سياسة

الربيع العربي .. رياح “سايكس بيكو” المعاكسة

تامبا تريبيون : اتفاقية أبرمت قبل قرن من الزمان تسببت  في تداعيات مدمرة على الربيع  العربي.

161142140

هيئة التحرير – تامبا تريبيون

ترجمة – محمود مصطفى

في عام 1916 وفي خضم التمتع بالإنتصار في الحرب العالمية الأولى، اجتمعت القوى الإستعمارية، بريطانيا وفرنسا، ورسمتا حدوداً جديدة* للدول العربية في الشرق الأوسط. وبعد قرن كامل تقريباً كان  هذا الفعل الذي جاء من غرور إمبراطوري،  هو أحد الأسباب الهامة وراء الاضطرابات التي تتخبط بشأنها الديمقراطيات الغربية في محاولة لفرض سلام جديد في المنطقة.

قبل سنوات قليلة، قدم “الربيع العربي”، الذي تمركز في مصر وكان لوهلة واعداً، فرصة للتفاؤل الحقيقي بأن عهداً جديداً على وشك البدء.

لكن الآن، حتى الديمقراطية البازغة في تونس، حيث يسمح للناس بانتخاب قياداتهم السياسية، تمثل تراجعاً محيراً عن ذلك التفاؤل المبكر.

وبالرغم من أن قلة من الأمريكيين كانوا منتبهين وقتها، إلا أن من لاحظوا الانطلاقة في تونس كان لديهم ما يدفعهم لأن يصدقوا بأنه، مع اندلاع الثورة في مصر، قد تضرب الديمقراطية بجذورها في المنطقة.

ولكن بالرغم من الانتخابات التي أجريت الأسبوع الماضي وسلمت السلطة السياسية للبرلمان إلى حزب علماني بدلاً من حزب إسلامي، فإن طالع تونس الحسن تحول إلى وجهة يصعب التعرف عليها.

المستفيد، بشكل مدهش، هي الدولة الإسلامية، أولئك المدافعون القساة عن خلافة إسلامية منفردة تلحق الدمار والخراب بشكل وحشي بسوريا والعراق. للدولة أهداف تصل إلى أبعد من حدود هاتين الأمتين المضطربتين.

وهذه الحدود بالتحديد جزء من المشكلة في أذهان من يؤيدون الدولة الإسلامية لأنها لم ولا تمثل ما يرغبه من يعيشون بين هذه الحدود ولا الخصائص الجغرافية أو الثقافية. نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مؤخراً تقريراً عن تفسيرات للديمقراطية تدعو للاستغراب يبدو أن الشباب التونسي يفضلها.

وأشار التقرير إلى أنه “بدلاً من إضعاف نزعة التطرف المسلح، سمحت الحرية الجديدة، التي جاءت مع ثورات الربيع العربي، للمسلحين بالوعظ والتجنيد بحرية أكثر من ذي قبل. وفي الوقت ذاته يقول الكثير من الشباب التونسيين إن الحريات الجديدة والانتخابات لم تفعل الكثير لتحسين حياتهم اليومية ولخلق فرص عمل أو لكبح جماح قوات الشرطة المتوحشة.”

قد لا يكون هذا النهج شديد الانتشار إلا أنه يساعد في فهم السبب وراء تطوع الكثير من الشباب التونسي بالانضمام لقوات الدولة الإسلامية التي تحارب في سوريا والعراق.

ويشرح أحد الداعمين الشباب في التقرير “الدولة الإسلامية خلافة حقيقية، نظام عادل ومنصف لا تتبع فيه أوامر أحدهم لأنه غني أو صاحب سلطة.” “عادل ومنصف” قد لا يكونان المصطلحان الذان تعتاد الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى استخدامه عند وصف المعتقدات والتكتيكات المتوحشة للدولة الإسلامية، لكن يبدو أن دعاية الجهاديين مقنعة لمكون بعينه من العالم العربي.

يواصل تقرير الصحيفة “في حوارات في المقاهي … عبر عشرات من الشباب العاطل أو من أبناء الطبقة العاملة عن دعمهم للمتطرفين أو رأوا إغراء الإنضمام لصفوفهم.” وأضاف التقرير أن هؤلاء الشباب “مقتنعين بأنه سيوفر لهم مستوى معيشة أفضل، فرصة لمحو الحدود التعسفية التي قسمت العالم العربي لحوالي قرن من الزمان.”

وذكر أحد التونسيين مراسل “نيويورك تايمز” بأن “تقسيم الدول تقسيم أوروبي.” وأضاف “نريد أن نجعل المنطقة دولة إسلامية صحيحة وسوريا هي المكان الذي ستبدأ منه.”

في الواقع، من حاورهم مراسل “نيويورك تايمز” ديفيد كيركباتريك قالوا إنهم يأملوا في أنه مع الوقت ستتسبب حملة الدولة الإسلامية في تحقيق النبؤات بأن حرب آخر الزمان ستبدأ بمعركة في سوريا.

ويبدو أن تنشأتهم الدينية الصارمة هي الدافع خلف من يؤيدون الدولة الإسلامية، فقد تعلموا أن الطريق الذي يسلكونه تحدد منذ 1400 عام في كلمات النبي محمد وأنصاره.

الديمقراطية، كما يفهمها الأمريكيون، لا تستمد قوتها من وجهة نظر دينية منفردة ويبدو أن الدمار الذي جلبته الدولة الإسلامية يستمد قوته منها.

نحن في الغرب نحتاج إلى أن نفهم ذلك إذا كنا سنتعامل بنجاح مع تداعيات ذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

*اتفاقية سايكس بيكو 1916

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى