اقتصادترجماتسياسة

كيف تحوّل “إيلون ماسك” إلى “ترامب التكنولوجيا”؟

كلاهما يعتمد التجاهل والاستعراض كسياسة للتعامل مع مشكلاته

نشرت صحيفة “تليجراف” البريطانية تقريرًا خاصًا للصحفي كريس جراهام بشأن التشابه بين إيلون ماسك، الملياردير المستثمر والمخترع وعملاق التقنيات، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، انطلاقًا من تغريدات هاجم فيها ماسك وسائل الإعلام أمس، واصفًا إياها بـ”الرياء العظيم” ومعتبرًا أن الشعب لم يعد يحترمها.

إليكم نص التقرير:

حين أطلق إيلون ماسك تغريداته المطولة العنيفة عبر “تويتر” مهاجمًا وسائل الإعلام، الأربعاء، لم يمر وقت طويل حتى وقع في مقارنة مع دونالد ترامب، حيث كتب مراسل بصحيفة The Verge: “يستمر ماسك في تحوله البطيء إلى رمز (ترامبي) متصيّد للإعلام يصرخ بجنون متحدثًا عن الأخبار المزيفة”.

ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يحتج فيها “ملياردرير التقنيات” على الإعلام عبر حسابه على “تويتر”؛ تمامًا كما التسلية التي عادةً ما يشبع بها الرئيس الأمريكي رغباته، لكن المقارنة بين رائد التكنولوجيا ذي الأعوام الستة والأربعين في “وادي السليكون” (حيث معقل صناعة التكنولوجيا الأمريكية)، و”زعيم العالم الحر” ذي الأعوام الحادية والسبعين، لا تتوقف عند كراهيتهما للمؤسسات الإعلامية.

قد لا يحمل مؤسس شركة “تسلا” التقدمي نفس الأفكار السياسية للرئيس الجمهوري، فماسك المولود بجنوب إفريقيا ترك عضوية المجالس الاستشارية للبيت الأبيض احتجاجًا على انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ، وهاجم قمع الرئيس الأمريكي للمهاجرين. لكن، في الوقت نفسه، يتشارك الاثنان عدة سمات في طريقة إدارة كلّ منهما لأعماله.

د. ليبي ساندر، الأستاذ المساعد للسلوك التنظيمي بجامعة “بوند” الآسيوية، قالت إن “كلًا منهما يضع نفسه موضع الزعيم الكاريزمي. وفي ما يتعلق بأسلوب القيادة، فإنهما يعتمدان في معظم الأحوال على ذواتهما وشخصياتهما، وبالتالي ترتبط الشركة بفرد واحد”.

التعامل مع الإعلام

عند مواجهة ماسك أو ترامب نقدًا فإنه سرعان ما يرفضه ويعاتب المشككين. الرئيس الأمريكي معروف بأسلوبه الفظ، حتى قبل مشاركته بالانتخابات الرئاسية، وكان واضحًا أنه لا يُحتمل أن يلين بينما يدخل إلى البيت الأبيض. في مؤتمر صحفي عقده ترامب بصفته الرئيس المنتخب في “برج ترامب” العام الماضي، عنّف مراسل محطة CNN بغضب قائلًا له: “مؤسستك شنيعة، اصمت، إنه يوجه سؤالًا، لا تكن وقحًا، لا تكن وقحًا، مؤسستك شنيعة، لن أمنحك مساحة لطرح سؤال، لن أمنحك مساحة لطرح سؤال”.

وبعد شهر، خلال مؤتمر صحفي ارتجال واسع النطاق، انتقل الرئيس من الغضب إلى الفكاهة ثم إلى الاستخفاف بمعارضيه، حيث زعم أن إدارته تعمل “كماكينة مُعدَّلة جيدًا” واحتج على المزاعم المخالفة لذلك.

وكذلك ماسك، لا يملك من الصبر ما كيفي لإجابة الأسئلة التي لا تروقه؛ ففي دعوة أرباح في مطلع مايو الجاري بدا محتدًا تجاه تعليقات المصرفيين والمستثمرين. وعند سؤاله عن متطلبات رأس المال للشركة مستقبلًا، أجاب ماسك: “عذرًا، عذرًا، السؤال التالي، السؤال التالي، الأسئلة الحمقاء المملة ليست لطيفة، السؤال التالي”.

ترجح د. ليبي أن رده الغاضب كان “استجابة للضغط الواقع عليه” في ما يتعلق بالمشكلات الجارية الخاصة بالصناعة في شركته “تسلا”، وتعتبر أن مهاجمته والرئيس الأمريكي لوسائل الإعلام أمر غير لائق، لكنها تفسرها بأن “من يتقلدون مناصب إدارية يميلون إلى فعل ذلك”.

استخدام “تويتر”

هذه المنصة أصبحت الناطق المفضل بلسان رجليْ الأعمال ماسك وترامب. السيد ترامب الذي ينشر تغريدات كثيفة عادةً ما تكون مثيرة للجدل، ويتمتع بمتابعة 52.2 مليون شخص، قال لشبكة “فوكس نيوز”: “كتابة التغريدات تشبه عمل الآلة الكاتبة (أي الخطابات المكتوبة)، حين تبتعد عنها فإنك تضير عرضك على الفور. أشك أنني كنت لأصبح هنا إن لم توجد مواقع تواصل؛ سأكون أمينًا معك في ذلك”.

وكمثل ترامب، يتواصل ماسك بشكل مباشر مع جمهور ضخم على “تويتر”، حيث يصلون إلى 21.8 ملايين متابع، وبحسب جاك دورسي المدير العام للمنصة الاجتماعية فإن ماسك يستخدمها على نحو جيد، حيث قال قبل عامين: “إنه يتواجد باستمرار على تويتر، ويتحدث باستمرار عما تفعله الشركة وانطباعه عنها أيضًا. هو منفتح جدًا ويستخدم حسابه لتصحيح الأخبار، وللفت انتباه الناس إلى الأشياء الصحيحة إن لم يكونوا منتبهين إليها”.

ورأى دورسي أن ماسك “قدورة جيدة حقًا للناس في كيفية استخدام الموقع، حيث يدخل في محادثات ويحب ما يفعل. هو عالم، ويجتهد على هذه المنصة، ويدخل مناقشات حول هذا الأمر أيضًا”.

الأداء المسرحي الاستعراضي

تختلف المراحل التي يصل إليها كل من الرجلين في فخره بذاته، لكنّ كليهما مولع بالأداء المسرحي. يكافح ترامب في مواجهة تسجيله درجات منخفضة في تحقيق القبول عند الناس، لكن حين نتحدث عن العروض التليفزيونية فهو رجل أعمال سابق وشهير يعرف كيف يجذب الناس إلى الشاشة.

عادةً ما لا يكون الكشف عن المرشح لرئاسة المحكمة العليا أكثر الأحداث مسرحيةً في العاصمة واشنطن؛ لكن ترامب الذي قدّم سابقًا برنامج تليفزيون الواقع “المتدرب” أضفى لمسة من المفاجأة المسرحية على إعلان المرشح في فبراير الماضي، حيث رفع درجة الإثارة باستدعاء المرشحين النهائيين إلى العاصمة لحضور حدث الكشف عن الفائز، وهو ما كان تحركًا غير معتاد إلى حدٍ كبير، لكنه ليس مفاجئًا من رجل يُعلي الاستعراض على التقاليد.

وحين حان الوقت وأعلن فوز نيل جورساتش، بدا ترامب مستمتعًا بإبقاء الناس يخمّنون حتى نهاية الحفل، مكررًا: “هل كانت مفاجأة؟”.

في الوقت نفسه، تصف المجلة الأمريكية الشعبية “فانيتي فير” ماسك بأنه “أعظم رجل استعراض على وجه الأرض، فمن بين أكثر حيله جاذبية في الفترة الأخيرة جاء إطلاق سيارة تسلا حمراء إلى الفضاء، بينما تتكرر أغنية Space Oddity (غرابة الفضاء) لدافيد باوي في الخلفية.

جلس أكثر من مليوني شخص أمام الشاشة لمشاهدة هذا الانطلاق عبر شبكة الإنترنت، ليصبح ثاني أكبر حدث يُبث مباشرةً في تاريخ “يوتيوب”، فضلًا عن اقتطاع الشبكات التليفزيونية بثها حتى تبث هذا الحدث. توضح د. ليبي في ذلك أن العمل الذي يديره زعيم كاريزمي ويرتبط بشخصيته يستتبع “الأداء المسرحي”.

أيضًا يفيد هذا الأداء في التشتيت عن القصص السلبية حول الرجلين، حيث أوضح جيم كانوس الذي يمارس “البيع المكشوف” لصالح ماسك: “لا تدعو حركات ماسك المسرحية في المكالمات المتلفزة تخدعكم؛ فهو لا يريد من المستثمرين أن يركزوا على التدهور السريع لتمويلاته”.

الاجتماعات البغيضة

إذا حضرت اجتماع عمل ولم ليكن كما تأمل، فإن نصيحة ماسك وترامب لك هي أن تنصرف! حيث تم تسريب رسالة بريد إليكتروني من ماسك إلى موظفيه، قال فيها: “غادروا الاجتماع أو أغلقوا المكالمة بمجدر أن يتضح لكم أنهم بلا قيمة مضافة. ليس من الوقاحة أن تغادر، بل من الوقاحة أن تسمح لشخص بالبقاء وتضييع وقته”.

وبلا شك يتفق ترامب مع هذه النصيحة، حيث قال عن اجتماعه مع رئيس كوريا الشمالية كيم يونج أون: “إذا لم يكن اللقاء مثمرًا حين أكون هناك فسأغادر باحترام”. ويُقال إنه غادر لقاءً مع جانين بيرو المذيعة بشبكة “فوكس نيوز” في نوفمبر الماضي بعدما “أرهقته المناقشة”. تعقب د. ليبي على ذلك بأن هذه ليست أفضل نصيحة لأي شخص، ما لم يكن مليارديرًا أو رئيسًا للجمهورية.

الحياة الأسرية

تتشابه الحياة الأسرية لكلا الرجلين أيضًا، فكلاهما ينحدر من خلفية ثرية وعلاقاته الاجتماعية غير مستقرة. أصبح فريد ترامب، والد دونالد، من أغنى رجال الولايات المتحدة بعد عمله بالتطوير العقاري، فيما بنى إيرول ماسك والد إيلون ثروته من الهندسة.

كذلك مرّ كلٌ من الرئيس الأمريكي ومدير “تسلا” و”سبيس إكس” بتجربتيْ انفصال عن زوجاتهما، حيث تزوج ترامب من العارضة ميلانيا بعد زواجه من العارضة إيفانا زيلنيكوفا والممثلة مارلا مابلز، بينما شهد ماسك زواجًا وانفصالًا مرتين أيضًا، وإن كانتا من نفس السيدة وهي الممثلة تالولا رايلي. ومؤخرًا قال ماسك إنه يعاني “ألمًا عاطفيًا شديدًا” بسبب فشل لعلاقة حديثة مع الممثلة أمبر هيرد. تفسر د. ليبي ذلك بأن العمل هو كل الحياة للرجلين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى