مجتمع

نصّ رسالة مارك زوكربيرج إلى مولودته: لأجلك سنجعله عالمًا أفضل

مؤسس الفيسبوك وزوجته في رسالة إلى مولودتهما ماكس: نساهم ب99% من أسهمنا في فيسبوك في مشروع خيري جديد لجعل العالم أفضل

مارك زوكربيرج – ترجمة – محمد الصباغ

عزيزتي ماكس،

لا تمتلك والدتك وأنا معها الكلمات التي تصف الأمل الذي  أعطيته لنا في المستقبل. حياتك الجديدة مليئة بالوعود ونأمل أن تكوني سعيدة وأن تستطيعي استكشافها جميعا. أعطيتِنا بالفعل سبباً كي نعكس للعالم شكل الحياة التي نأملها لكِ.

مثل كل الأباء، نريدك أن تنشأي في عالم أفضل مما نعيش فيه الآن.

بينما تركز العناوين عادة على الأمور الخاطئة، سيكون العالم أفضل بأشكال كثيرة. الصحة تتحسن، والفقر يتقلص، والمعرفة تتنامى، والناس يتواصلون، والتقدم التكنولوجي في كل مجال. وهذا يعني أن حياتك يجب أن تكون بشكل كبير أفضل من حياتنا اليوم.

نقوم بدورنا كي يحدث  ذلك، ليس فقط لأننا نحبك، لكن أيضاً لأن لدينا مسؤولية أخلاقية تجاه جميع الأطفال في الأجيال القادمة.

نؤمن بأن قيمة حياة كل البشر متساوية، ويشمل ذلك الكثير من الناس الذين سيعيشون في الاجيال المستقبلية.  لدى مجتمعنا تعهد بالاستثمار الآن من أجل تحسين حياة كل من سيأتون إلى هذا العالم، وليس فقط من يعيشون الآن.

لكن حاليا، لا نوجّه مواردنا بشكل مستمر نحو الفرص الأكبر والمشاكل التي سيواجهها جيلك.

بالنظر إلى الأمراض. كمجتمع ننفق اليوم على علاج الناس أكثر خمسين مرة مما نستثمره في الأبحاث التي لن تجعلك مريضة من الأساس.

أصبح الطب علماً حقيقياً فقط منذ أقل من 100 عام، وبالفعل توصلنا إلى علاج كامل لبعض الأمراض وتقدم جيد في البعض الآخر. التكنولوجيا تتسارع، نحن أمام فرصة عظيمة لمنع ومعالجة أو التعامل مع أغلب الأمراض الأخرى خلال المائة عام القادمة.

اليوم يموت الناس من خمسة أشياء هي (مرض القلب- السرطان- السكتة الدماغية – الخلايا العصبية- الأمراض المعدية) ويمكننا صناعة تقدم أسرع في تلك المشاكل وغيرها.

بمجرد إدراكنا أنك وجيلك وأطفال جيلك ربما لا يجب أن تعانوا من المرض، فلدينا جميعاً مسؤولية لتوجيه استثماراتنا أكثر في اتجاه المستقبل لنجعل الأمر حقيقيا. تريد والدتك وأنا معها أن نؤدي دورنا.

علاج الأمراض يحتاج إلى الوقت. وعلى مدار الفترات القصيرة من خمس أو عشر سنوات، لا يبدو أننا نصنع فارقاً كبيراً. لكن على المدى الطويل، البذور التي زرعناها الآن ستنمو، ويوماً ما، أنت أو أطفالك سترون ما نستطيع فقط نحن تخيله: عالم خالي من معاناة المرض.

هناك الكثير مثل تلك الفرص. لو ركّز المجتمع طاقته بشكل أكبر على تلك التحديات الكبرى، سوف نترك لجيلك عالم أفضل.

آمالنا لجيلك تنصب على فكرتين: النهوض بالإمكانيات البشرية وتعزيز المساواة.

النهوض بالإمكانيات البشرية أي رفع حدود التوقعات حول كيف ستصبح الحياة البشرية أفضل.

هل تستطيعون التعلم واكتساب الخبرة أكثر مما نفعل اليوم بمائة مرة؟

هل يمكن لجيلك معالجة الأمراض لذا تستطيعون العيش عمراً أطول وحياة صحية أكثر؟

هل يمكننا تسخير طاقات نظيفة أكثر فتستطيعون أنتم ابتكار أشياء لا يمكننا تخيلها اليوم أثناء حماية البيئة؟

هل نستطيع تدعيم الأعمال والمبادرات الرائدة فيمكنكم بناء أي مشروع وعبور أي تحدي من أجل زيادة السلام والرخاء؟

تعزيز المساواة أي أن نكون متأكدين من أن كل شخص يمكنه الوصول لتلك الفرص –بغض النظر عن دولته أو عائلته أو الظروف التي نشأ فيها.

مجتمعنا لا يجب أن يقوم بذلك فقط من أجل العدالة والأعمال الخيرية بل من أجل تقدم بشري أعظم.

اليوم سلبنا من الإمكانيات التي كان يجب أن يقدمها الكثيرون. والطريقة الوحيدة للوصول إلى كامل إمكانياتنا هي إيصال المواهب والأفكار والمساهمات من أي شخص في العالم.

هل يمكن لجيلنا أن يقضي على الفقر والجوع؟

هل نستطيع تزويد الجميع بالخدمات الصحية الأساسية؟

هل يمكننا بناء مجتمعات شاملة ومرحبة بالآخر؟

هل نستطيع تعزيز علاقات التفاهم والسلام بين كل شعوب العالم؟

هل نستطيع تمكين الجميع –النساء، والأطفال، والإقليات غير الممثلة، والمهاجرين ومعهم المنعزلين؟

لو قام جيلنا بالاستثمارات الصحيحة، يمكن أن تكون الإجابة لكل الأسئلة السابقة هي نعم نستطيع، ونأمل ان تكون خلال حياتك.

هذه المهمة – النهوض بالإمكانيات البشرية وتعزيز المساواة- ستتطلب نهجاً جديداً من جانب كل العاملين من أجل تلك الأهداف.

يجب أن نضع استثمارات طويلة الأمد تصل إلى 25 أو 50 أو حتى 100 عام. تتطلب التحديات الكبرى فترات زمنية طويلة جداً، ولا يمكن حلّها من خلال التفكير قصير المدى.

يجب أن نتواصل بشكل مباشر مع الأشخاص الذين نعمل من اجلهم. لن نستطيع تمكين الأشخاص لو لم ندرك احتياجات ورغبات مجتمعاتهم.

يجب أن نبني تكنولوجيا من أجل صنع التغيير. تستثمر الكثير من المؤسسات أموالاً في تلك التحديات، لكن التقدم الاكثر يكون مكتسبا من انتاج المبدعين.

يجب أن ندعم القادة الأقوى والأكثر استقلالية في كل مجال. الشراكة مع الخبراء أكثر تأثيراً من محاولة قيادة الجهود بأنفسنا.

يجب أن نخاطر اليوم من أجل تعلّم الدروس للمستقبل. نحن في بداية فترة تعلمنا والكثير من الأشياء التي نقوم بتجربتها لن تفلح، لكن سنستمع ونتعلم ونستمر في التحسن.

تجاربنا مع التعلم الشخصي، والانترنت المتاح، وتعليم المجتمع والصحة قد شكّلت فلسفتنا.

نشأ جيلنا في فصول مدرسية حيث نتعلم جميعنا نفس الأشياء في ذات الوقت بغض النظر عن اهتماماتنا أو احتياجاتنا.

جيلك سيضع أهدافاً حول ما يريد أن يكون –مثل مهندس، أو كاتب أو قائد مجتمعي. سيكون لديكم تكنولوجيا تدرك كيف تتعلمون بأفضل طريقة وأين يجب أن يكون تركيزكم. ستتقدمون سريعاً في الموضوعات التي تهتمون بها، وستحصلون على مساعدة على قدر ما تحتاجون في أغلب التحديات التي تواجهكم. ستستكشفون المواضيع التي لا يتم التعرض لها في المدارس حالياً. سيكون لمدرسيكم أدوات أفضل وبيانات تساعدكم على تحقيق أهدافكم.

والأفضل، سيكون الطلاب حول العالم قادرين على استخدام الانترنت في التعلم الشخصي، حتى لو كانوا يعيشون بعيداً عن المدارس الجيدة. بالطبع سيتطلب الأمر أكثر من التكنولوجيا حتى نعطي كل شخص بداية عادلة في الحياة، لكن التعلم الشخصي يمكن أن يكون طريقة قادرة على إعطاء الأطفال تعليم أفضل وفرص متساوية اكثر.

نبدأ في بناء تلك التكنولوجيا الآن، والنتائج بالفعل مبشرة. التلاميذ لا يؤدون بشكل أفضل فقط في الاختبارات، بل يكتسبون مهارات وثقة في تعلم أي شئ يريدونه. تلك الرحلة في البداية. التكنولوجيا والتدريس سيتحسنون بشكل سريع مع كل عام أنت فيه بالمدرسة.

درست أنا ووالدتك لطلاب وعرفنا ما هو مطلوب من أجل نجاح ذلك. سأعمل مع أقوى القادة في التعليم من أجل مساعدة المدارس حول العالم في التكيف مع التعلم الشخصي. سيتطلب التواصل مع مجتمعات، وهذا سبب بدايتنا مع مجتمع سان فرانسيسكو. سيتطلب بناء تكنولوجيا جديدة وتجربة أفكار جديدة. وسنشهد ارتكاب أخطاء وتعلم الدروس قبل تحقيق تلك الأهداف.

لكن بمجرد إدراكنا للعالم الذي نستطيع خلقه لجيلك، فلدينا مسؤولية كمجتمع لتركيز استثماراتنا على المستقبل من أجل جعل ذلك أمرا واقعيا.

معاً، يمكننا فعل ذلك. وعندما نفعل، لن يساعد نظام التعلم الشخصي فقط الطلاب في المدارس الجيدة، بل سيساعد في زيادة الفرص المتساوية لأي شخص يمتلك إنترنت.

الكثير من الفرص العظيمة لجيلك ستأتي من خلال إتاحة الإنترنت للجميع.

يفكر الناس عادة بالإنترنت كترفيه أو وسيلة اتصال. لكن بالنسبة لغالبية الأشخاص بالعالم، يمكن للانترنت أن يكون شريان حياة.

يقدم التعليم حتى لو لم تكن تسكن بجوار مدرسة جيدة. ويقدم معلومات صحية حول كيفية تجنب الأمراض أو تعزيز صحة الأطفال لو لم يكن بقربك طبيب. ويقدم أيضا خدمات مالية لو كنت تفتقد إلى بنك بجوار منزلك. ويتيح فرص عمل لو كنت تعيش بمجتمع اقتصادي غير جيد.

الانترنت شديد الأهمية فكل عشرة أشخاص يمتلكون انترنت، هناك واحد بينهم تقريباً خرج من فقره وفرصة عمل جديدة قد خلقت.

إلى الآن هناك أكثر من نصف سكان العالم –حوالي 4 مليار شخص- لا يستطيعون الوصول إلى الانترنت.

لو قام جيلنا بالتواصل معهم، يمكننا انتشال مئات الملايين من الناس من فقرهم. كما يمكننا مساعدة مئات الملايين من الأطفال في الحصول على تعليم وإنقاذ ملايين الأشخاص من الموت بعد مساعدتهم في تجنب الأمراض.

ذلك أيضاً مجهود يبنى على المدى الطويل يمكن أن يتطور بالتكنولوجيا والشراكة. سيتطلب اختراع تكنولوجيا جديدة من أجل جعل الانترنت متاحاً اكثر وتحديداً في المناطق المعزولة. سيتطلب شراكة من الحكومات، والمنظمات غير الهادفة للربح والشركات. سيتطلب التواصل مع المجتمعات من أجل إدراك ما هم في حاجة إليه. الأشخاص الجيدون سيمتلكون وجهات نظر مختلفة حول أفضل طريق للتقدم للأمام، وسيجربون جهودا عديدة قبل النجاح.

لكن معاً يمكننا النجاح وخلق عالم أكثر مساواة.

لا تستطيع التكنولوجيا حل المشاكل بنفسها. بناء عالم أفضل يبدأ ببناء مجتمعات قوية وصحية.

يمتلك الأطفال أفضل الفرص حينما يستطيعون التعلم. ويتعلمون أفضل عندما يكونوا أصحاء.

تبدأ الصحة مبكراً –مع أسرة متحابة، تغذية جيدة وآمنة، وبيئة مستقرة.

عادة يكون الأطفال الذين مروا بتجارب مضطربة في بدايات حياتهم، أقل تطوراً من حيث العقول والأجساد الصحية. تظهر الدراسات تغيرات مادية في تطور المخ مما يؤدي إلى قدرات عقلية أقل.

والدتك طبيبة ومعلمة، ورأت ذلك مباشرة. لو مررت بطفولة غير صحية، فمن الصعب أن تبلغي كامل إمكانياتك.

لو تسائلت إذا كنت ستمتلكين الطعام أو الإيجار أما لا، أو كنت قلقة من اعتداء أو جريمة، هنا سيكون من الصعب الوصول إلى كامل إمكانياتك.

لو خشيت من أن فرص دخول السجن أكثر من زملائك بسبب لون بشرتك، أو لأن عائلتك سيتم ترحيلها بسبب وضعهم غير القانوني، أو أنك قد تكونين ضحية عنف بسبب دينك، أو ميولك الجنسية أو نوعك، إذا فمن الصعب الوصول إلى كامل قدراتك.

نريد مؤسسات تتفهم أن تلك القضايا متصلة. تلك هي فلسفة النوع الجديد من المدارس الذي تقوم والدتك ببنائها.

بالشراكة مع المدارس، والمراكز الصحية، ومجموعات الآباء والحكومات المحلية، ومن خلال ضمان أن كل الأطفال يقدم لهم تغذية ورعاية جيدة، يمكننا البدء في علاج تلك الأوجه المتفاوتة. هنا فقط يمكننا البدء جميعاً في إعطاء كل شخص فرصة متساوية.

لتطوير هذا النموذج بشكل كامل سيتطلب الأمر سنوات كثيرة. لكنه مثال آخر لكيفية أن النهوض بالإمكانيات البشرية وتعزيز المساواة مرتبطين بشكل قوي. لو أردنا الإثنين، يجب أولاً أن نبني مجتمعات شاملة وصحية.

لكي يعيش جيلك في عالم أفضل، هناك الكثير ليقوم به جيلنا.

اليوم أنا ووالدتك نتعهد بقضاء حياتنا للقيام بدرونا الصغير في المساعدة لحل تلك التحديات. سأستمر في العمل كمدير تنفيذي للفيسبوك لسنوات كثيرة وكثيرة قادمة، لكن تلك القضايا هامة جداً على أن ننتظر حتى تكبرين أو نكبر نحن ونبدأ هذا العمل. من خلال البدء في سن صغيرة، نأمل أن نشهد عوائد مضاعفة خلال حياتنا.

مع بدايتك للجيل الجديد من عائلة تشان زوكربيرج، نبدأ نحن أيضاً مبادرة تشان زوكربيرج لنلتحق بالأشخاص حول العالم والدفع بالإمكانيات البشرية وتعزيز المساواة بين كل الأطفال في الجيل القادم. سيكون تركيزنا على التعلم الشخصي، وعلاج الامراض، وجعل الناس غير معزولين، وبناء مجتمعات قوية.

سنوجه 99% من أسهمنا في الفيسبوك –الآن قيمتها حوالي 45 مليار دولار- خلال حياتنا إلى تقدم تلك المهمة. نعلم أن ذلك إسهام بسيط بالمقارنة مع كل الموارد والمواهب العاملة بالفعل على تلك القضايا. لكننا نريد فعل ما نستطيع أن نقوم به، عاملين جنباً إلى جنب مع آخرين كثر.

سوف نشارك تفاصيل أكثر خلال الأشهر القادمة بمجرد الاستقرار في طريقة حياة عائلتنا الجديدة ونعود من إجازة الأمومة والأبوة. ندرك أنك ستمتلكين الكثير من الأسئلة حول لماذا وكيف نفعل ذلك.

مع دخولنا إلى هذا الفصل من حياتنا بعد أن أصبحنا آباء، نريد أن نشارك تقديرنا العميق لكل شخص يمكن أن يجعل هذا الأمر ممكناً.

يمكننا إنجاز هذا العمل فقط عندما يكون خلفنا مجتمع دولي قوي. بناء الفيسبوك خلق مواردا لتحسين العالم للجيل القادم. كل عضو بمجتمع الفيسبوك سيلعب دورا في هذا العمل.

يمكننا إنجاز تقدم في تلك الفرص فقط من خلال التعاون مع الخبراء –مرشدينا وشركائنا والكثير من الأشخاص الرائعين الذين بنت مساهماتهم تلك المجالات.

ويمكننا فقط خدمة هذا المجتمع وتلك المهمة لأننا محاطين بعائلة متحابة، وأصدقاء داعمين وزملاء رائعين. نأمل أن تحصلين على مثل تلك العلاقات الملهمة العميقة في حياتك أيضاً.

ماكس، نحبك ونشعر بمسؤولية كبيرة تجاه ترك هذا العالم وقد أصبح مكانا أفضل لكي ولكل الأطفال. نتمنى لك حياة مليئة بمثل هذا الحب، والأمل، والسعادة التي أعطيتيها لنا. لا نستطيع الانتظار حتى نرى ما ستقدمينه للعالم.

مع حبنا،

ماما وبابا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى