ثقافة و فن

صور- جثث نساء في شوارع بيروت المظلمة.. ما قصتهن؟

“Underbelly”.. جثث نساء في بيروت

زحمة

في زاويةٍ بالقرب من موقع بناء صامت، يرتمي جسد امرأة بشكل مخيف. وفي زاوية أخرى، يتمدد جسد امرأة أخرى على جانب طريقٍ ترابي خالٍ. هل هناك قاتل نساء طليق في شوارع بيروت يا تُرى؟ الجواب هو لا، فهذه مجرد صور من مشروع “Underbelly” للمصوّرة اللبنانية لارا تابت، المستوحى جزئيا من رواية بوليسية للكاتب التشيلي روبيرتو بولانيو.

ومن الجوانب التي تهتم بها الفنانة خلال التصوير هي الخطوط المبهمة بين الواقع والخيال، وذلك في “سياق كون العاصمة اللبنانية بيروت مدينة سياسية وحميمية في الوقت ذاته”، وفقا لما قالته في مقابلة مع موقع CNN بالعربية.

استوحت تابت، الفكرة من رواية للأمريكي اللاتيني روبرتو بولانيو (1953-2003) وعنوانها “2666”، تؤرّخ لمقتل أكثر من مئة امرأة في مدينة مكسيكية، مع تحقيقات الشرطة المحلية “العقيمة”. حوّلت لارا تابت الرواية إلى سرد فوتوغرافي ملتقط بكاميرا من القياس الكبير، وبالألوان، أما الجرائم المفترضة فوقعت في مدينة أخرى هي بيروت. لفّ الظلام صالة العرض التي حضنت هذه الأعمال، لتخطف المشاهد إلى عوالمها الليلية المرعبة، بإضاءتها الاصطناعية الخفيفة، تمثّل العبث بالزمن وبالمكان.

إلى جانب كل صورة، واحدة أصغر حجما، وُضعت بشكل أفقي، يظنّها المشاهد كأنها لعوالم فلكية غريبة، لا تمت إلى المرئي المألوف بصلة. لكنها في الواقع، صور ميكروسكوبية لإفرازات بشرية، دائما ما ترصدها تحقيقات الشرطة، التي لا تتوصل إلى أي نتيجة، مترسبة على تلك الجثث المجهولة المنتشرة في “قاع المدينة”.

مرجعية لارا تابت الطبيبة الفنانة – فرع من الطب هو الشرعي، تلفت إلى علاقته بالفوتوغرافيا منذ بدايتها، وإلى هذه الممارسة التي تحاول فك أسرار ودوافع الجريمة، واستعانته الواسعة بالصورة كأداة لجمع الأدلة، وإلى التخيل الأدبي والمرئي. كما بولانيو، وزعت تابت الجثث على ضواحي المدينة، مجسّدة نظرة الروائي إلى المدينة المعاصرة المليئة بالشر الكامن في زواياها المعتمة.

لارا تابت

بما أن التصوير النهاري والليلي لا يزال يثير الشبهات عندنا، تعرّضت تابت في أثناء التصوير لمساءلة الشرطة التي استجوبتها مرارا بتهمة التعدي على ممتلكات الغير. تستخدم الفنانة التصوير الفوتوغرافي كأداة تستكشف المساحات الحياتية القصوى.

وقالت تابت، لـ”سي إن إن بالعربية”، إنها وبسبب طبيعة المشروع وتصويره في أثناء الليل، كانت العملية صعبة، “غالبا ما تم توقيفي من قبل الشرطة المحلية/الخدمات السرية، أو قوات الأمن الخاصة”.

تحاكي صورها عالما ممسوخا وعبثيا. جزء من عالم معولم في اضطرابه وظلمته، حيث غلبة الشر، ترسم خريطته المكانية والزمنية. صورها نظير متخيل للمدينة المكسيكية وعصابات المخدرات وحروبها الدموية، حيث وقعت أحداث رواية بولانيو التي تسرد جرائم قتل نساء لم يأبه أحد لقتلهن، نسيتهن العدالة وأهملتهن بينما عبارات مثل “الإغاثة الإنسانية” و”حقوق الإنسان” تتردد على الألسن.

     

إنها “مرآة إحباطاتنا وتأويلنا الخاطئ لحريتنا ورغباتنا ولعنتنا”، كتب بولانيو. جرائم فظيعة تجعل المدينة جهنم الأرض. ذلك هو سر الشر الذي يلازم العولمة مثل ظلها، «واحة فظاعة في صحراء ضجر» – يستشهد بولانيو بشعر بودلير. “لقد أقام الموت عرشه في مدينة غريبة مرمية وحدها” تستشهد تابت بإدغار ألان بو.

“Underbelly” عمل فني مرجعيته الطب، يتناول العلاقة بين الفرد والفضاء العام، وما تعلق بالجندر والجنس والهوية. نظرة نسوية ضد العنف وتخريب أدوار الجنسين.

وعبر اختيارها لتصوير النساء “ضحايا جرائم القتل” بالتحديد، أرادت تابت توجيه نظرة أنثوية على طريقة تمثيل الأفعال العنيفة تجاه أجساد النساء، والتي تكون ذات طابع جنسي بشكل مفرط. ويؤدي ذلك إلى هدم الخطاب السائد والأدوار الاجتماعية المحددة لكل جنس، وفقاً للفنانة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى