مجتمع

العالم سيواصل الهجرة شمالاً بسبب المناخ لا الحروب

قد يتحول سكان إيطاليا وإسبانيا واليونان أيضا إلى لاجئين بسبب التغير المناخي

الجارديان – إيلي ماي – ترجمة: محمد الصباغ

اهتممت كثيراً بطريقة النقاش حول أزمة المهاجرين في وسائل الإعلام. إنها أزمة عالمية بارزة. ويبدو أن الناس مقتنعين بأن ما نراه عبر أوروبا هو كارثة مؤقتة سيحلها السياسيون. ويوحي شكل الخيام المتآكلة بمدينة “كاليه” بأن تلك الظاهرة ستنتهي في أي لحظة.

من المنظور السياسي، رأى المفكر كارل شميت أن الديمقراطيات الليبرالية سوف تلقى بالتفاصيل الدستورية جانباً من أجل البقاء. وسيوافق العامة على تجاوزات الحكومة للقيم الليبرالية لأن الأزمة حالة استثنائية تتطلب إجراءات قاسية.

ربما يفسر ذلك استخدام بعض المجتمعات المتحضرة لمصطلحات مثل ”المغيرين“ و ”الحشود“، واتخاذهم قرارات سياسية تتسبب في غرق مئات الأشخاص في البحر المتوسط أو الزج بهم في مراكز الاحتجاز. نعتقد أن تلك الأشياء لا تعكس من نحن فعليا، وهي مجرد ردود أفعال ضرورية تجاه الأزمة الحالية.

هناك مشكلة واحدة مع إطلاق لفظ “أزمة” على ظاهرة الهجرة، وهي أن الأمر ليس بمؤقت بل دائم. ويعود الفضل في ذلك إلى تغير المناخ، وبالتالي ستكون الهجرات الجماعية ظاهرة جديدة.

هناك العديد من التقديرات التي توضح ما قد نراه في المستقبل القريب، لكن الأكثر جدلاً وشهرة هو ما قاله نورمان مايرز بأن تغير المناخ سيسبب هجرة حوالي 200 مليون شخص بحلول عام 2050. وفي الحقيقة بدأ الأمر بالحدوث بالفعل، ووفقاً للبنتاجون، تغير المناخ هو خطر مضاعف ويبدو أنه سيكون مصدرا لزيادة مخاطر الصراعات.

توصلت دراسة حديثة في مارس الماضي إلى أن ما يحدث في سوريا، جاء بعد جفاف شديد في عام 2006. ويقول القائم على الدراسة، ريتشارد سيجر، مفسراً ”لا نقول أن الصراع السوري سببه الجفاف. لكن أعني أنه بجانب كل العوامل الأخرى، ساعد على دفع الأمور إلى صراع مفتوح. وجعلت خطورة هذا الجفاف احتمالية هروب الناس من المنطقة أكبر“.

تمتلك سوريا الآن أعلى معدل من اللاجئين حول العالم. ووفقاً لتقرير حكومي جديد حول أزمة نقص الغذاء التي تلوح في الأفق بسبب تغير المناخ، يدين تنظيم الدولة بالكثير لأزمة الغذاء التي ظهرت بعد الربيع العربي.

وفي كتابه (Collapse: How Societies Choose to Fail or Succeed – الانهيار: كيف تختار المجتمعات النجاح أو الفشل) يشير جيرد دياموند إلى أن أكثر الأماكن التي تكافح بيئياً تواجه احتمالات أكبر بحدوث صراعات، والتي ينتج عنها عادة لاجئين. ومع التغير السريع في المناخ ستتأثر بيئياً الكثير من الدول النامية.

لكن ليست الصراعات التي تتفاقم بسبب المناخ هي فقط التى تصنع اللاجئين: فتغير المناخ يسبب هجرة جماعية. وكما يقول سيمون لويس، الأستاذ في علوم تغير المناخ بجامعة لندن: ”يتغير المناخ ومناطق الغطاء النباتي، لذا ستصبح دول البحر المتوسط أكثر جفافاً هذا القرن، مع وجود تأثيرات اجتماعية واقتصادية سلبية. سيكون الأمر صعباً على إسبانيا، وإيطاليا مع اليونان أيضاً، حيث ستتجه أعداد كبيرة من الناس نحو الشمال وبالطبع لن يبقى المهاجرون من الأماكن الأخرى في دول البحر المتوسط بل سيتجهون شمالاً أيضاً“.

بمعنى آخر، تحاول دول البحر المتوسط حالياً التعامل مع الهجرة من دول العالم الأخرى، وقد يتحول الأمر في النهاية إلى أزمة هجرة خاصة بهم. في أحد الأيام يمكن أن نجد الإيطاليين واليونانيين في مخيمات بمدينة “كاليه”، مع ارتفاع درجة الحرارة في بلادهم وتحولها لأماكن قاحلة.

ويمكن أن تكون فكرة مساعدة ملايين المهاجرين للانتقال إلى غرب أوروبا  قد أغضبت جريدة “دايلي ميل” البريطانية، لكنها ليست كذلك لأن الهجرة يجب أن يعتبرها أغلب البريطانيين شكل من أشكال التكيف. ووفقاً لوكالة البيئة، فهناك 7 آلاف من الممتلكات البريطانية ستنتهي مع ارتفاع منسوب مياه البحر في القرن المقبل. وهؤلاء الأشخاص يجب أن يعاد تسكينهم.

إذاً، ماذا نفعل تجاه الهجرة؟ أول خطوة هي تغيير مفاهيمنا. نحتاج إلى أن ندرك حقيقة أن الهجرة لن تتوقف أو يتم حلها. وبجميع الاحتمالات، ستكون أكثر شيوعاً، ستكون أمراً طبيعياً.

أما الخطوة الثانية فهي واضحة، يجب أن نكون جميعاً أكثر نشاطاً في دفع الحكومات إلى اتخاذ قرارات أكثر حسماً للحد من الاحتباس الحراري، وبالتالي سيكون الكثير من الناس قادرين على البقاء بأمان في أوطانهم و مجتمعاتهم. ومن الجانب البريطاني، يجب أن تلتزم الحكومة بالمواثيق الدولة وتقلل من الانبعاثات الحرارية من أجل ابقاء الاحتباس الحراري في درجات خطورة أقل. كم يجب أن تضغط بريطانيا بقوة من أجل اتفاق عادل وقوي في قمة المناخ بباريس بديسمبر، والتي يراها الكثيرون الفرصة الأخيرة من أجل تجنب تغير المناخ الكارثي.

وأخيراً يجب أن نواجه سريعاً الاستراتيجيات التي تنتهجها الحكومات الغربية في التعامل مع الهجرة، والتي في الغالب يصاحبها تعليقات عنيفة. كما أن هناك مبررات قوية من أجل أن تستوعب بريطانيا عدد أكبر من لاجئي المناخ.

الهجرة التي نشهدها ليست أمراً استثنائياً، بل بداية لنموذج جديد، وطريقة تعاملنا مع الأمر يعبر عنا كمجتمع بالأساس. يجب أن نتعامل مع ضحايا تلك الأزمة الدائمة برأفة، ليس فقط لأنهم بشر لكن من أجل مصلحتنا أيضاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى