اقتصادسياسة

سي إن إن: أوباما يتعاون مع المستبدين؟.. وَلّت ”مثالية“ الربيع العربي

سي إن إن: هل تتجاهل المساعدات الأمريكية انتهاكات حقوق الإنسان في مصر

سي إن إن – آرون ميلر – ترجمة: محمد الصباغ

حاول وزير الخارجية جون كيري خلال تصريحاته الأسبوع الماضي أمام الكونجرس أن يلغي الارتباط بين وضع حقوق الإنسان في مصر وبين المعونات الأمريكية، وهو الأمر الذي أصاب المجتمع الحقوقي بالإحباط والغضب. لكن أي شخص يتابع تطور سياسة الرئيس أوباما نحو الشرق الأوسط سيشعر بالكاد بالدهشة.

لقد ولّت الأيام الأولى من الربيع العربي الذي بدأ عام 2011، حينما تحدث الرئيس عن الوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ –المجاز الذي استخدمته  حملة أوباما- ودعم قوى الأمل والتغيير.

أدركت الإدارة –بالطريقة الصعبة- ما توصل إليه المؤرخ الروماني تاسيتوس في القرن الرابع: أول يوم بعد موت إمبراطور سيئ هو دائماً اليوم الأفضل. وكذلك الأمر بالنسبة للربيع العربي. كان الإطاحة بالمستبدين الجزء السهل. أما خلق حكومة أفضل فثبت أنه الأمر الأصعب.

فقط تونس استطاعت خلق دولة لديها فرصة في تحقيق إصلاح حقيقي ومشاركة للسلطة. وبالنسبة للبقية، عاد التفتت أو القمع أو كلاهما معاً. ففي مصر، القوى التقليدية –الجيش والإسلاميين- تنافسوا على السلطة وأقصوا أو قمعوا قوى التغيير غير المنظمة التي لم تمتلك قدرة على تقديم حكم رشيد أو مستقر.

بعد التغزل في الإسلاميين والتحول عن الجيش، الذي استولى على السلطة بتعامل جيد مع الدعم الشعبي، أجبرت إدارة أوباما على تصحيح مسارها وتقبل الأمر الواقع، والتحرك نحو نهج أكثر قبولاً وبرجماتية، ويتناقض مع خطابها المثالي في السابق.

في الشرق الأوسط ومع الانهيار في المنطقة، يبدو القرار اتجه نحو اعتبار أنه ليس من الحكمة وضع قضايا حقوق الإنسان والحكومات الشفافة في مركز الاهتمام فيما يتعلق بعلاقاتها مع الحلفاء الاستراتيجيين. في الواقع، يبدو أن إدراة أوباما توصلت إلى استنتاج بأنه في تلك البيئة المضطربة، دولة سيئة أو غير مكتملة هي أفضل من لا دولة على الإطلاق. وإليكم السبب:

شتاء عربي

من كان يحلم بنهاية هوليوودية لأحداث الربيع العربي عام 2011 يجب عليه بدلاً من ذلك العودة لمتابعة الأفلام. خلال سنوات قصيرة قليلة، تحوّرت المنطقة بدرجة أزعجت حتى قدامى المحللين السلبيين للشرق الأوسط، مثلي.

في ليبيا وسوريا ومعهم اليمن، هناك أنواع مختلفة من التفتت. وفي الدول العربية التي لا تعاني الانهيار، هناك درجة كبيرة من الاختلال. في العراق ولبنان وبالطبع مصر، التحديات الاقتصادية والسياسية مُركبة ودائمة. انس الإدارة الجيدة، الأمر يتعلق بالقدرة على توفير احتياجات شعوبها الأساسية، والسيطرة على أراضي الدولة، وإبقائها مستقرة.

أما الملوك العرب فنجوا نسبياً، لكنهم يواجهون مجموعة من تحدياتهم الخاصة. على سبيل المثال، المملكة العربية السعودية، الحليف المهم لأمريكا في الخليج، تواجه تحدياً متصاعداً بسبب تراجع أسعار النفط، مما يمثل خطورة على العوائد الدائمة التي توفر نسبياً الاستقرار للمملكة.

لا جديد

اتجاه الإدارة نحو البرجماتية هو بالكاد ردة كبيرة في سياسة أمريكا بالشرق الأوسط.

لخمسين عاماً، تعاملت الولايات المتحدة مع القادة المستبدين العرب وغضت الطرف عن الأمور المتعلقة بحقوق الإنسان والفساد. خلال عملي في فترة التسعينيات بالخارجية كمفاوض بالشرق الأوسط ، أتذكر جيداً كيف تجاهلنا حكم الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات الاعتباطي، لأننا كنا بحاجة إلى تعاونه في عملية السلام. وكان الإسرائيليين سعداء جداً أيضاً.

وحالياً، تتجاهل الولايات المتحدة قضايا متعلقة بحقوق الإنسان في مصر والبحرين، و انتهاكات السعودية- قد تصل لجرائم حرب- في الحرب ضد الحوثيين باليمن. ودعونا لا ننس العراق، فبالرغم من سوء معاملة الحكومة للنسبة السنية الأقل من عدد السكان، لم تقدم واشنطن المساعدات مشروطة بتحسن في الحكم أو احترام لحقوق الإنسان.

بطريقة ما، تعود الولايات المتحدة إلى تلك الطريقة بسبب مخاوفها من عدم الاستقرار بالمنطقة ولإدراكها أنها لا تمتلك النفوذ لإصلاح تلك الدول. ومع استعداد السعوديون والدول الخليجية لتمويل مصر، ما فائدة التهديد بقطع المساعدات- وخصوصاً مع حاجة الولايات المتحدة لتعاون الدول العربية؟

كما قال كيري أمام الكونجرس: ”دعوني اسأل: من يمتلك النفوذ؟ إلى من سيستمعون؟ من أين يعتقدون أن المساعدة قادمة لهم؟“

من المفارقات القاسية أن الولايات المتحدة –التي عقدت من قبل آمال ديمقراطية كبيرة على الربيع العربي- تجد نفسها حالياً تعتمد مرة أخرى على المستبدين.

في هذا الوقت، الأمر معقد أكثر: حكومات مصر والسعودية والبحرين لا يثقون في الإدارة الأمريكية بدرجة كبيرة بسبب الدعم والتشجيع –النظري أو غير ذلك- الذي قدمته للربيع العربي. وهذا هو الإدراك الذي أذعنت له إدارة أوباما تجاه نمو النفوذ الإيراني بالمنطقة، والذي أيضاً تسبب في توتر العلاقات.

استقرار مزيف

الحقيقة هي أنه مع انهيار المنطقة وتهديدات منظمات كالدولة الإسلامية، تعتمد الولايات المتحدة على حكام العرب الأقوياء ولا يمكن تخليها عنهم أو إصلاحهم. الضربة الأخيرة لأجندة حقوق الإنسان قد تكون قرار أمريكا بأن الرئيس السوري بشار الأسد –بالرغم من كونه السبب الرئيسي للحرب الأهلية في سوريا- هو حالياً جزء من الحل للأزمة.

أمر لا مفر منه. لكن النفوذ الروسي والإيراني بالإضافة إلى الحاجة لإنهاء العنف في سوريا، ربما يجبر الإدارة على قبول وجود الأسد لوقت أطول مما تأمل فيه.

التعاون في السابق مع الرجال الأقوياء في مصر وتونس واليمن وفلسطين، كان يعمل بفاعلية هادئة لسنوات عديدة ويحمي المصالح الأمريكية. تكمن الخطورة في أن هذا الاعتماد هلى المستبدين يرمي أرض المنطقة ببذور عدم الاستقرار الذي تسعى الولايات المتحدة لمنعه.

إذاً إلى الآن، يبدو أن الولايات المتحدة عالقة في منطقة مليئة بالاضطرابات لا يمكنها مغادرتها أو إصلاحها، ومن المرجح أن يعكس ذلك النفاق والتناقض –ليس فقط في سياسة شركائنا المستبدين، لكن أيضاً في سياسة الولايات المتحدة.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى