ترجماتمنوعات

جارديان: مشروع “مثلث ماسبيرو” يهدم أقدم متجر للساعات في مصر

هنا كان الملك فاروق يصلح ساعاته.. متجر هنهايات للساعات

 

المصدر-  
تصوير: عبد الرحمن محمد
ترجمة- رنا ياسر  

خارج متجر “هنهايات”، ترى أكواما من الحجارة المُحطمة وسحبًا من غبار الخرسانة، أما بالنسبة إلى “عصام” فإن تعبئة مئات من الساعات الثمينة، ستصبح ذكرى أليمة، ورغم 111 عامًا من الاهتمام -عُمر متجره المتوارث- لن يكون لدى عصام أحمد سوى الاعتراف بحزنه الشديد على زوال أقدم متجر للساعات في مصر.

 
المكان ما زال حيًا بالنسبة لنا، هذا منزلي الذي أُخذ منا بالقوة الغاشمة” بهذه الكلمات بدأ عصام حديثه بتفاخر عن تصليح والده لساعة آخر ملوك مصر، الملك فاروق، إذ يحتفظ في متجره بدفتر مكتوب بخط اليد مُسجلاً فيه أسماء كل الزبائن الذين زاروه، بما في ذلك شخصيات مصرية مشهورة من القرن العشرين، منهم الناشطة المصرية هدى الشعراوي والممثل نجيب الريحاني. 

تعلّم عصام الحرفة من والده وجده، الذي اشترى المتجر من مالكه البلغاري الأصلي ويُدعى “سولومون هنهايات” في عام 1956، ولكن في نهاية هذا الأسبوع سيكون المتجر  إلى زوال، كجزء من خطة لإعادة تطوير المناطق الحضرية في القاهرة والمعروفة باسم “مثلث ماسبيرو”، والآن تتحرك الجرافات لإزالة المباني الخديوية الممزوجة بالزخارف العربية والأوروبية تحت الحكم العثماني، خاصة في أثناء حكم الخديوي إسماعيل في منتصف القرن 19. 

على مقربة من نهر النيل الذي تحيطه مبان تاريخية بما في ذلك القنصلية الإيطالية ومبنى الإذاعة والتليفزيون فإن مثلث ماسبيرو بعد تطوره سيشتمل على مركز مالي وفنادق فاخرة ومراكز تجارية، إذ تُقدر تكاليف الهدم وإعادة التوطين نحو 4 مليارات جنيهًا أي حوالي 170 مليون جنيه إسترليني ،ولا يخفى أن المنطقة كانت نقطة اشتعال رئيسية في أثناء الربيع العربي.

وفي هذا الإطار، نقلت صحيفة “جارديان” قول أحد المسؤولين إن الرئيس عبدالفتاح السيسي يتطلع إلى أحدث خطط للتحديث والتطوير لتحويل القاهرة إلى مكان مُربح للمستثمرين الأثرياء والسياح، كما أن هناك رأس مال إداري جديد في الصحراء قيد الإنشاء، مُدعمة من قبل شركة هندسة الإنشاءات الحكومية وشركة تنمية الأراضي الصينية التي استثمرت بنحو 20 مليار دولار، مؤكدًا “مستقبل ماسبيرو ينير، ونحن على يقين بأن نموذج التنمية المستدامة سيحدد معيارًا للتجديد العمراني في جميع أنحاء البلاد”. 

ولكن بالنسبة إلى أحمد والعديد من السكان الآخرين في المنطقة، فإن تدمير المباني على جانب واحد من شارع 26 يوليو، بما في ذلك متجره، يُمثل نهاية مُظلمة لعصر مهيب، ناهيك بمصدر دخله الرئيسي.


“المتجر يستحق مئات الآلاف من الدولارات والسلطات تريد منحنا قروشًا في المقابل، وعلى أي حال فإن الأهم من ذلك أن يُترك هذا المتجر كمتحف، لقد خدمنا الملوك والمشاهير وها هو إرث “هنهايات” الذي يُقدر بأقل قيمة، فكيف يمكن لبلد -تُعد مصدرًا للفخر- تقتل تراثها بيدها؟” حسبما ردد أحمد عصام.

بدأت بالفعل عمليات الهدم، وبدأ العمال يتخلصون من بقايا الصخور بفعل عرباتهم اليدوية في جو من الغبار الخانق. وفي هذا الإطار قال هاشم أبوالعلا (55 عامًا)، كان زبون دائم للمتجر، ويعيش في أحد المباني التراثية القريبة، متحدثًا بنبرة أكثر تحديًا “إنهم يقتلوننا بالبطيء من أجل إخراجنا من المنطقة، فهذا بيتنا ولن نخرج منه وإن لاحقنا الموت ونحن بداخله”.

في حين تلقى أصدقاء أبو العلا المال وانتقلوا إلى مكان آخر، تاركين إياه مناشدًا المحامين وقيامه بإرسال خطابات إلى المسؤولين لسماع قضيته، ومن المقرر عقد جلسة استماع إدارية في نهاية هذا الشهر. 

وفي نفس الصدد يشير أبو العلا إلى أن السلطات قدمت مبلغا يصل إلى 60 ألف جنيهًا لكل غرفة لكل ساكن في جميع أنحاء المنطقة. ويضيف آخرون، أنه يتم دفع التعويضات في حال قبول الساكنين إياها قبل البدء في إجبارهم على الإخلاء، أما أحمد فقد عرض عليه 7 آلاف جنيه للمتر المربع لإخلاء متجر الساعات، وهو سعر يقل كثيرًا عن سعر السوق الذي يتراوح بين 50 ألفا و100 ألف جنيه للمتر المربع، وفقًا لسماسرة العقارات المحليين.

ويُذكر أنه تم تقديم مبلغ 40 ألف جنيه للمقيمين مقابل تكاليف النقل حيث ازدهرت أسعار العقارات على خلفية انخفاض قيمة العملة، وفي الوقت ذاته إذا أمكن للمُشترين، شراء شقة في منطقة قريبة من حي ماسبيرو في جنوب القاهرة، لن يدفع المُشتري أقل من 300 ألف جنيهًا، فضلا عن ارتفاع تكاليف المعيشة بعد أن وافقت مصر على اتخاذ إجراءات تقشفية للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.

 في هذا الإطار، يقول صندوق تطوير العشوائيات، الجهة الحكومية المسؤولة عن خطط ماسبيرو، إنه
“يتحمل مسؤولية التخلص من المباني السكنية غير الآمنة بما في ذلك مبني هنهايات”.

لذا يعرب، خالد صديق، رئيس صندوق تطوير العشوائيات قائلاً “ما نريده هو نسيج متناسق للتلاحم الحضاري والاجتماعي على اعتبار أن مثلث ماسبيرو من أكبر الأحياء الفقيرة في مصر حيث كان هناك الكثير من حالات التدهور الحضاري، والأوضاع المعيشية التي لا يمكن تحملها بسبب الكثافة السكانية”.


وفي هذا الإطار، أشار صديق إلى أنه من المتوقع أن يصل المبلغ النهائي للتعويضات إلى 1.3 مليارات جنيهًا، إلى أكثر من 4500 عائلة.

ومن ناحية المباني والمحلات ذات التراث الثقافي مثل متجر “هانيهات”، تساءل الصديق “هل من الأفضل إنشاء ممر يخدم مليون مواطنًا من المُشاة أم الحفاظ على مبنى تراثي؟ الصالح العام هو الأفضل على الدوام، وسلامة الناس تأتي في المقام الأول، ولكي نكون صادقين، فأنا لا أرى أي شكل من أشكال التراث المعماري في هذه المباني”.

ومن ثم أعربت الصحيفة البريطانية من مخاوف واسعة النطاق من أن الرؤية الحضارية في مصر تخلق حالة من التفاوت المكاني والطبقي. وقال يحيى شوكت، الشريك المؤسس بمركز “عشرة طوبة للدراسات والتطبيقات العمرانية” إن الحكومات تستخدم المستوطنات العشوائية كوسيلة سريعة لتحقيق بعض السيولة من خلال استغلال فجوة الإيجارات. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى