ثقافة و فنمنوعات

أ.ب: مصر المسلمة تعيد إحياء صناعة النبيذ

صناعة النبيذ كانت مهملة لفترة طويلة منذ القرن ال19

عامل بأحد مصانع الخمور يفحص زجاجات النبيذ – الصورة من أسوشيتد برس لمصعب الشامي

زحمة – أسوشيتد برس

قام منتج لنبيذ عضوى يزرع عنبًا محليًا بالقرب من المقابر الفرعونية وسط مصر، وصانعو نبيذ فى دلتا النيل، بتحديث صناعة مهملة منذ القرن التاسع عشر، وبات بإمكان فنادق القاهرة وسياحها الآن التمتع بالنبيذ المصرى الذى وصفه خبير بأنه “مشروب مرموق”.

كل ذلك جزء من مسعى مستمر منذ 15 عاما لإحياء صناعة النبيذ المصرية الصغيرة، والتى تقدم بشكل رئيسى للسياح، وصانعا النبيذ الرئيسيان فى البلاد يتمتعان بالحماية بفضل نظام جمركى يمنع استيراد النبيذ، إلا أنهما يواجهان تحديا فى زراعة الكروم فى مناخ صحراوى حارق فضلاً عن صعوبة تسويق منتجاتهم فى مجتمع مسلم محافظ.

شركة كروم النيل، التى تقوم بصناعة نبيذ عضوى فى منتجع الجونة المطل على البحر الأحمر، قامت بزراعة 120 فدانًا من العنب البناتى، وهو عنب محلى أصلى يستخدم فى صنع النبيذ الأبيض فى وسط مصر. ويقع الكرم على بعد ساعة بالسيارة إلى الشمال من بنى حسن، الموقع الذى يضم مقابر فرعونية تعود إلى 3600 سنة.

لبيب كلاس، المدير اللبنانى لمصنع النبيذ، قال إن الفكرة هى صنع نبيذ محلى يتمتع بالمصداقية. وأضاف “عندما يأتى سائح إلى بلد معين.. فإنه يريد أن يتذوق طعام البلاد وشرابها. عندما يأتى سائح إلى مصر ويحتسى نبيذًا ليس من صنع مصرى فإن الأمر يبدو مخجلا للغاية”.

مدير جناكليس سباستيان بودري.. صورة مصعب الشامي- أ.ب
مدير جناكليس سباستيان بودري.. صورة مصعب الشامي- أ.ب

ولشركة كروم النيل مزرعة عنب أكبر بكثير فى الدلتا شمالى القاهرة، حيث تتم زراعة أصناف مستوردة من العنب لصنع نبيذ “جاردان دو نيل”. ويعتمد المزارعون على الرى وعليهم المحافظة على توازن دقيق بمنح النباتات ما يكفيها من الماء لمواجهة حر الصحراء ولكن ليس بالكمية التى قد تخفف من نكهة العنب. ونظرًا لهذه الظروف، فإن مصر لن ترتقى على الأرجح لتكون منتجًا كبيرًا للنبيذ ولا تستطيع منافسة الدول القريبة منها مثل لبنان وإسرائيل وتركيا واليونان.

إلا أن كلاس يقول إن مصنع النبيذ نجح فى صنع منتج محلى يتحلى بالمصداقية والمتعة. وأضاف “سواء أحببناه أو لا فهو نبيذ مصرى. نحن فوجئنا بالفعل من النوعية التى قمنا بصنعها، لأن التحدى كان منذ البدء هو صناعة نبيذ قابل للشرب”. وفاز نبيذ “جاردان دو نيل” بعدة جوائز فى مسابقات نبيذ فى أوروبا، كما منحته مجلة “ديكانتر” ميدالية برونزية فى 2012. وكتب عنه توم كانافان، الكاتب الأسكتلندى المتخصص فى النبيذ، مقالاً جيدًا على موقعه الإلكترونى هذا العام. فقال “فرصة تذوق شىء جديد، من مكان جديد، دائمًا ما تثير الاهتمام. وسأكون سعيدًا لو استمتعت بتناول كأس أو اثنتين من هذه الكروم المصرية مستقبلا”. مثل هذا الثناء لم يكن ليسمع به منذ عقد مضى، عندما كان النبيذ المصرى لا ينتج عنه سوى صداع فى الرأس.

فى العصور القديمة كانت مصر جزءًا من تقاليد صنع الخمور فى شرق البحر المتوسط. وتظهر رسوم المقابر الفرعونية أسلوب هرس العنب، والفراعنة وهم يحتسون النبيذ فى كؤوس. وكان بناة أهرامات الجيزة يحظون حصة يومية من جعة بها نسبة منخفضة من الكحول – وهو مشروب أكثر صحية من مياه النيل. تراجعت صناعة الخمور بعد الفتح الإسلامى فى القرن السابع الميلادى، إلا أنها شهدت إحياء لفترة قصيرة نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، عندما كانت مصر خاضعة للاحتلال البريطانى، وكانت تقطن القاهرة جاليات أوروبية ويهودية وأرمنية كبيرة العدد. فى 1882 أسس اليونانى نستور جاناكليس مصنعا للخمور فى الدلتا من كروم كان يغذيها الفيضان السنوى لنهر النيل، إلا أنه تم تأميمه فى الستينيات، ثم شهد إهمالا.

فى نهاية التسعينيات انتقلت هذه الصناعة إلى القطاع الخاص، وخلال سنوات قليلة اشترت شركة الأهرام للمشروبات، رائدة صناعة الجعة فى مصر، شركة جاناكليس، وتمتلكها الآن مجموعة هاينيكن، فأعيد بناء المصنع وتطويره. وتزرع شركة جاناكليس الكروم التى تصنع منها نبيذها فى موقع آخر بالدلتا، إلا أن أفضل إنتاجها يصنع من أعناب تستورد من فرنسا ولبنان وجنوب أفريقيا. ويشير مدير الشركة سباستيان بودري، الفرنسى الذى قدم إلى مصر فى نهاية التسيعينات، إلى إجراء بعض التحسينات، مثل تصنيع براميل حفظ وتعتيق نبيذ “شاتو دو غرانفيل” الأحمر من خشب البلوط. ويصنع هذا النوع من النبيذ من كروم مستوردة من فرنسا. كما ساعدت أجهزة قياس الرطوبة وتكنولوجيا الأقمار الصناعية فى وضع معايير افضل لرى الكروم التى تزرعها الشركة بنفسها. وقال “تحسنا من الصفر إلى 100 تقريبا… لا نزال نستطيع دائما أن نتحسن.

أشجار كرومنا لا تزال صغيرة.” لم يكن لسنوات الاضطراب عقب انتفاضة 2011 التى أطاحت بالرئيس لفترة طويلة حسنى مبارك كبير أثر على أى من مصنعى الخمور، وقال كلاس إن 2011 سجل رقما قياسيا للشركة، وأضاف ضاحكا “فى عام الثورة كان الناس يمكثون فى أماكنهم يشاهدون التلفزيون ويحتسون النبيذ.”

فى مصر المحافظة حيث يشكل المسلمون 90 بالمائة من السكان البالغ عددهم 90 مليون نسمة، فإنه من المستحيل عمليا الدعاية للخمور خارج الفنادق الكبرى. يقول كلاس إن أكثر من 90 بالمائة من زبائنه من السائحين. مايكل كرم خبير نبيذ إقليمى كتب كتابا عن أنواع النبيذ اللبنانية، يقول إن مصر أحرزت تقدما فى السنوات الأخيرة. هو صديق لكلاس، وتذوق نبيذ شركة كروم النيل فى 2012.

وقال عن كلاس “نسبيا، ما كان قادرا على فعله هناك أمر لافت للنظر، لجهة نجاحه فى صنع نبيذ قابل للشرب ومرموق.” وقال كرم إن مصر لا تزال تتخلف بعقد أو عقدين عن لبنان التى ظهرت على الساحة الدولية فى السنوات الخمس الأخيرة. وأضاف “لا يمكنك أن تروج للنبيذ بمفرده، يجب عليك أن تروج لبلد… عليك أن تسوق فكرة مصر كبلد مصنع للنبيذ، لكن ذلك سيكون صعبا لأن المستهلكين الدوليين ليسوا بتلك الجرأة.”

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى