مجتمعمنوعات

“عالم بلا عمل”.. يوتوبيا أم جحيم؟

الجارديان: “عالم بلا عمل”.. يوتوبيا أم جحيم؟

الجارديان

ترجمة: فاطمة لطفي

ستحل الروبوتات محلنا أخيرًا وتقوم بوظائفنا، لكننا بحاجة إلى البدء بالتخطيط لتفادي حدوث انهيار اجتماعي.

يتساءل معظمنا ماذا يمكن أن نفعل إذ لم نكن بحاجة إلى العمل، إذا استيقظنا في الصباح لاكتشاف أننا ربحنا اليانصيب على سبيل المثال، سنحتفي بأنفسنا بتخيل امتلاكنا بيوتا متعددة، والقيام برحلات حول العالم. بالنسبة للكثير منا، أكثر حيثية محيرة لتخيلات كهذه هي الحرية التي ستجلبها: أن تفعل ما تريده، عندما تريد وكيفما تريد.

لكن لنتخيّل أن هذه الحرية موزعة بالتساوي على الجميع، حيث إنه يومًا ما، ربما ليس في حياتنا الحالية وليس أبعد بكثير أيضًا، ستكون الآلات قادرة على القيام بمعظم مهام البشر ووظائفهم. عند هذه النقطة، سيكون وجود عالم بلا عمل ممكنًا، إذا امتلك الجميع، ليس فقط الأغنياء، الروبوتات، ستحررهم هذه تقنية القوية من الاحتياج إلى الخضوع إلى الواقع للسعي للحصول على لقمة العيش.

بالتأكيد بعدها علينا اكتشاف ما ينبغي علينا فعله مع أنفسنا، ومع الآخرين أيضًا، لأن الفوز باليانصيب لا يحرر الفائز من قيود الظروف الإنسانية، وكل هذا الذكاء الآلي المقصود لن يسمح على التعايش بصورة سحرية مع الواقع. وما هو صعب حول وجود “عالم بلا عمل” هو أنه يجب علينا البدء بإنشاء مؤسسات اجتماعية للنجاة قبل التقادم التكنولوجي لعمالة الإنسان.

ورغم التقدم المبهر في علم الروبوت والذكاء الإنساني فإنه يتوقع من العديد منا، من يعيشون حاليا، أن يظلوا رهن العمالة الكادحة حتى التقاعد. اكترث علماء الاقتصاد والسياسيون بالعمال المكافحين في العقود الأخيرة: معدل مؤسف للزيادة في الأجور، وارتفاع معدل عدم المساواة. وكان المتهم الرئيسي هو التكنولوجيا. ساعدت الثورة الرقمية العولمة، الوظائف الروتينية الآلية، وسمحت للفرق الصغيرة التي تحوي عمالة ذات مهارة عالية لأداء مهام تتطلب عشرات الأشخاص. النتيجة كانت “وفرة” في العمالة، وعدم وجود وظائف.

أرباب العمل لا يبالون بذلك، ويوظفون الأشخاص ليقوموا بوظائف، يمكن أن تقوم بها الآلات. التجار الكبار وشركات التوصيل تشعر بضغط أقل لإسناد الوظائف في مخازنها إلى الروبوتات بينما توجد صفوف ضخمة من الأشخاص قادرون على نقل الصناديق بأجور أقل. العمالة البشرية مستمرة في أداء وظائف يمكن للآلات القيام بها.

ومن المثير للسخرية أن علامات بدء مرحلة وفرة التكنولوجيا موجودة في ظل تزايد معدل انخفاض الأجور، والعمالة منخفضة الإنتاجية. وهذه الفوضى بدأت بالكشف عن كيف سيكون إنشاء “عالم بلا عمل” أمرا صعبا. أكبر تحدّ تطرحه الثورة الاقتصادية ليس كيفية استحداث تقنيات سحرية جديدة في المقام الأول، لكن حول كيفية إعادة تشكيل المجتمع حيث يمكن للتقنيات أن تستخدم لصالح العمال الراضين بحظهم في الحياة، وحتى الآن فشلنا في ذلك.

التحضير لعالم بلا عمل يعني الاشتباك مع أدوار العمل في المجتمع، وإيجاد بدائل محتملة. أولًا وقبل كل شيء، نحن نعتمد على العمل في توزيع قوى الشرائية: لمنحنا المال لابتياع الطعام. ويبدو في النهاية مع مستقبل الروبوتات، سينتهي عهد المال والأسعار معًا، مع ارتفاع الإنتاجية، مما يسمح للمجتمع بتزويد الأشخاص بكل ما يحتاجونه تقريبًا دون أن يتكلفوا شيئًا.

لكن ستظل لبعض الوقت الأجور هي المورد الرئيسي للناس وستظل الأسعار هامة لابتياع ما يحتاجونه من بضائع. لكن في غياب أي تغير اجتماعي أشمل، دفع الناس خارج العمل سيقود ببساطة إلى تدفق الدخل من العمال إلى مالكي الشركات، وسيزداد الأغنياء ثراءً. تحرير الأشخاص من العمل دون حدوث انهيار اجتماعي سيتطلب من المجتمع إيجاد سبل أخرى للتعاطي مع المسألة. ربما يحصل الأشخاص أكثر من دخولهم على شكل إعادة توزيع الدولة، من خلال خدمات عامة مثل التعليم، والصحة والإسكان، أو ربما يحصل كل فرد على حصة عند ولادته.

هناك العديد من السبل التي يمكن للحكومات أن تدفع من خلالها للأشخاص عند حل الروبوتات محل العمالة البشرية. يمكنها أن تزيد من الأجور، أو تجبر الشركات على مشاركة أرباحها مع عمالها وموظفيها، كما يمكن للمجتمعات أن تساعد الذين لا عمل لديهم أن يشتركوا في أنشطة اجتماعية أخرى عند تحررهم من العمل.

إنشاء يوتيوبيا أو مدينة فاضلة لعالم بلا عمل يتشارك فيه الأشخاص الثروات، في وقت الناس فيه راضون بحظهم في الحياة ليست مهمة سهلة. الاشتباك بدأ بالفعل، والجولات الأولية للتفاوض محبطة قليلا. لكن بعد قرنين من الآن، أنا واثق أننا سنكون طورنا كل شيء على نحو رائع. وأكيد أن من سيظلون على قيد الحياة منا الآن سيمتلكون القدرة على  إدارة الخطوات الأولى الصعبة دون تخريب العالم خلال ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى