سياسة

بلومبيرج: شكري ونتنياهو.. لماذا اتحدّ خصوم الأمس؟

بلومبيرج: شكري ونتنياهو.. لماذا اتحدّ خصوم الأمس؟

بلومبيرج- دافيد وينر- جوناثان فيرزجر- أحمد فتيحة

ترجمة: محمد الصباغ

عندما حوّل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خطابا عاديا له حول موارد الكهرباء إلى مطالبة غير متوقعة بسلام بين إسرائيل والفلسطينيين، رجل واحد لم يفاجأ بهذا التحوّل هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

توّج الخطاب الذي ألقاه السيسي في شهر مايو أشهر من العمل الدبلوماسي خلف الستار الذي قامت به مجموعة تشمل رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير. ومع قلق نتنياهو من المقترح المنفرد الذي تقوده فرنسا والذي قد ينتهي بحل للصراع الفلسطيني، كانت كل خطوة مدروسة تقريبا ومنسقا لها مع مفاوضه الكبير، إسحق مولخو، وفقا لأشخاص على مقربة من المفاوضات السرية.

بعد قرابة أربعة عقود من توقيع المعاهدة التي غيرت شكل الشرق الأوسط، حوّلت مصر وإسرائيل علاقتهما الباردة ببطء إلى تحالف. زادت الدولتان من قوة تعاونهما الأمني إلى مستويات غير مسبوقة ومهدتا الخلفية القانونية لتعاقد في مجال الطاقة تصل قيمته إلى عشرات المليارات من الدولارات، وذلك مع اكتشافات الغاز في البحر المتوسط والتهديد المستمر من المسلحين الإسلاميين الذين حولوا دفة التحركات السياسية في المنطقة.

قال وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينيتز، في حوار من داخل مكتبه في القدس “في هذا الوقت وسط الاضطرابات التي تضرب الشرق الأوسط، من المهم للدول المسؤولة أن تحافظ على هذا النوع من التعاون.”

وفي آخر الإشارات على العلاقات الدافئة، زار وزير الخارجية المصري سامح شكري إسرائيل، الأحد، لمناقشة جهود تجديد محادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية المعلقة، وهي الزيارة الرسمية الأولى لوزير خارجية مصري إلى إسرائيل منذ 9 سنوات.

وقال شكري وهو واقف بجوار نتنياهو في مؤتمر صحفي “إن الزيارة التي أقوم بها إلى إسرائيل اليوم، تأتي في إطار جهد مصري نابع من شعور بالمسؤولية تجاه تحقيق السلام لنفسها وجميع شعوب المنطقة، لا سيما الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.” وقال نتنياهو إنها “تبرز التغير الذي حدث في العلاقات المصرية الإسرائيلية، ويشمل دعوة الرئيس السيسي الهامة لدفع محادثات السلام، مع الفلسطينيين والدول العربية.”

وذكرت تقارير بالتليفزيون الإسرائيلي أن هناك ترتيبات جارية لزيارة يجريها نتنياهو إلى القاهرة نهاية العام للقاء السيسي. سيكون الهدف هو تعزيز السعي السعودي للوساطة في عملية السلام العربي الإسرائيلي وإجهاض المقترح الفرنسي لحل الصراع الإسرائيلي، والذي تعارضه القيادة الإسرائيلية.

وفي خطابه بمناسبة افتتاح محطة كهرباء أسيوط، قال السيسي إنه رأى “فرصة لمستقبل أفضل”، بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وتلى ذلك بيان لنتنياهو لتشجيع الدور المصري، في حين قال وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك إيرولت، إن مبادرة السيسي تكميلية للمقترح الفرنسي.

العودة إلى لعب دور الوسيط القوي في المنطقة قد يساعد على إعادة البريق إلى صورة مصر الدولية، في ظل معاناتها من أجل إحياء اقتصادها. وأي عوائد متوقعة ستقلل من أي مخاطر متزايدة من هجمات المسلحين بسبب العلاقات القوية مع إسرائيل.

ويعتبر التقارب أو الانجذاب بين السيسي، 61 عاما، وبين نتنياهو، 66 عاما، مثيرًا للانتباه بسبب الكراهية العميقة التي ما زالت قائمة في مصر نحو إسرائيل.

طالما عملت الحكومة في القاهرة ومنظمات المجتمع المدني على إبقاء التعامل مع إسرائيل في أقل الحدود الممكنة، وفي الغالب تبقى الاتصالات الرسمية سرية. وكان العضو بمجلس النواب، توفيق عكاشة، قد تعرض للضرب بالحذاء في فبراير الماضي بواسطة أحد النواب الآخرين بسبب استقباله السفير الإسرائيلي بالقاهرة في منزله.

وسمحت عشرات الهجمات التي نفذها مسلحو التنظيم التابع للدولة الإسلامية في سيناء ضد أفراد من الأمن، للسيسي بالاقتراب من الدولة اليهودية. كما استهدفت إسرائيل أيضا من قبل المسلحين المتواجدين في سيناء ومن حركة حماس التي تحكم قطاع غزة، مما جعلها تعزز من عملياتها العسكرية على طول الحدود المشتركة مع مصر بعيدا عن شروط معاهدة السلام الموقعة عام 1979.

وقال محمد كامل، عضو مجلس النواب السابق وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة “هناك بالفعل تعاون على مستويات عالية قد تكون غير مسبوقة، خصوصا في مجال مكافحة الإرهاب. مصر ستتعامل مع هذا المسألة بطريقة رشيدة تعتمد على المصالح الوطنية.”

التعاون الاستخباراتي

يعمل السيسي بحماسة افتقدها سابقوه ضد الجماعات المسلحة وحركة السلاح بين سيناء وقطاع غزة، ودمّر وأغرق مئات الأنفاق التي تعبر بين حدود القطاع وشبه الجزيرة. وردت إسرائيل على ذلك بدعم مادي، ووفقًا لنائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، فقد كثّفت تل أبيب من تعاونها الاستخباراتي أيضا.

وقال الجنرال، يائير جولان “هذا المستوى من التعاون لم نشهده من قبل.. الأمر لا يتعلق بالحب، ولا بالقيم المشتركة. لن أصفه كعلاقتنا مع الولايات المتحدة، لكن أعتقد أنه تطور جديد.”

وقال مسؤول سابق بالجيش الإسرائيلي، إن بلاده قامت بالعديد من الهجمات باستخدام طائرات دون طيار ضد مسلحين في شبه جزيرة سيناء في السنوات الأخيرة بمباركة مصرية.

تعاقدات الغاز

يعود التقارب بين السيسي وإسرائيل إلى ما قبل توليه رئاسة الجمهورية. فحينما كان وزيرا للدفاع، ضغطت إسرائيل على الولايات المتحدة من أجل عودة المعونات العسكرية إلى مصر. وأشاروا إلى أن مصر بحاجة إليها لمواجهة التهديدات الأمنية الخطيرة في سيناء، وفقا للمسؤول الإسرائيلي الذي تحدث بشرط عدم الإفصاح عن هويته.

وتأخذ تعاقدات الغاز المتوقعة العلاقات بين البلدين إلى مستوى آخر. فالإمدادات التي ستزود بها إسرائيل مصر ستخفف من أزمة الطاقة حتى تستطيع القاهرة تطوير واستغلال حقلها، الأكبر في البحر المتوسط.

وبعد نهاية ستة أعوام من القطيعة بين تركيا وإسرائيل، وبعدما أعلنت الدولتان عن مفاوضات حول موارد الطاقة، أرسل نتنياهو برسالة علنية يطمئن فيها السيسي. وقال في مؤتمر صحفي بروما الشهر الماضي إن حقل غاز ليفياثان الإسرائيلي “يمكنه أن يمد مصر، وهو أمر نعمل على إتمامه، وهو الحال نفسه مع تركيا.”

ويمكن أن تعمل مصانع تسييل الغاز المصرية لتحويل الغاز الإسرائيلي إلى صادرات نحو أوروبا والأسواق العالمية. ويمكن أن تسامح إسرائيل في نصف قيمة الغرامة الدولية ضد مصر التي تصل إلى 1.7 مليارات دولار، للإخلال بتعاقدات الغاز، وفقا لأقوال أشخاص مطلعة في شهر مايو.

بالنسبة لمصر هناك أشياء على المحك بعيدا عن إمدادات الغاز، باعتبار أن لها دورا قياديا في محادثات السلام وهو فرصة بعد انتقادات طويلة بأن حسني مبارك قد سمح للنفوذ المصري بالتراجع، وتوقع السيسي أن يكون لحديثه صد كبير، حيث قال حينها “أتحدث عن موضوع قد يكون غير متوقع على الإطلاق وليس بالبسيط.. أتمنى أن يكون كل شخص في مصر والعالم العربي، والفلسطينيين والإسرائيليين، مستمعين إلى حديثي.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى