سياسة

“ذا دايلي بيست”: هل تسمح السعودية بهزيمة داعش؟

“ذا دايلي بيست”: هل تسمح السعودية بهزيمة داعش؟

لو لم تستطع واشنطن إبقاء حلفائها –خصوصاً السعودية- تحت السيطرة، فإن جهود إنهاء الحرب سوف تتبخر

ذا دايلي بيست – أليكسندر ديسينا – ترجمة: محمد الصباغ

عقدت المملكة السعودية في يومي التاسع والعاشر من ديسمبر مؤتمرا لتوحيد المتمردين السوريين في جبهة متماسكة –إرجاء للفوضى السورية وتفتت المعارضة. في 15 ديسمبر أعلنت السعودية عن تحالف إسلامي عسكري مكون من 34 دولة من أجل ”التنسيق ودعم العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية“. تلك التطورات –توحيد المتمردين السوريين وقيادة العالم الإسلامي للقتال ضد الإرهاب- بالتحديد كان المقصود بها إعادة التأكيد على دور السعودية كحليف موثوق به للولايات المتحدة في سوريا والشرق الأوسط.

لسوء الحظ، كلا المبادرتان انتهيتا بالفشل قبل أن تنفذا. لم يستبعد السعوديون فقط الأكراد –أكثر قوة مؤثرة على الأرض في قتال داعش- من مؤتمر المعارضة السورية، بل أيضاً دعوا إلى الحوار عناصر متطرفة كأحرار الشام، حليف القاعدة، وجبهة النصرة. وطالب المؤتمر الرئيس السوري بشار الأسد بالتنحي في بداية أي عملية انتقالية، وظهرت حالة من الارتباك حول أحرار الشام عند توقيع الإعلان واتضح من انسحابهم عدم جدية المؤتمر.

ما هو التحالف العسكري الإسلامي؟ بعد يوم واحد من الإعلان، نفى وزراء خارجية لبنان وباكستان ووزير دفاع ماليزيا اشتراك دولهم في التحالف الذي تقوده السعودية. وأوضحت حكومتا لبنان وباكستان أنهما لم يتم التشاور معهما في هذا الأمر.

تحاول السعودية جذب الانتباه بعيداً عن أهدافها الحقيقية وشركائها قطر وتركيا ودعمهم للجماعات السلفية في سوريا من أجل المساهمة في استمرار عدم الاستقرار في الدولة.

دعمت وسلحت دول السعودية وقطر وتركيا العناصر الأكثر تشددا في المعارضة  والمنخرطة في حرب بالوكالة ضد سوريا وإيران الداعمتين للأسد. تلك الدول دعمت “جيش الفتح” منذ مايو هذا العام، ويتألف من جماعة “أحرار الشام” و مجموعات سلفية أخرى. يشمل أيضاً هذا الجيش “جبهة النصرة” –حليف القاعدة. وكان تقدم هذا الجيش في شمال سوريا هو ما تسبب في التدخل الروسي والتصعيد الإيراني لحماية نظام الأسد.

فيما قام البعض كأحرار الشام بجهود كبيرة من أجل إظهار أنفسهم كمعارضة معتدلة، لكن تلك المجموعات تعمل وفق أيدولوجيات متطرفة وارتكبت فظائع تجعل أي عقلية في سوريا تفقد الثقة فيهم. والأكثر من ذلك، استمروا في زيادة رقعة الأراضي السورية التى لا تخضع لأي حكومة، مشكلين حصناً لهم يمكن من خلاله تسليح وتدريب أنفسهم والقيام بهجمات داخل وخارج سوريا. تخشى روسيا ومعها إيران هذا الأمر، ويجب أن يفعل كذلك كل من الولايات المتحدة والغرب والدول الأخرى في الشرق الأوسط.

بعيداً عن تشرذم المعارضة، من المحتمل أن تدرك السعودية وقطر أن دعم تلك المجموعات السلفية لن يأتي بحكومة قوية مستقرة متماشية مع مصالحهما. أهدافهما أقرب إلى خلق دولة تستطيع الاستمرار. بدلاً من ذلك، أصبح تدخلهما في سوريا جزء من الصراع مع إيران. الهدف الواضح تماماً حالياً هو ببساطة خلق عدم استقرار بقدر المستطاع في الدولة التي لم تعد شيئاً ثميناً لطهران، بل بدلاً من ذلك، عائقاً. وقد نجحت السعودية وقطر في تحقيق هذا الهدف.

على الجانب الآخر، لدى تركيا مصلحة مختلفة في إطالة أمد الحرب الأهلية السورية. بدلاً من التهديد من إيران، فإن تركيا قلقة من خلق منطقة حكم ذاتي للأكراد في سوريا –مثل الحكومة في كردستان العراق والتي اعتادت تركيا على وجودها على مضض.

فيما يبدو أن سوريا موحدة  هو حل متاح أمام معظم السكان في الوسط والغرب والجنوب، بينما أصبح صعبا الاعتقاد بأن منطقة الأكراد في الشمال الشرقي لن تنفصل وتقع تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. وسط طبول الحرب، عقدت القوات الكردية اتفاقات وترتيبات مع كل من الأسد وأجزاء من المعارضة، بالفعل بدأوا في تشكيل حكم ذاتي لأنفسهم.

تخشى تركيا من تلك الدولة الظاهرية المحتملة (كردستان السورية) ومن أن تكون قاعدة لعمليات لحزب العمال الكردستاني في تركيا، والذي تستمر أنقرة في الصدام معه. ستذهب تركيا بعيداً من أجل تجنب حدوث ذلك، حتى لو شمل ذلك دعم المعارضة السلفية التي تسيطر على الشمال الغربي من سوريا وتغمض أعينها عن تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يسيطر على الحدود السورية التركية.

بالرغم من أن أهدافهم مختلفة إلا أن السياسات الخليجية والتركية لديها شئ مشترك –حتى لو حققوا أهدافهم النهائية، فإيقاف القتال ليس جزءاً من رؤيتهم في سوريا. ومع استمرار الصراع الخليجي مع إيران ومحاولة تركيا إنهاء أي منطقة حكم مستقل كردية- مع عدم وجود استراتيجية على المدى الطويل- لن يكون من المحتمل إنهاء الصراع السوري.

أين الولايات المتحدة؟ وماذا تفعل؟

مع محاولة الولايات المتحدة البدء في جولة ثالثة من المحادثات السورية لإنهاء الحرب، يتبقى مصير الأسد وموقف الجماعات المعارضة السلفية نقاط للجدل والاختلاف. وعلى الرغم من محاولة كيري تجنب أزمة الأسد في الوقت الحالي، إلا أن الديكتاتور السوري يبدو أنه في حاجة لمغادرة السلطة –وربما البلاد- من أجل أن ترى سوريا الوحدة مرة أخرى. لكن يبدو أيضاً أن روسيا وإيران لن يتخلوا عن الأسد في مقابل الدعم الخارجي الشديد للجماعات السلفية المعارضة. توقع قيامهم بذلك في الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة بغض البصر عما يفعله حلفائها هو سذاجة.

خلال محاولة الولايات المتحدة لدعم مجموعة مختارة من المتمردين السوريين، حاولت واشنطن كثيراً تجنب تسليح أو تدريب الجماعات السلفية المتشددة. يجب أن تطلب واشنطن علناً من حلفائها –قطر والسعودية وتركيا- أن يتوقفوا عن تسليح تلك الجماعات المتطرفة. ربما يحث كيري ومسؤولون أمريكيون بهدوء أنقرة والشركاء الخليجيين على الحد من مساعداتهم للمعارضة “المعتدلة” كما تراها الولايات المتحدة، وبالرغم من ذلك، لو رفضت تلك الدول التعاون، يجب على واشنطن على الأقل أن تجعل مطالبتها بصوت أعلى.

ببساطة لن تقنع المطالبات السعودية وقطر وتركيا بالتخلي عن أهدافها باستنزاف إيران ومنع قيام كردستان سوريا، لذلك يجب أن تستعد الولايات المتحدة للذهاب أبعد من ذلك بالضغط على حلفائها إذا لزم الأمر. عندما تستمر تلك الدول في التصرف ضد مصالح الولايات المتحدة على المدى الطويل –وهو استقرار سوريا- يجب أن تقيد الولايات المتحدة مبيعات الأسلحة الجديدة بدلاً من تسهيلها، وأيضاً تشدد على فرص الاستثمار. هذا بالطبع سيسبب بعض التعقيدات، فالولايات المتحدة تستخدم قاعدة أنجرليك التركية منذ يونيو، وتعاونت مع كل من السعودية وتركيا لتسليح وتدريب معارضي تنظيم الدولة الإسلامية. لكن لو بقيت واشنطن هادئة مع سلوكيات تلك الدول سيكون ذلك تشجيعاً على الاستمرار وخلق عدم استقرار يستمر لفترة أطول.

التحالفان الكبيران –روسيا وإيران ضد السعودية وقطر وتركيا- يخوضان لعبة عض الأصابع في سوريا، والنتيجة الإيجابية الوحيدة ستأتي لو غيروا المسارات.

بالرغم من أن الأسد لا يستطيع الرحيل في المستقبل القريب، لو قامت روسيا وإيران بدعمه بلا حدود دون أن تشهد سوريا الإصلاحات التي تحتاج إليها، فلن تصبح الدولة موحدة مرة اخرى. لو استمرت دول الخليج ومعها تركيا في دعم المجموعات المسلحة السلفية، لن تفشل الوحدة فقط، لكن الافتقار إلى حكومة في مناطق كبيرة من البلاد سوف يصبح تهديدا كبيرا للسوريين ولبقية العالم. ولو استمر الطرفان على مواقفهما فإن سوريا ستستمر في السقوط. أما لو تم اقناعهما –أو الضغط عليهما إذا لزم الأمر- من أجل إيقاف الدعم لمن يطيلون أمد الحرب، ربما نصل إلى شكل من أشكال الوحدة. ستكون وحدة متوترة لكن بالتأكيد ستكون خطوة في الاتجاه الصحيح.

لو أرادت الولايات المتحدة التوسط بشكل مؤثر بين الطرفين، يجب أن تجد نهجاً أكثر توازناً. لو لم تستطع الحفاظ على حلفائها –خصوصاً السعودية- تحت السيطرة، فأي جهود لإنهاء الحرب سوف تتبخر من بدايتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى