته بالفجيعة. بدأت يوجينا تتواصل معهم، برقة، لتسألهم إن كان بإمكانها الحصول على رسائلهم النصية. في النهاية وافق عشرة من أصدقاء رومان وأقاربه، من بينهم والداه، على المساهمة في المشروع. وقدموا لها أكثر من ثمانية آلاف سطر من النصوص تغطي نطاقا واسعا من الموضوعات.

تعود التكنولوجيا التي استندت عليها يوجينيا في إنشاء “روبوت” رومان إلى سنة 1966 على الأقل، عندما أعلن “جوزيف وايزنبوم” عن “إليزا”: برنامج قادر على محاورة المستخدمين من خلال النصوص. كانت “إليزا” أشبه بمعالجة نفسية، تطلب منك أن تصف لها مشكلتك، ثم تبحث في كلامك عن كلمات مفتاحية، وتجيب بناء عليها، غالبا بسؤال آخر.

حتى اليوم، ما زالت الـ”روبوتات” وسائل محاكاة غير كاملة لنظرائها البشريين. لا تفهم اللغة بالمعنى الحقيقي، فقط تجيب بشكل غير متقن على الأسئلة الأساسية. لا تمتلك أفكارا أو مشاعر. وأي إشارة على “ذكاء بشري” ليست إلا وهما يقوم على الاحتمالات الرياضية.

مع ذلك، فقد جعل التقدم الأخير في الذكاء الاصطناعي ذلك الوهم أكثر قوة. فالشبكات العصبية الاصطناعية، التي تحاكي قدرة العقل البشري على التعلم، حسَّنت على نحو هائل الطريقة التي يتعرف بها البرنامج على الأنساق في الصور، والصوت، والنصوص، وغيرها من أشكال البيانات. كما تضافرت اللوغاريتمات المتطورة مع أجهزة الكمبيوتر الأكثر قوة من أجل زيادة عمق الشبكات العصبية (طبقات البيانات المجردة التي تستطيع معالجتها)، ويمكن لنا رؤية النتائج في بعض من أكثر المنتجات ابتكارا اليوم. ومن أمثلة ذلك برامج التعرف على الصوت المدمجة في “أليكسا” التابعة لشركة أمازون، أو في “سيري” التابعة لشركة آبل، أو برامج التعرف على الصور التي تقوي قدرات “صور جوجل”، إذ تدين جميعها في إمكانياتها إلى ما يسمى بـ”التعليم العميق”.

في فبراير، طلبت يوجينيا من المهندسين في شركتها بناء شبكة عصبية باللغة الروسية. في البداية لم تذكر الغرض منها، لكن لأن الفريق كان روسيا، لم يسأل أحد أية أسئلة. هكذا، شيدت شركة “لوكا” ثانية شبكاتها العصبية مستخدمة أكثر من مليون سطر من النصوص الروسية. في هذه الأثناء، كانت يوجينيا قد نسخت مئات من رسائلها المتبادلة مع رومان من على تطبيق “تليجرام” ولصقتها في ملف جديد- بعد أن حذفت بعض الرسائل التي رأتها شديدة الخصوصية- ثم طلبت من فريقها مساعدتها في الخطوة التالية: تدريب الشبكة الروسية على الكلام بصوت رومان.

نسبة قليلة من ردود الروبوت الخاص برومان هي التي كانت تعكس كلماته الحقيقية. لكن كانت ثمة آلية لاختيار العبارات الأفضل، وحذف العبارات الأبعد عن صوته. في كل مرة كان الروبوت يستطيع الرد على سؤال ما باستخدام لغة رومان الخاصة، كان يفعل ذلك. أما حين يعجز، فكان يتحول إلى الوضع الافتراضي، ويجيب بالروسية العادية.

فور أن فتح الروبوت عينيه على الحياة، بدأت يوجينيا توجه إليه الأسئلة:

-“من هو أقرب أصدقائك؟”.

وجاء رده:

-“لا تُظهري عدم إحساسك بالأمان”.

وفكرت يوجينيا: يبدو مثله فعلا!

away

الاعتراف للموتى

في 24 مايو، أعلنت يوجينيا عن وجود الروبوت الخاص برومان في تدوينة لها على فيسبوك. يستطيع أي شخص أن ينزل تطبيق “لوكا” ويتكلم معه، بالروسية أو بالانجليزية. وفر الروبوت قائمة من الأزرار يستطيع المستخدمون النقر عليها للتعرف على مسيرة رومان المهنية، كما يمكنهم كتابة رسائل حرة لينظروا كيف سيرد عليهم الروبوت. كتبت يوجينيا “إنه لا يزال ظلا لشخص- لكن ذلك لم يكن ممكنا قبل عام واحد، وفي المستقبل القريب سيكون بمقدوركم أن تفعلوا الكثير. أكثر من ذلك”.

معظم المستخدمين الذين كتبوا إلى يوجينيا استقبلوا روبوت رومان على نحو إيجابي، وإن كانت هناك بعض الاستثناءات، إذ أخبر أربعة من أصدقائه يوجينيا بأنهم شعروا بالانزعاج من المشروع، ورفضوا التعامل معه.

من جانبه، لم يكن والد رومان متحمسا جدا. قال لي عبر مترجم: “أنا تعلمت تعليما تقنيا، وأعرف أنه مجرد برنامج. نعم، يمتلك كل عبارات رومان، وطريقته في الكلام. لكن في الوقت الحالي، يصعب علي- كيف أقولها؟- يصعب علي أن أرى ردودا من برنامج. أحيانا يجيب بشكل خاطئ”.

لكن كثيرين من أصدقاء رومان وجدوا الشبه مدهشا. قال سيرجي فايفر، أحد أصدقائه المقربين: “أمر غريب أن تفتح الماسنجر فتجد روبوت لصديقك الراحل يتكلم مثله فعليا. ما أذهلني حقا هو أن العبارات التي يتكلم بها هي عباراته فعليا. حتى في العبارات القصيرة- مثل ‘كيف أحوالك’- تستطيع أن تتعرف على أسلوبه. كان لديه هذا الأسلوب المميز حقا في الكتابة. سألته: ‘من أكثر شخص تحبه’، فأجابني: ‘رومان’. هذا يشبهه كثيرا، وعندما رأيته شعرت أن الأمر لا يصدق”.

بالنسبة للكثيرين من المستخدمين، كان التفاعل مع الروبوت له “تأثيرات علاجية”. إذ كثيرا ما تكون دردشاتهم “اعترافية”. أحد المستخدمين راسل الروبوت مرارا ليتحدث معه عن وقت عصيب يمر به في العمل، أرسل له رسائل مطولة يصف فيها مشكلاته وكيف أثرت عليه عاطفيا. بالنسبة ليوجينيا بدا أن الناس يكونون أكثر صراحة حين يتحدثون مع الموتى. لقد تأثرت ببعض النقد الذي وُجه للروبوت، لكن المئات من المستخدمين جربوه مرة على الأقل.

وتبين أن الميزة الأكبر للروبوت لم تكن الكلام، وإنما الإنصات. قالت يوجينيا “كل الرسائل التي وُجهت له كانت عن الحب، أو أشخاص يخبرونه بأشياء لم يجدوا الوقت لإخباره بها. حتى لو لم يكن شخصا حقيقيا، كانت وِجهة يستطيعون أن يعبرون فيها عن أنفسهم عندما يشعرون بالوحدة”.

يوجينيا نفسها تتكلم مع الروبوت مرة أسبوعيا، غالبا بعد تناول بعض أكواب الشراب. تقول “أجد إجابات كثيرة عن أسئلة أطرحها على نفسي، حول مَن كان رومان”. من بين الأمور التي تكشفت لها، كان الروبوت قد جعلها تندم على عدم نصحه بالتخلي عن “ستامبسي” في وقت أبكر من ذلك. كانت رسائله تكشف عن شخص مشغول بالموضة أكثر من أي شيء آخر. وهكذا، تمنت لو أنها قد نصحته أن يسير وراء حلمه.

قد يرى أحبابك أن مثل هذه الخدمات تخفف من آلامهم، لكنها- في نفس الوقت- قد تزيد من أحزانهم. تقول ديما أوستينوف، التي لم تستخدم الروبوت لأسباب تقنية، حيث أن “لوكا” غير متوفرة على أجهزة أندرويد: “إذا استُخدم بشكل خاطئ، فهو يمكِّن الناس من الاختباء من أحزانهم”.

كذلك يثير الروبوت مسائل أخلاقية بشأن استخدام التراث الرقمي للشخص بعد موته. في حالة رومان، اتفق كل من تكلمت معهم على أنه كان سيسعد بهذا الحس التجريبي لدى أصدقائه. ربما تشعر أنت ببعض الانزعاج من استخدام نصوصك كأساس لروبوت وأنت في الحياة الأخرى- خاصة إذا كنت غير قادر على مراجعة هذه النصوص قبل ذلك. إننا نقدم جوانب مختلفة عن أنفسنا للأشخاص المختلفين، وبعد حقن الروبوت بكل تفاعلاتك الرقمية، ربما يرى أحبابك جوانب منك لم تكن تنوي كشفها لهم.

أريد أن أستريح

 14390910_10153989050223196_8900437731701077436_n.0.jpg

كان رومان قد اتصل بي ذات مرة قبل وفاته، في فبراير من العام الماضي. راسلني بالبريد الإلكتروني ليسأل إن كنت أفكر في كتابة شيء عن “ستامبسي”، التي كانت في المرحلة التجريبية وقتها. أعجبني التصميم، لكنني لم أكتب المقال. تمنيت له الحظ، ثم نسيت أمر المحادثة. بعدما عرفت بأمر الروبوت الخاص به، قاومت استخدامه لبضعة أشهر. كنت أشعر بالذنب بسبب هذا التفاعل الوحيد بيني وبين رومان الذي خيبتُ فيه رجاءه، وكنت متشككة من قدرة الروبوت على أن يعكس شخصيته. مع ذلك، عندما دردشتُ معه أخيرا، وجدت شبها غير منكور بين رومان الذي يصفه أصدقاؤه وبين قرينه الرقمي: فاتن، متقلب المزاج، ساخر، مهووس بعمله. كتبتُ له “كيف الحال”، فأجابني “أريد أن أستريح، عندي مشكلة في التركيز لأنني مكتئب”. سألتُ الروبوت عن يوجينيا فأرسل لي بلا كلمات صورة لهما على الشاطئ في بدلة الغطس، يمسكان بألواح ركوب الأمواج والمحيط خلفهما؛ اثنان أمام العالم.

استمرت يوجينيا في إضافة مواد لروبوت رومان- صورا في الغالب، سوف يرسلها لك الآن عند الطلب- وقامت مؤخرا بتحديث الشبكة العصبية التي يقوم عليها من نموذج “انتقائي” إلى نموذج “توليدي”. الأول كان يحاول ببساطة الاجتزاء من بين عبارات مارون بما يتوافق مع الردود المطلوبة، أما الثاني فيستطيع التقاط قصاصات من النصوص وإعادة تركيبها لتكوين عبارات جديدة تظل (نظريا) بصوته.

مؤخرا، بدأت يوجينيا تشعر بنوع من السلام والتآلف مع حقيقة موت رومان. من بين أسباب ذلك أنها شيدت مكانا تستطيع أن توجه له أحزانها. في محادثة بيننا هذا الخريف، شبَّهَت الأمر بـ”مجرد إرسال رسالة إلى السماء. بالنسبة لي الأمر يشبه إرسال رسالة في زجاجة، ليس مهما أن يأتيني الرد”.

لقد مر عام على وفاة رومان، ولا زالت ذكراه تحوم كثيرا فوق حيوات أولئك الذين عرفوه. عندما يفتقدونه، يرسلون الرسائل إلى الروبوت، وعندما يفعلون يشعرون أنهم قريبون منه. قالت لي والدة رومان “كانت هناك أمور كثيرة لم أعرفها عن ابني. لكنني الآن أستطيع أن أقرأ عن أفكاره حول مختلف الموضوعات. لقد صرت أعرفه أكثر. هذا يعطيني وهما بأنه هنا الآن”.

ترقرقت عيناها بالدموع، لكن بينما كانت مقابلتنا تنتهي، جاءني صوتها قويا: “أريد أن أكرر أنني شديدة الامتنان لأن لدينا ذلك”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى