سياسةمجتمع

الجارديان: كيف تستخدم مصر التكنولوجيا للإيقاع بالمثليين جنسيًّا؟

تستخدم الشرطة التكنولوجيا والقوانين القديمة لاعتقال المثليين الجنسيين.. بينما يحاول المدافعون عن حقوق الإنسان تغير وجهات نظر المجتمع المصري حول المثلية الجنسية.

gays

ميا جانكويتز- الجارديان

ترجمة: فاطمة لطفي

آخر مرة حاول فيها شادي*، طالب الهندسة المصري، زيارة صديقه أندرو* في السجن، رفضوا السماح له.

“ترجيناهم، أردنا فقط أن نتمنى له عيد فصح سعيدًا. حتى الطعام الذي أحضرناه لم يسلموه إليه”. يحكي شادي الشاب المسلم للجارديان البريطانية، الشاب الذي لم يعد يستمتع بالاحتفال بالأعياد المسيحية مع صديقه. شادي ليس واثقًا إن كان أندرو قد علم بزيارته، إذ كانت منذ عام مضى ولم يره منذ ذلك الحين، انهار باكيًا أثناء روايته للحكاية.

التقى شادي وأندرو في الجامعة قبل أعوام، كونا ثقة كافية مع صديقين آخرين للتحدث عن مثليتهم الجنسية معًا، لكن في مارس 2016، حُكم على أندرو بالسجن ثلاثة أعوام على خلفية تهم تتعلق بـ”الفجور” و”الدعارة”. وفي وقت مبكر من هذا العام، أرسل أندرو صورًا عارية له لرجل آخر على تطبيق “جريندر” وحددا ميعاد للقاء في ميدان التحرير. أدرك أندرو عند اعتقاله وهو في طريقه للقاء “الشاب الذي اتفق معه”، كان في الحقيقة رجل شرطة سريّ.

المثلية الجنسية ليست فعلًا غير قانوني في مصر، لكن في أواخر تسعينيات القرن العشرين، فعّلت الشرطة العمل بقانونين قديمين، قانون ضد ممارسة الدعارة صدر عام 1950 وآخر ضد ممارسة “الفجور” عام 1961، وذلك لاعتقال واتهام الجالية ذات التوجهات المثلية جنسيًا. أكبر إجراء أقدمت عليه الشرطة بهذا الشأن كان عندما داهمت نادي “كوين بوت” -نادي للمثليين جنسيا على النيل- بالقاهرة عام 2001، واعتقلت 52 رجلًا.

وبحلول نهاية 2013، وعقب الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، لاحظ المدافعون عن حقوق المثليين جنسيًا حملة قمعية جديدة وقوية. بدأت الشرطة -التي عملت جنبًا إلى جنب مع الجيش- جولة جديدة من الاعتقالات، وهذه المرة استخدموا تقنيات جديدة.

قالت داليا عبدالحميد، مسؤولة برنامج النوع الاجتماعي في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية “الشرطة متقدمة تكنولوجيًا أكثر الآن”، متحدثةً عن استخدامهم تطبيقات مثل “جريندر” لجمع “أدلة” فوتوغرافية وتنظيم لقاءات للإيقاع بالرجال. اعتقال أندرو وحبسه وسجنه هو مثال على العمليات التي تتم.

قال شادي، إنه بمجرد أن اعتقل أندرو، أخبرت الشرطة والديه أنه أخذ مالًا وأنه اعتقل أثناء ممارسته للجنس في شقة. كلا الادّعاءين سمحا للشرطة بصناعة قضية ممارسة الدعارة والفجور. حُبس أندرو في مكان احتجاز تحت الأرض في قسم قصر النيل، وتصف عبدالحميد الاستجواب بأنه “الجزء الأسوأ”.

وفق عمرو عبدالرحمن، أستاذ قانون في الجامعة الأمريكية في القاهرة ورئيس برنامج الحريات المدنية بالمبادرة المصرية، فإنه في أماكن الاحتجاز بالأقسام، التي تحظى بمراقبة أقل من السجن نفسه، يكون المحتجز مستهدفًا من المحققين وزملائه في العنبر. والأسوأ، أن المحتجزين الذكور يخضعون لفحص شرجيّ، مشكوك فيه علميًا، من أجل الحصول على أدلة تشير إلى تورطهم في ممارسات مثلية جنسيا، حتى وإن كانت العلامات المفترض وجودها غالبًا ما تكون حديثة جدًا ويمكنها أن تكون فقط نتيجة لاعتداء جنسي تعرضوا له خلال فترة الاحتجاز.

الدعم والمساعدة القانونية قضية ملتبسة أيضًا. الخبراء القانونيون متوفرون من جماعات مدافعة عن المثليين الجنسيين، لكن وصمة العار المتعلقة بالاتهام تدفع عائلات المحتجزين في هذه القضايا إلى اتخاذ قرار تلقائي، وذلك من خلال تسليم ملف القضية إلى محامٍ ترشحه لهم الشرطة، سواء كانت العائلة تدعم ابنها أو لا، حيث يبدو التواصل مع منظمات حقوقية كأنه إشهار عام بالقضية. يتفق عبدالرحمن مع ذلك “إذا قدمت نفسك كمحامٍ حقوقي للأسرة يقولون لأنفسهم نحن الآن نصعب القضية على ابننا”.

وفي حالة أندرو، اختارت عائلته محاميًا رشحته الشرطة، لكن هذا التمثيل القانوني غالبًا ما يفشل في تحقيق ما هو ضروري. وثقت المبادرة المصرية قضايا كثيرة رشحت فيها الشرطة محامين -أخذ في قضية أندرو 2000 جنيه فقط للاطلاع على القضية- حيث لا يتصرفون وفق مصالح المدعى عليهم.

محامي أندرو، على عكس نصيحة محامٍ من جماعات مدافعة عن المثليين جنسيا، نصحه بالاعتراف بتهمة الدعارة. ولم يحضر المحامي حتى الجلسة. ويعتقد شادي أن اتفاقا ماليا يتم بين الشرطة والمحامين الذي يوصون بهم.

وجدت المحكمة أندرو مذنبًا، وبدأ بالفعل قضاء فترة حكمه. ومن الصعب الوصول إلى أرقام دقيقة، لكن ذكرت نيويورك تايمز أنه سجن على الأقل 250 شخصا من المثليين جنسيًا. وتقدّر المبادرة المصرية أنه ربما يوجد على الأقل ضعف أعداد القضايا التي أشرفوا على توثيقها كاملا في عملهم. تعود أسباب ذلك إلى أن التأويل القانوني لمصطلحات مثل “الفجور” أو “الفحش العام” عام جدًا. والأحكام غالبًا ما يعظمها القضاة الذي يحكمون في جرائم تحمل نفس المصطلحات، وهو ما يعني الحكم على الأفراد المثليين جنسيًا لعقوبة تزيد على ثمانية أعوام من أجل اعتقال واحد.

يصف عبدالرحمن الحملة القمعية الحالية بأنها منظّمة ومسيسة، وتتعلق بمحاولة أكثر شمولًا لخلق نظام وشرعية عامة للنظام المصري الحالي. وفي ظل هذه الظروف يعدّ مجتمع المثليين جنسيًا هدفا سهلا.

ويشير إلى أن قانون التظاهر المثير للجدل نوفمبر 2013، والذي يحدّ قدرة المصريين على الاشتراك في احتجاجات عامة، جاء في نفس الوقت الذي كانت فيه المبادرة توثق أول قضية متعلقة بالمثلية الجنسية، لكنه يشك في وجود “تنسيق بين هاتين الخطوتين” ويتابع “لكن هذا النوع من التشابك يخبرك عن عقلية رد الفعل العنيف، عقلية هي الآن ضد صعود جميع التحيزات السياسية، الإسلاميين، المبادئ “الأخلاقية” في الشوارع، اليسار الراديكالي، الشباب، الثورة”.

لكن بخلاف المزايا السياسية والاستغلال داخل جهاز الشرطة، ما الذي يغذّي العنف الحالي؟ وما هو احتمال تغيير وجهة النظر العامة بشأن المثلية الجنسية؟

تقول عبدالحميد “عمومًا لست هذا الشخص المتفائل، لكن بالتأكيد، خلال الفترة القصيرة التي عملت فيها لاحظت تغيرًا ضخمًا”. وتدرك عبدالحميد وعبدالرحمن أن هذا التغيير سيكون بطيئًا. “نعم ينظر إلى “المثلية الجنسية” بأنها فعل لا أخلاقي، لكن هذه النظرة ليست ثابتة. وليست كما كانت منذ عشر سنوات”.

يتطلع شادي إلى الانتقال للعيش مع صديقه “أنتظر اليوم الذي أستطيع فيه الإعلان للعالم بأسره أننا هنا. أننا أصدقاؤكم. إخوتكم. وأننا موجودون داخل عائلاتكم. وأنا واثق أنه يومًا ما سأفعل ذلك. لست خجلًا من مثليتي، ولن أكون أبدًا”.

*الأسماء غير حقيقية، تمّ تغيير الأسماء لحماية هويات أصحابها

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى