ترجمات

غزة تُحيي “رميم” القصف الإسرائيلي لجعله “عظامًا” لأحيائها الفقيرة

الحصى المعاد تدويره أرخص من المستورد بأكثر من نصف السعر في غزة

المصدر: Theguardian

طوّر الفلسطينيون في غزة صناعة تُعيد تدوير قضبان الفولاذ الملتوية والخرسانة المحطّمة من المباني المدمرة، كطريقة لإعادة بناء القطاع الساحلي.

ففي مجتمع محاصر يعيش في ظل هجوم مستمر، أصبحت إعادة استخدام المواد جزءًا حيويًّا من قطاع البناء الذي يتدفّق تحت ضغط الحصار الإسرائيلي-المصري الذي يقيّد بشدة الواردات.

وعلى امتداد الإقليم، من بين الغبار وحطام المباني التي سويت بالأرض في الغارات الجوية الإسرائيلية، يمكن رؤية العمال والحفارين وهم يجمعون أجزاء من الجدران والأرضيات ليتم سحقها.

جلس أبومحمد يشرب القهوة المرة تحت غطاء من البلاستيك المشمع في أحد مواقع القنابل في مدينة غزة، وعلى حاوية شحن يوجد مكتبه المؤقت، وعلى بعد أمتار قليلة، تم مبنى منها تم بناؤه ليكون مكتبة عامة، ثم تم التخلي عنه واستخدامه من قبل حكام غزة وحماس للاستعراضات العامة.

“إذا لم تكن هناك حرب فإننا لا نفعل شيئا”، قال أبومحمد، الذي طلب استخدام لقبه لأنه لا يريد أن يتم الكشف عن اسمه، وتابع: “عندما يكون هناك مبنى مدمر، نقوم بالاتصال بالمالك لترتيب عملية الإنقاذ، لكن هذه المرة الترتيب مع الحكومة”.

واحد من المنتجات الرئيسية التي يستخرجها من المخلفات هو الحصى، فيستخدم لصنع الخرسانة وبناء الطرق، عندما لا يستطيع السكان تحمل شراء الأسفلت، فيتم وضع الحصى، وقال أبومحمد: “في بعض أحياء غزة معظم الطرق الصغيرة مصنوعة من حطام المباني التي تم قصفها”.

لقد عانت غزة، التي قطعت جغرافيٍّا عن بقية الأراضي الفلسطينية، من الحصار المفروض منذ عقد من الزمان، حيث تقول إسرائيل إنها تمنع حماس من استخدام المواد لأغراض عسكرية، مثل بناء الأنفاق تحت الأرض، فلهذه الأسباب، غالبًا ما تكون مواد البناء مقيّدة أو محظورة بشدة، بما في ذلك الأسمنت وقضبان حديد التسليح والأنابيب والحصى.

وحتى عندما تكون المعابر الحدودية مفتوحة فإن الواردات مكلفة للغاية وتستغرق وقتًا طويلًا للحصول عليها، مما يضاعف الوضع المأساوي أصلا بالنسبة إلى سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة، والذين لا يستطيع عدد كبير منهم المغادرة.

البطالة هي من بين أعلى المعدلات في العالم، من بين كل عاملين واحد منهم دون عمل، وفي هذا الصيف، منعت إسرائيل جميع البضائع التجارية باستثناء ما اعتبرته الإمدادات الإنسانية، وجاءت القيود الجديدة بعد عدة أسابيع من الاحتجاجات من قبل الفلسطينيين بالقرب من السياج المحيط الذي قوبل بنيران قنّاصة إسرائيليين.

قُتل أكثر من 170 فلسطينيا من بينهم أطفال ومسعفون وصحفيون على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأصيب عدة آلاف آخرين، وردا على ذلك، بدأ الفلسطينيون تدريجيا بتطيير الطائرات الورقية التي كانت تحمل عبوات مضاءة من البنزين لنشر الحرائق في إسرائيل.

وأدى العنف في نهاية المطاف إلى أشدّ قتال منذ عام 2014، حيث استخدمت إسرائيل الغارات الجوية، وحماس استخدمت صواريخ وقذائف الهاون، وفي يوليو مات جندي إسرائيلي إثر إصابته بطلقات نارية فلسطينية.

وخلال تلك الفترة، تم ضرب المبنى الذي ينقذه أبومحمد ورجاله: “هذا هو أكبر مشروع عملت به حتى الآن، نحو 80 ألف متر مربع، سيستغرق الأمر 35 يومًا إجمالًا، ونحن في اليوم الـ25”.

أبومحمد أوضح أن الحصى المستخرج من القنابل المعاد تدويرها أرخص، نحو 15 جنيها إسترلينيا للطن، بدلا من الحصى المستورد الذي يمكن أن يصل إلى 30 جنيها للطن، بل وأكثر من ذلك خلال إغلاق الحدود، فهذا يبدو أنه عمل جيد، على حد قوله.

وقال إنه في بعض الأحيان، وبخاصة عند العمل في مبنى سكني مقصف، يجد العاملون فيه أشياء شخصية كالملابس ولعب أطفال وأدوات مطبخ، نجت من الدفن وتما إعادتها إلى أصحابها.

ويعمل نحو 12 من رجال أبومحمد لتصويب قضبان الصلب الملتوية، باستخدام أذرع كبيرة ومفاتيح غُطيت بالشحوم من أجل رفع المعدن.

ويرتدي عزت نسيم، 27 عاما وله أربعة أولاد، قبعة على رأسه للنجاة من الشمس، لكنه قال إن يومه من السابعة صباحا إلى السابعة مساء أمر صعب، موضحا أنه يحصل على نحو 40 جنيها إسترلينيا للطن.

“نحن الخبراء.. لا وقف العمل للحديث”، هكذا صرخ الرجل، موضحا أن القضبان القصيرة التي تم قطعها في القصف تستخدم من أجل الأساسات، أمّا الأطوال الطويلة التي تجلس على كومة على الأرض المجاورة له، تستخدم في الارتفاعات العالية”.

وتابع: “منذ عام 2007  كان لدينا الكثير من العمل، فقد كانت هناك ثلاث حروب شاملة بين إسرائيل وحماس وصراعات لا تعدّ ولا تحصى في العقد الماضي.. كنّا أكثر انشغالًا في زمن الحرب”.

لقد أصبح إعادة التدوير أمرًا حاسمًا في غزة، حيث لا تتوفر السلع فقط، بل الخدمات أيضا مثل الماء والكهرباء، فبالإضافة إلى الحصار فإن القيود الاقتصادية التي فرضتها حماس على منافسيها السياسيين الفلسطينيين في الضفة الغربية دمرت الاقتصاد.

ويعتمد السكان، الذين ينحدرون أساسًا من اللاجئين الذين فروا أو طردوا من إسرائيل الآن، على استراتيجيات أخرى لمواجهة الحصار، مثل الطاقة الشمسية والبطاريات التي يتم شحنها خلال فترات قصيرة، وقد استخدم أحد المشاريع البيئية “جرين كيك” الفحم المستخرج من الفحم ورماد الخشب بدلًا من الأسمنت، والأنقاض الناجمة عن قصف المباني لتصنيع “البلوكات الأسمنتية”.

تسرّب التفكير في هذه الصناعة من خلال مصنع صغير على مشارف مدينة غزة، تديره عائلة، يمزج الحصى الموجود في مواقع القصف بالأسمنت والرمل، والنتيجة هي مئات من “البلوكات” التي تجف في الشمس.

محمود عزام، 49 عاما، كان يقود سيارته من إسرائيل إلى غزة والضفة الغربية، لكن لا يُسمح له الآن بالدخول إلى إسرائيل، ولذلك قام بإعداد المصنع، وقال “هذه الكتل هي أقل جودة لكن أرخص”، وأضاف: “نجد قطعا من الأنابيب البلاستيكية وقطعا صغيرة من الخشب وقطعا من الفولاذ، وعندما يتم إغلاق المعبر الحدودي، ينفد الحصى المستورد لكننا نواصل”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى