ثقافة و فن

نهاية أزمة أتيليه القاهرة.. 10 سنوات من المخالفات والخلافات تحسمها غادة والي

شيك من رئيس إسرائيلي سابق!

مخالفات إدارية ومالية وامتناع عن تسديد الإيجار وخلافات بين أعضاء مجلس الإدارة وتلقي شيكات من جهات أجنبية وإهمال وتقاعس، ومشكلات عديدة كادت تنهي 70 عامًا من عمر أتيليه القاهرة التاريخي.

تحقيق: غادة قدري

أزمة ليست جديدة كانت تلاحق أتيليه القاهرة التاريخي منذ عام 2009، وبعد مجهود كبير بذلته القوى الناعمة في مصر لمنع محاولات حل جمعية الفنانين والكتاب المصرية المعروفة باسم “أتيليه القاهرة للفنون والآداب”، وعدت الدكتورة غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي أمس، بإنهاء تلك الأزمة العالقة منذ سنوات والتراجع عن دعوى حل الأتيليه التي رفعتها الوزارة مؤخرا، كما قررت وزيرة التضامن الإفراج عن الحساب البنكي للأتيليه، بعد 5 سنوات من غلقه، وذلك بعد أن اجتمعت أمس برئيس مجلس إدارة الأتيليه الفنان التشكيلي أحمد الجنايني برفقة الروائية سلوى بكر والكاتب سعيد كفراوي والدكتورة صفية القباني، الذين شرحوا لها ملابسات الأزمة.

الأزمة ما قبل 2009

حاول موقع “زحمة” رصد الأزمة الحقيقية مع عدد من أعضاء الأتيليه وسؤالهم عن تلك المشكلة حول قرار وزارة التضامن بحل أتيليه القاهرة وهل سينتهي الأمر بإنهاء الجمعية إلى الأبد وتسليم المقر للورثة الأصليين؟

في البداية دار حديث بين محررة “زحمة” والشاعر محمود خير الله ليكشف لنا طرف الخيط عن بداية الأزمة إذ قال خير الله إن الأتيليه فقد كثيراً من دوره خلال السنوات السابقة، وحين كان صاحب دور حقيقي وفعال لم يفكر أحد في حله، لكن حين فشل الفنانون والأدباء في إدارة جمعيتهم، من الطبيعي أن تطالب الدولة بحله، لكن ما ليس طبيعياً عجز الفنانين عن إجراء انتخابات تجديد نصفي لجمعيتهم منذ عشر سنوات”

وأضاف خير الله، أن الفنانين يتحججون بأن المبنى سيؤول إلى المالك اليهودي، لكنه عاد ليطرح السؤال على الفنانين: ما سر الخلاف بين الفنانين الكبيرين محمد عبلة وصلاح عناني، قبل سنوات؟ وما المخالفات الجسيمة التي ترتكب في مقر الجمعية وباسمها، والتي دفعت وزيرة التضامن إلى اتخاذ هذه الخطوة القانونية، هل مجلس الإدارة الحالي “غير المنتخب” يدفع الإيجار بانتظام؟ هل يدعو الجمعية العمومية سنويًا للتصديق على الموازنة، مثلما يحدث في كل الجمعيات والنقابات، وهل يعتبرون أنفسهم كياناً خارج القانون؟

ويرى خير الله أن الحل في تشكيل وفد من الفنانين العقلاء للقاء الوزيرة (وهو ما حدث بالفعل أمس الأحد) وتعيين لجنة تدعو لإجراء “جمعية عمومية طارئة” وتجري انتخابات بعد أن تقوم بعزل المجلس الحالي، الذي يتخذ من “المالك اليهودي” حجة يعلق فيها فشله وتهاونه وتماديه في الخطأ. مؤكدا أن عودة المبنى إلى مالكه، أيا كان عرقه أو دينه أو انتماؤه الطائفي أو الديني، أفضل ألف مرة من أن يبقى مقرا لجمعية مُتحللة، تخالف القانون، تفوح منها رائحة الفساد والصراعات الرخيصة، بما يجعلها كيانا متخصصا في تشويه سمعة آلاف الفنانين والأدباء على حد وصفه.

تصريحات خير الله قادت “زحمة” للبحث عن بعض الأشخاص لسؤالهم عن ما حدث، وكانت البداية باتصال هاتفي مع الفنان التشكيلي الدكتور صلاح عناني وهو واحد من أعضاء  مجلس إدارة الأتيليه السابقين وشاهدا على الأزمة الحقيقية منذ بدايتها عام 2009

يقول عناني إن ورثة السيدة اليهودية ليندا كوهين مالكة القصر “مقر أتيليه القاهرة” بواسطة محاميهم في القاهرة حاولوا رشوة أعضاء مجلس الإدارة لإعاقة مؤسسة الأتيليه لتعود ملكية المبنى للأبناء ثم الأحفاد، إذ حاول محامي هذه الأسرة الموجودة في الخارج رشوة هؤلاء للقيام بإجراءات خاطئة مثل أنهم لا يقومون بعمل الجمعيات العمومية ولا يقومون بتجديد الاشتراكات، ولا الجلسات الشكلية القانونية ولا يدفعون الإيجار في المحكمة فيصبح وضع الجمعية غير قانوني وتنتفي الشروط فتحل وزارة التضامن الجمعية وتلغيها.

الفنان التشكيلي صلاح عناني

ويقول عناني كان من المفترض أن تنضم جمعية الأتيليه لوزارة الثقافة لكن هذا لم يحدث، التضامن ليست جهة مسؤولة عن نشاط ثقافي أو فكري، هي مسؤولة عن حالة تسيير حالة الجمعيات الأهلية العامة.

وأوضح: في فترة سابقة عندما كنت عضوا في أتيليه القاهرة كنت أجاهد لجلب مصدر دخل للجمعية ولكن مجلس الإدارة وقتها رفض وأخبروني أن هذا سيذهب لليهود.

“كنت أطمح إلى تجديد وإعادة المكان وتنظيم الأنشطة الثقافية في كل المجالات وكنت أرغب في تجهيز 4 أو 5 قاعات لتوفر دخل كف للمركز القومي للفنون التشكيلية، ومنذ 15 سنة قمت بتجهيز قاعة صغيرة للشباب حققت دخلا جيدا لكنهم حاربوني فبنيتها بالقوة من مالي الخاص بالإضافة إلى تبرعات وكنت أستعين بشركة بأمن خاص لأنني كلما بنيت شيئا أفسدوه، حتى أنهم أفسدوا قاعة مجلس الإدارة”.

وتابع: حولني وقتها صلاح الراوي ومدحت طه للنائب العام وتم إيقافي 3 أشهر كانت هذه الوقائع في 2009 لكن الصحافة شوهت صورتي في ذلك الوقت واتهموني بارتكاب مخالفات مالية وإدارية، وتم تعيين محمد عبلة  رئيسا لمجلس الإدارة وسط غموض شديد وشهد عهده تسيّبا لمجلس الإدارة.

لقد عادت المشكلات الآن لسابق عهدها فأصبح الأتيليه غير مستوفي الشروط عند وزارة التضامن.

وبالنسبة إلى المخاوف من أن يؤول مبنى الأتيله للملاك اليهود بحسب ما يعتقده العناني بأنهم جميعا وافتهم المنية الآن، ولم يتبق منهم أحد حتى محاميهم توفي ووكيلهم توفي على حد زعمه.

وعن أهمية الأتيليه أكد أنه كيان تاريخي مثل المتحف المصري وعلى المثقفين حمايته، ويرى العناني أن الحل الآن يحتاج لتدخل الجهات السيادية مثل المخابرات الحربية والعسكرية وأمن الدولة.

مجلس إدارة غير شرعي

الشاعر والمترجم الدكتور مدحت طه، الذي كان عضوًا في مجالس سابقة للأتيليه، أوضح لـ”زحمة” أن وزارة التضامن الاجتماعي أقامت دعوى قضائية خاسرة ضد المجلس الحالي الذي لم تكن عليه مخالفات مالية ورغم ذلك رفضت الوزارة التمديد للمجلس الحالي، وبالتالي أصبح مجلسا غير شرعي ومع ذلك ما زال أعضاء المجلس هؤلاء متشبثين بالمكان ويجمعون التبرعات لدفع أجور الموظفين والإيجار .

وأشار إلى قانون جديد للجمعيات على وشك الإصدار يستلزم انتخاب مجالس إدارة جديدة بناء على القانون الجديد، فما هو وجه الاستعجاب من الوزارة أنها ترغب في الخلاص من المجلس؟.

الروائية سلوى بكر

فيما أوضحت الروائية سلوى بكر المفوضة السابقة من قبل وزارة التضامن على أتيليه القاهرة أن آخر مجلس منتخب يدير حاليا الأتيليه في ظروف صعبة جدا .

وقالت بكر إن الأزمة الأولى للأتيليه بدأت عام 2009 موضحة أنها كانت وقتها مفوضة على أتيليه القاهرة من قبل وزارة التضامن وتم عزل المجلس الذي كان يرأس إدارته وقتها وجيه وهبة، وكانت المشكلة الأساسية أن هذا المجلس لم يكن يسدد الإيجار للورثة، الأمر الذي دفع الأعضاء لإعلان خوفهم من لجوء الورثة لطرد الجمعية، فكانت الذريعة التي تقال “إنهم لا يجدون وكيلا للورثة، فطلبنا منهم أن يضعوا الإيجار في المحكمة لإثبات حسن النية ولم يفعلوا”.

وأضافت بكر “الوزارة أرسلت لجنة للتحقيق في الأتيليه فاكتشفوا كمية من المخالفات الأخرى بعد بحث وزير التضامن وقتها ومحافظ القاهرة قاما بعزل هذا المجلس مع استمرار أعضائه المعزولين في الجمعية العمومية”.

شيك من رئيس إسرائيلي سابق!

ومن أبرز مخالفات المجلس السابق كما أكدت بكر، تلقيهم شيكا من جهة أجنبية وهي “جمعية البحر المتوسط” ومقرها في إيطاليا عن طريق السفارة الإيطالية في القاهرة وكان الرئيس الإسرائيلي الراحل شيمون بيريز وقتها عضوا في هذه الجمعية.

لقد تلقى المجلس المعزول الشيك ولم يخبر وزارة التضامن الاجتماعي، علما بأن قانون الجمعيات الذي يتم تعديله الآن يحتوي على المادة 42 وتنص على “أي جمعية أهلية تتلقى أموالا من جهة أجنبية عليها أن تخطر الجهات المختصة وإلا تحل الجمعية”

الرئيس الإسرائيلي الراحل شيمون بيريز

مجلس الإدارة المعزول لم يخطر الوزارة بتلقيهم الشيك وتم إخفاؤه، ليخرج أحد أعضاء مجلس الإدارة على الجمعية العمومية يخبرهم بتلقي هذا الشيك، وبالفعل قامت وزارة التضامن بالتحقيق في الأمر وكان من الممكن أن تُحل جمعية الأتيليه بسبب هذه المخالفة وهذا يعني أن الوزارة كانت ستعلم بذلك وتحل الجمعية ليؤول المبنى إلى الورثة.

وأردفت: “عندما جرت انتخابات المجلس المعزول قرر هؤلاء المعزولون إعادة ترشيح أنفسهم مرة أخرى فأرست لوزارة التضامن وأخبرتهم بذلك، لأستفسر كيف نمنع ذلك لأنه لو تم انتخابهم مرة أخرى ستستمر المشكلات ولن يدفعوا الإيجار وستكون هناك مخالفات أخرى لأن قرار العزل الذي صدر من وزير التضامن ومن المحافظ يتضمن حيثيات وأسباب هذا العزل”.

وتابعت: عندما جرت الانتخابات طلبت منهم بشكل ودي أن لا يرشحوا أنفسهم مرة أخرى في هذه الدورة، ولكنهم رفضوا.

وأضافت: وزارة التضامن أرسلت لي خطابا رسميا بقرار تطبيق المادة 17 من اللائحة الداخلية المتعلقة بأتيليه القاهرة، وتقول هذه المادة إن كل شخص من الأعضاء قام بضرر أو يضر الأتيليه هذه الجمعية يفصل، وبموجب هذه المادة دعوت لاجتماع مع الجمعية العمومية وتم اتخاذ قرار بفصلهم، وأجرينا انتخابات، ومجالس جديدة، وآخر مجلس يرأسه حاليا الفنان أحمد الجنايني.

ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان

بعد كل هذه السنوات فوجئ المجلس الحالي بطلب وزارة التضامن إعادة الأعضاء الذين تم فصلهم ورفض إجراء انتخابات التجديد النصفي للجمعية العمومية منذ 2015 ووقف حساب الجمعية البنكي، ليظل الأتيليه مفتوحا ويمارس نشاطه حتى هذه اللحظة بالجهود الذاتية والتبرعات.

ويبقى السؤال المحيّر كما طرحته سلوى بكر: “وزارة التضامن فصلتهم عاوزة ترجعهم تاني ليه؟”

وتعتقد بكر بأن الصراع يتلخص كله حول المبنى والأرض، فالورثة يريدون المبنى والأرض، وهم لا يحملون الجنسية المصرية وربما يحملون الجنسية الإسرائيلية وهذا يفسر إصرار المجلس الذي كان يرأسه وجيه وهبة على عدم دفع الإيجار حتى يعود المبنى للملاك الأصليين.

ما هي مصلحة وزارة التضامن الاجتماعي في عودة المجلس القديم؟

تقول بكر لا يوجد تفسير سوى أن هناك لغزا ما وقالت لـ زحمة *سنلتقي وزيرة التضامن برفقة وفد من الأعضاء لنوضح لها الأمر.

*ملحوظة: التقت فعلا سلوى بكر برفقة أحمد الجنايني رئيس مجلس إدارة الأتيليه وعدد من المثقفين يوم الأحد وأكدت الوزيرة أنها لم تكن على علم بكل هذه التفاصيل من دعوى حل الجمعية ولا بالقرارات الموجهة ضد الأتيليه، كما أنهت الدكتورة غادة والي جميع المشاكل التي تواجه الأتيليه، ووعدت بسحب الدعوى القضائية المقدمة من الوزارة بحل الجمعية والإفراج عن الحساب البنكي للأتيليه.

غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي

سلوى بكر لفتت في حديثها لـ”زحمة” إلى أنها قامت بتسجيل مبنى أتيليه القاهرة في التنسيق الحضاري باعتباره من مباني القاهرة الخديوية الذي لا يمكن هدمه، لافتة إلى أنه موجود في مقره منذ عام 1953. معنى هذا أنه موجود منذ 70 سنة تقريبا، وشددت على دور جماعة المثقفين وكبار الفنانين والكتاب في الدفاع عن تراثهم موضحة أن كل رموز مصر الثقافية مثل الدكتور طه حسين ولويس عوض وأمل دنقل وغيرهم كانوا أعضاء في الأتيليه.

وأشارت إلى أنها عثرت على خطابات من سعد كامل مؤسس الثقافة الجماهيرية لدرية شفيق، كانت ترغب في إقامة حفل شاي وكان يخبرها بالموافقة بشرط أن لا تتحدث في السياسة، وسنة 1956 قام أتيليه القاهرة برفد كل الأعضاء الذين ينتمون إلى جنسيات دول العدوان الثلاثي، وقدّم وفد من أتيليه القاهرة مذكرة احتجاج للسفارة الفرنسية ضد العدوان الثلاثي على مصر.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى