ثقافة و فنسياسة

بيان من بلال فضل: المنتقمون منعوا “أهل اسكندرية” مرة أخرى

زحمة- بلال فضل: للسنة الثانية منعوا مسلسلي “أهل اسكندرية” لمجرد الانتقام

لقطة من المسلسل

أصدر  الكاتب والسيناريست بلال فضل بيانا يعلن فيه عن منع مسلسله “أهل إسكندرية” من العرض في التلفزيون للعام الثاني على التوالي، وقال بلال في البيان أن المسلسل تم منعه “لمجرد الانتقام من أشخاص ساهموا في صناعة العمل لأنهم” ارتكبوا جريمة بشعة هي معارضة نظام السيسي”.

وإلى نص البيان:

بيان بخصوص مسلسل أهل اسكندرية أو بمعنى أصح تسجيل موقف لمن يهمه الأمر:
للسنة الثانية على التوالي، يتم منع مسلسل (أهل اسكندرية) من العرض، ويتم إهدار المال العام الذي أنتج به المسلسل، لمجرد الإنتقام من أشخاص ساهموا في صناعة العمل لأنهم ارتكبوا جريمة بشعة هي معارضة نظام السيسي، اللي أثبت إن إنجازه الوحيد اللي بيأديه بكفاءة هو الأذى.
من سنة فاتت، وفي 24 يونيو 2014 كتبت في هذه الصفحة بيان بيقول إنه تم بشكل نهائي منع مسلسل (أهل اسكندرية) من العرض على قناتي الحياة والمحور، بفعل ضغوط أمنية اعتبرت إن المسلسل بيشوه صورة جهاز الشرطة، وتم سحب الإعلانات اللي كانت القناتين نزلتها في الشوارع للمسلسلين، ووقتها ناس كتير من اللي بيدّعوا طيلة الوقت الدفاع عن حرية الرأي والتعبير، وبعضهم للأسف أساتذة كبار من المثقفين والفنانين، طنشوا خبر المنع ولا كإنه حصل، بل وتطوع بعضهم للأسف لإنه ينفي حصول المنع، ويروج أخبار كاذبة من نوعية إننا بنعمل دعاية للمسلسل، وإنه أكيد هيتعرض بعد شهر رمضان وهيبقى ساعتها يحقق نسبة مشاهدة، يعني المفروض نفرح بإنه اتمنع من رمضان بعد ما كان هيتعرض.
رئيس الوزراء إبراهيم محلب في حواره مع وائل الإبراشي في برنامج (العاشرة مساء) لما اتسأل عن أزمة منع المسلسل في حوار ليه أذيع خلال شهر رمضان، قال كلام وصفه الإبراشي في مقدمة البرنامج بـ “الكلام الخطير الذي سيثير جدل شديد”، لإنه قال بالنص” هي الحكومة لم تتدخل لمنع المسلسل.. لكن الحقيقة في الفترة اللي فاتت بدأت الشرطة ترجع لدورها وبدأ الناس يهتفوا الجيش والشرطة والشعب إيد واحدة والشرطة تعرضت للظلم بعد ثورة يناير وبدأت ترجع، فاحنا شفنا إن التوقيت غير مناسب لإنك تعرض عمل زي ده يفتح الجراح وليه ده يحصل في رمضان.. إحنا ما اتدخلناش للمنع لكن شفنا إن التوقيت مش مناسب”، وطبعا عبارة زي “ما اتدخلناش للمنع لكن شفنا التوقيت غير مناسب” عبارة عبقرية ما تطلعش غير من ابراهيم محلب، وترجمتها المباشرة “منعناه بس مش أوي”.
طبعا لما بدأ شهر رمضان الماضي واتعرضت مسلسلات كتيرة فيها انتقاد شرس للشرطة، أدرك الكل إن منع المسلسل ليس له علاقة بالشرطة، لإنه أصلا بتدور أحداثه قبل يناير 2011، وإن الحكاية تصفية حسابات مع شخصي ومع عمرو واكد وبسمة، وده اللي أكده هجوم شرس من قنوات طالقها النظام على كل اللي يعارضه، لدرجة إن أحد أوساخ الإعلام اعتبر مشاهدة المسلسل خيانة وطنية، ولو حضرتك دخلت على يوتيوب هتلاقي كلام من هذا النوع موجود.
خلال السنة اللي فاتت، حاولت أنا والأستاذ خيري بشارة وبعض الزملاء، السعي لحل أزمة المسلسل وعرضه في قنوات فضائية، ولم نلق أي تجاوب من مدينة الإنتاج الإعلامي، في نفس الوقت اللي كان البعض بيقول إن المسلسل ماحدش عايز يشتريه، مع إن كل المسلسلات اللي تخطر على بالك بتتباع ولا يوجد مشكلة في تسويقها أبدا أيا كان مستواها الفني، وحضرتك بتتفرج وعارف، حتى وإن تأخرت عوائد بيع المسلسلات أحيانا بيتم بيعها باتفاقات مادية للتحصيل في وقت لاحق، ولما قمنا أنا وأحد الزملاء بتوسيط شركة تعمل في التسويق لكي تعرض شراء المسلسل لتسويقه قيل لمديرها صراحة “الموضوع أكبر مننا والمسلسل في أوامر إنه يفضل في العلب”، ولإني ما سمعتش ده بشكل مباشر قلت جايز يكون في سوء فهم ولا حاجة، لإن مش معقول يبقوا الناس دي مستغين عن فلوسهم، إلى أن قام التلفزيون العربي اللي باقدم فيه برنامج (عصير الكتب) بتقديم عرض رسمي إلى مدينة الإنتاج بإنه يشتري المسلسل حصريا، فكان الرد بالرفض، وطلع بعدها مسئولين بالمدينة في الصحف يقولوا إن “تنظيم الإخوان الإرهابي حاول يشتري المسلسل بمليون دولار لكن المدينة رفضت بكل إباء”، ومش فاهم ما إذا كان اللي بيقول التصريح ده بيعمل كده عشان يثبت ولاءه ويترقى مثلا، أو عشان يثبت حسن نيته وياخد إذن بعرض المسلسل في قنوات أخرى بدل ماهو قاعد له في العلب.
من أيام بدأ التلفزيون العربي يعلن عن المسلسلات اللي هيعرضها في رمضان، واللي منها مسلسلات الكبير أوي وتحت السيطرة ووجوه وأماكن وحارة اليهود والصعلوك والراوي، وهو ما يطرح سؤال: إذا كانت الدولة لم تمنع بيع هذه المسلسلات اللي أنتجتها شركات إنتاج كبيرة لتلفزيون يعتبر مسئولو المدينة إنه تابع للإخوان، وأعتقد إن مشاهدته تنفي هذا الإتهام لأي عاقل، لكن السؤال الأهم هو: إذا ما كانش في حظر تعامل رسمي من الدولة مع تلفزيون هيعرض الفن المصري للمشاهد العربي، فإيه الحكمة من مواصلة إهدار المال العام ورفض بيع المسلسل لقناة اعترف مسئولي المدينة بأنفسهم إنها طلبت عرضه، مع إنهم قبل كده كان ليهم تصريحات إن ما حدش عايز يشتريه، وإذا كنتو مش عايزين تبيعوه لقناة زي دي، لماذا تم عرقلة بيعه للحياة والمحور اللي نزلوا له إعلانات، بلاش لماذا لم يتم عرضه في تلفزيون الدولة، على الأقل لإثبات إن مصر تنعم بأزهى عصور الحريات، وإذا كانت عليهم ضغوط ومش عاوزين يعلنوها، خوفا على مناصبهم، فهل هيقولوا ده برضه للرقابة الإدارية اللي نشرت الصحف إنها بتحقق في إهدار مال عام في مدينة الإنتاج، وهل هيخفوا مثلا كل الأوراق التي تثبت الأكاذيب اللي بتتقال إن المسلسل مش واخد موافقة رقابة قبل تصويره، وبالتالي تلبسهم التهمة أكتر، ولا هيتم استمرار الطناش لغاية ما المسئول اللي أمر بالمنع يؤمن بالعرض.
ما عنديش طموحات كبيرة في اللجوء للقضاء الآن، خاصة وإحنا بنشوف مهازل قضائية لم يشهدها القضاء المصري في تاريخه، اللي للأسف أصبح أمثال ناجي شحاتة هما الوجه الممثل ليه، ولست مغفلا لكي أتوقع ممن يتلاعبون بأرواح الناس وأعمارهم، أن ينصفوني أنا والمسلسل، لكن أضعف الإيمان في اللجوء للقضاء، هو تسجيل موقف وإثبات الحقوق التي أهدرت، وسط صمت وتواطؤ مخجلين، ممن يدعون حرصهم على حرية الرأي والتعبير، مع خالص الشكر طبعا للأصوات القليلة التي تضامنت مع المسلسل قبل سنة.
بالطبع يحزنني الظلم الذي تعرضت له بعد منع المسلسل، وعدم حصولي على مستحقاتي المالية، وتوقف المشاريع الفنية التي كنت أعمل بها، وهو أمر أتفهمه لأنه لن يعمل معي أحد، وهو يرى مسلسلي الذي أنتجته مدينة الإنتاج ممنوعا من العرض، فكيف يكون الحال مع مسلسلات قطاع خاص، لكن عندما أقارن هذا الظلم، بمن تعرضوا للقتل الجماعي، أو من يتعرضون لأحكام قضائية جائرة ترميهم في السجون عشرات السنين، أو من يتعرضون للإختفاء القسري والإختطاف من قبل أجهزة أمنية تحولت إلى عصابات، أخجل من أن أعتبر نفسي مظلوما إلى جوار هؤلاء، وأحمد الله على أنه كتب لي القدرة على أن أجد لنفسي مجال عمل آخر، وأفتخر بأنني دفعت ثمن مواقفي في رفض سفك دماء المصريين، منذ مذبحة المنصة، وقبل حتى وقوع مذبحة رابعة، ومقالاتي في الشروق في تلك الفترة هي مقالات أفتخر بها وأتمنى أن تكون في ميزان حسناتي القليلة، وإذا كانت هي كما قال لي البعض سببا في منع المسلسل، فهذا شيئ أتشرف به، مع إني كنت أتمنى ألا يكون ذلك عبئا على فريق العمل، وعلى رأسهم الأستاذ الكبير والصديق خيري بشارة الذي سعدت بتجربة العمل معه، ولكل الفنانين الكبار الذين عملت معهم وعلى رأسهم الفنان الجميل هشام سليم، والفنانة العظيمة محسنة توفيق التي كان عملي معها حلما كنت أتمنى أن يرى النور، ومع ذلك ما أعتقدش إني لو كنت أعرف إن ده هيبقى مصير عملي، كنت هاوافق على التطبيل للحاكم أو السكوت على جرائمه اللي وقت ما كنت باكتب عنها وسط صمت مخجل في الصحافة، كان ناس كتير بتنكرها، لكن دلوقتي بقى إنكارها مش ممكن، فبقوا بيبرروها ويتكلموا عن ضرورتها وحتميتها عشان مصلحة البلد، وبهذه المناسبة حين قيل لي أن هذا القرار شد ودن ليا على ما كنت أكتبه في الشروق، عرضت أن يتم حذف إسمي من على العمل بس يعرضوا العمل، وطلبت من الأستاذ خيري بشارة تبني هذا الطلب رسميا، ورفض مشكورا إنه يتعامل مع كلامي على إنه عرض جاد، لكن أنا باعتبره عرض جاد، ولو عايزين يواصلوا منع مستحقاتي، بس يعرضوا المسلسل، برضه ما عنديش مشكلة، لإن حقي مش هيضيع في نهاية المطاف، أو هكذا أظن
ختاما، لا أدري ماهو مصير المسلسل، وإلى متى سيستمر عدم عرضه، وهل سيجد عاقلا رشيدا يغضبه إهدار المال العام، فيصدر قرارا بالتراجع عن منع المسلسل، ولا ماذا سيكون رأي الناس فيه، حين يشاهدونه ويدركون أن منعه لم يكن له علاقة بكل ما قيل عنه أصلا، وكل ما أملكه هو تسجيل الموقف، وشكر القلائل الذين تضامنوا مع المسلسل، وتفهّم موقف الذين اختاروا التبرير أو الطناش، لأن أكل العيش مر والحياة صعبة، وأنا آخر من يزايد على شخص يخاف من أن يحاصر في رزقه، فأنا أعلم خطورة ذلك وأثره البشع على الإنسان، خصوصا في ظل دولة فاشلة في كل شيئ إلا الأذى.
إلى الله أشكو، وكل سنة وإنتو طيبين.
بلال فضل
كاتب مسلسل (أهل اسكندرية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى