خالد علي: قبلت مواصلة التحقيق حتى لا يبقى الاتهام معلقا بي وباسمي
التزمت الصمت منذ بداية معرفتي بموضوع الإميل، وحتى اليوم، ولم يكن هذا الصمت عجزاً عن الرد، ولا قبولاً أو إقراراً بما يقال من إساءات، ولا ترفعاً أو تعالياً عن الاشتباك مع ما يتم طرحه من قضايا جوهرية تخص الرجال والنساء معاً، ولا استخفافاً بما يكتب على السوشيال ميديا من آراء أو تعليقات، بل العكس من ذلك كله، فقد كان الصمت لإيماني بأننا أمام عالم جديد وأدوات جديدة نتنفس جميعاً من خلالها للتعبير عن مواقفنا وآرائنا، وأن مثل هذه القضايا لن يجدي معها التجاهل، ولن يطويها النسيان، وأن الصورة الذهنية عن أي إنسان لدى الرأي العام هي أمر لا يجب التسامح فيه، فضلاً عن أن محاولات الهروب من جوهر مثل هذه القضايا وما تطرحه من أسئلة تحت ستار من السباب والتشويه ليس بالسلوك الذي يجب لمثلي أن ينتهجه، فالسبيل الوحيد من وجهة نظري كان التعامل مع هذا الحدث بكل جدية ورشد.
كانت معرفتي بفحوى هذا الإيميل صادمة ومفاجئة إلى أبعد مدى، ولم تكن الصدمة فقط من اسم صاحبته التي كنت أكن لها مودة وتقديرا لا تحتمل أي شك أو سوء فهم، ولكن كانت الصدمة مما كُتب أيضا، ومن تعمد تجاهل بعض الوقائع، وذكر وقائع غير حقيقية بالمرة، وعرضهما من خلال سياق يرسم صورة غير التي جرت تماماً، وربطها بواقعة أخرى، من شخص آخر، وفي وقت وظرف ومكان آخر، مما يدخل الالتباس والدمج بين الواقعتين.
فاستعنت بعدد من الصديقات والأصدقاء لاستشارتهم عن التصرف الواجب اتخاذه حيال هذا الأمر، وكان الاقتراح الأبرز يدور حول أن صاحبة الإيميل لم ترسل شكوى للتحقيق، وإنما أرسلت رسالة تحذير لإحدى الجروبات، ومن الواجب أن أعلن في أحد اجتماعات الحملة عن استعدادي للتحقيق معي إذا هي أرسلت شكوى وطلبت التحقيق فيها، وهناك من اقترح أن أقدم ضدها بلاغاً أتهمها فيه بالتشهير بي خاصة أن الواقعة المدعاة كانت بيننا فقط، وليس هناك أي شهود عليها إلا روايتها وروايتي، وكان هناك من يقترح تجاهل الأمر وعدم الاشتباك معه، وهناك من اقترح أن أقول إن ما ورد بالإيميل غير حقيقي وإن كانت صاحبته صادقة في ادعائها فعليها التوجه للنائب العام فمثل هذه الادعاءات لا تحسم برسائل الإيميلات والجروبات، وأثناء تفكيري في ما طرح على من مقترحات انحزت في البداية -بيني وبين نفسي- لمقترح واحد فقط وهو إعلان استعدادي للتحقيق إن هي طلبت ذلك، ولكني سألت نفسي ماذا لو أنها لم تطلب تحقيقا؟ أتقبل بأن يظل هذا الادعاء معلقاً عليك وعلى اسمك، فوجدت أن الإجراء الأكثر جدية من وجه نظري أن أطلب أنا التحقيق معي في الواقعة المدعاة بالإيميل، فطلبت من الهيئة التنسيقية للحملة بالتعاون مع الحزب أن يتولوا تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للتحقيق معي في الوقائع المنسوبة لي، وأن تتولى تلك اللجنة التواصل مع الشاكية للاستماع لها ولشهودها، نعم لم يجبرني أحد على هذا التحقيق سواء من الحزب أو من الحملة، وفي الوقت الذي عارضني فيه البعض في هذا الطلب وهذا الإجراء، رحب بهما أطراف أخرى وخاصة النسويات بالحملة واعتبروا أن هذا الطلب بادرة وسابقة جيدة ليس في شأن هذه الواقعة فقط.
وبعد فترة وجيزة من تشكيل لجنة التحقيق قدمت إحدى عضوات حزب العيش والحرية شكوى ضد الشخص الآخر المذكور بالإيميل في شأن الواقعة الأخرى المنسوبة إليه، وطلبوا من نفس لجنة التحقيق أن تتولى تحقيق هذه الشكوى أيضا، لتصبح اللجنة مسؤولة عن تحقيق الواقعتين.
وعندما انتهت الحملة، تعمدت بالطبع بعض المواقع الصحفية والصحف والبرامج التليفزيونية الخلط بين الواقعتين، ونسبت لي أفعالاً، ونسجت حكايات وروايات لم ترد حتى بالإيميل.
لقد أصرت لجنة التحقيق -وكان معها كل الحق في ذلك- أن تتواصل بشكل مباشر مع صاحبة الميل دون أي وساطة بينهما، وهو ما استغرق وقتاً على حد علمي، كما استمرت اللجنة في عملها حتى بعد أن رفضت هي التعاون مع اللجنة، وطلبت منهم عدم الاتصال بها، ورغم علمي بذلك لم أطلب من اللجنة وقف أعمالها، وكان من المنطقي أن أطلب منهم هذا الطلب، ولم يكن هناك مفر أمام اللجنة حينها من إنهاء مهمتها عند هذه النقطة، وكان سيسجل لي أنني طلب التحقيق وخضعت له وأنها هي التي رفضته، لكن لم أفعل ذلك عن وعي وإرادة لتقول لجنة التحقيق كلمتها، فضلاً عن أن لجنة التحقيق هي صاحبة الحق في التصرف بمجريات التحقيق ومساراته.
انتهى التحقيق، وانتهت اللجنة إلى أنني “لم أرتكب أي فعل أو لفظ يمثل سلوكا جنسيا يمكن إدانتي عليه”، وقالت لجنة التحقيق “إن كل ما ذكر في الإيميل بشأن الوقائع المدعاة علي لا يمكن وصفه بالتحرش”، نعم هذه هي نتيجة التحقيق التي يتغافلها البعض عن وعي أو دون وعي.
ما كان لي أن أكتب كلمة واحدة في هذا الأمر قبل انتهاء التحقيق وإعلانه بمعرفة الأطراف التي كانت راعية له.
ورغم ذلك، ورغم أن النتيجة التي انتهى إليها التحقيق في سياق ما سمعته مني ومن الشهود وما ورد بالإيميل الذي كتبته صاحبته تبرئ ساحتي، إلا أنني مدين بعدة أمور:
أولاً: مهما كان تعليقي على ما ذكر بالإيميل واتفاقي أو اختلافي معه بشأن ما تضمنه، فإن ذلك لا يعني تجاهلي لمشاعر صاحبته ولا الصورة التي وقرت في ذهنها، فمجرد تفكيرها هذا التفكير نحوي وكتابتها لإيميل يحمل هذا المضمون يلزمني بأن أقدم لها اعتذاراً عن هذا الألم الذي تعرضت له، ومهما كانت نتيجة التحقيق فإنني أتحمل نصيبا من المسؤولية يدفعني بكل وضوح لأن أبادر بتقديم هذا الاعتذار.
ثانياً: أعتذر لكل النساء اللاتي تعاملت معهن من خلال عملي المهني أو السياسي والعام لأن اسمي ذكر في هذه الوقائع على هذا النحو وعلى هذه الصورة التي لا أرتضيها لنفسي.
ثالثا: أعتذر لأطفالي وقلبي الذي يخفق على أنني تعاملت بحسن نية في مواقف عدة مع كثيرين، وربما ساعد ذلك على وجود اسمي في مثل هذا الحدث، وأعاهدهم على أن أكون أكثر حرصاً وتشدداً مع نفسي ومع الدوائر القريبة مني.
رابعاً: أشكر لجنة التحقيق التي قبلت متطوعة هذه المهمة الصعبة، وتحملت في سبيل إنجازها هجوماً لا يحتمل، وبقدر اعتزازي بهم أعلم أنهم قبلوا هذه المهمة لإيمانهم بأن ذلك هو قدرهم في تحمل نصيب من المسؤولية لنصرة ما آمنوا به من قضايا.
خامساً: أشكر كل الذين قدموا لي النصح في طريقة التعامل مع هذا الحدث فور علمي به وبخاصة النساء منهم.
سادساً: أعلن استقالتي من عضوية حزب العيش والحرية، ومن عملي كمستشار للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وأناشد الجميع بمساندة الكيانين في ظل السيناريوهات المعدة للنيل منهما من قبل أجهزة الدولة، فما يتم بناؤه من كيانات تؤدي مثل هذه الأدوار الهامة في حياتنا يجب حمايتها ودعمها، وهي أكبر من أي شخص مهما كان موقعه، وأناشد كل الرفاق الذين استقالوا من الحزب أو جمدوا عضويتهم به سواء صدرت هذه القرارت منهم تضامناً معي أو كان طموحهم أن تكون الإجراءات أفضل من ذلك، أناشدهم بالعدول عن هذه القرارات فلم يجبرني أحد على أي إجراء، كما أعتذر لأي خطأ في هذه الإجراءات فما زال الحزب كيانا يبني آلياته وأدواته، ولن يثقلها إلا من خلال المعارك والتجارب التي يمر بها، وسوف تتطور بحرصكم على تطويرها وباستمراركم في خوض المعارك وبناء التجارب، لقد كنت وما زلت فخور بالعمل معكم في هذه التجربة الملهمة والتي سيكتمل بناؤها بنضالكم وكفاحكم لبناء حزب وتيار سياسي جسور وشاب يستحقه هذا الوطن، وأرجو أن تقبلوا جميعاً اعتذاري وأسفي على أي خطأ أو تقصير وقع مني.
أخيراً: رسالتي لكل المهتمين بالشأن العام، استمعوا للنقد بإنصات، وبعين تنظر للمستقبل الذي يجب أن يعيشه النساء والرجال معاً، وابذلوا المجهود اللازم لخلق مدونات سلوك وأنشطة ترفع الوعي بهذه الجرائم وبمشاعر الأنثى التي قد لا يفهمها أو يعيها كثير من الرجال، وبما يسهم في منع هذه الجرائم من الحدوث أو الحد منها بالصورة التي نترتضيها لأنفسنا ولمجتمعنا، وأناشدكم أن تخلقوا الآليات والقواعد التي تكفل تشجيع النساء والرجال معاً على الاحتكام للآليات المدنية التي تواجه القصور بالمنظومة التشريعية أو القضائية ولن يتحقق ذلك إلا من خلال آليات حقيقية تكفل الخصوصية والحقيقة والعدالة والإنصاف.