إعلام

كيف تتجنب خطاب الكراهية؟

إرشادات للصحفيين من شبكة الصحافة الأخلاقية لتجنب خطاب التحريض والكراهية.

newsweek

شبكة الصحافة الأخلاقية

ترجمة – محمود مصطفى

غرف الأخبار المعاصرة أماكن ملآى بالتحديات، ففي عالم الميديا التنافسي تحلّق المعلومات بسرعة رهيبة،  وهناك وقت ضئيل جداً للتثبت من الحقائق والصور أو لتأكيد المعلومات، ولم    تعد توجد تقريبا مساحة للمناقشات المتأنية حول أخلاقيات الصحافة.

ولكن حتى مع ندرة الوقت، يجب أن يتوقف الصحفيون والمحررون للحظة ليقيّموا  الأثر المحتمل للمحتوى العدواني والمحرض. مخاطر خطاب الكراهية في الصحافة معروفة وفي كثير من أنحاء العالم كان له تبعات مأساوية.

في أفريقيا، على سبيل المثال، بعض الصحفيين أصبحوا جنود مشاة للأجندات والنزاعات ولعب الكثيرون منهم أدواراً بائسة في النزاعات الإقليمية، وفي بعض الحالات القصوى، في رواندا وكينيا على سبيل المثال، ساهموا في أعمال عنف لا يوصف بين جماعات مختلفة.

كلما استغل الإعلام سياسيون وآخرون للدفاع عن البلاد والثقافة والدين والعرق فهناك احتمال لإحداث أذى، حتى أفضل الصحفيين يمكنه في بعض الأحيان عن غير قصد أن يحدث أضراراً عندما يكتب قصصاً خارج  السياق.

سقوط المبادئ في غرف الأخبار وعدم استيعاب الأثر المحتمل للكلمات والصور يمكنه أن يؤدي إلى صحافة تشجع على الكراهية والعنف.

وفيما يفهم معظم الصحفيين أن عليهم واجب أن ينقلوا الحقيقة وأن يكتبوا عما يقال ومن يقوله، إلا أنهم غالباً مايفشلوا في إحداث التوازن بين هذه المسئولية وبين مبدأ رئيسي آخر متعارف عليه في الصحافة وهو “الحد من الضرر”.

لكن كيف يقدر الصحفيون ما هو مقبول وما لا يمكن التسامح فيه؟ كيف يمكنهم إدراج طريقة لتقييم المخاطر خلال روتين عملهم اليومي؟

مهمة تقييم ما يشكل خطاب كراهية أمر صعب فليس هناك تعريف دولي متفق عليه ومستويات التسامح مع الخطاب تختلف بشكل كبير من دولة لأخرى.

ولإيجاد طريق وسط حقل الألغام على الصحفيين أن يأخذوا في الاعتبار السياق الأوسع الذي يعبر فيه الأشخاص عن أنفسهم. ويجب عليهم أن يركزوا ليس فقط على ما قيل ولكن كذلك على القصد. الأمر ليس فقط قوانين أو سلوكيات مقبولة إجتماعياً إنما هو سؤال عما إذا كان الخطاب يهدف لإيذاء آخرين خاصة في الأوقات التي يكون فيها العنف وشيكاً.

النقاط الخمس التالية لتقييم الخطاب من أجل صحافة في السياق أعدها مستشارو  شبكة الصحافة الأخلاقية وهي مستندة إلى المعايير العالمية. تركز النقاط الخمس على بعض الأسئلة التي يجب أن تُسئل خلال جمع وإعداد ونشر الأخبار والمعلومات، وستساعد هذه الأسئلة الصحفيين والمحريين على وضع المحتوى في سياق أخلاقي.

1- وضع المتحدث .. (الكلام الصاخب ليس خبرا )

يُتهم الصحفيون غالباً باستخدام خطاب الكراهية، وبالطبع ينغمس بعض المحللين بإرادتهم في حديث تحريضي ومسيء عندما يرغبون في ذلك، لكن في أغلب الحالات يكون خطأ الصحفيين والإعلام هو فقط نقل التصريحات البذيئة للآخرين.

على وجه التخصيص، يُحاصر الصحفيون عادة من قبل المتحكمين في الإعلام والسياسيين المجردين من المبادئ وقادة المجتمع، ويثير هؤلاء المتلاعبون المهرة بالإعلام النزاعات والخلافات لدعم أحكامهم المسبقة وآرائهم المتعصبة ويعتمدون على الإعلام للتغطية على مزاعمهم وآرائهم الحساسة مهما كانت محرضة.

يجب أن يفهم الصحفيون والمحررون أن مجرد قول أحدهم شيئًا صاخبًا لا يصنع خبراً، وعلى الصحفيين أن يتحروا سياق ما يقال ووضع من يقوله وسمعته. فالساسة مثيرو المشاكل والبارعون في التلاعب بالجمهور يجب أن لا يحظوا بتغطية إعلامية فقط لأنهم يخلقون مناخاً سلبياً أو لأنهم يدلون بتعليقات لا أساس لها من الصحة ومثيرة للجدل.

عندما ينخرط من ليسوا شخصيات عامة في خطاب الكراهية قد يكون من الحكمة تجاهلهم كلية، ومثال جيد على ذلك هو تيري جونز القس الذي أحرق نسخاً من القرآن في فلوريدا والذي كان شخصاً مجهولاً ذا تأثير هامشي حتى في موطنه الريفي المعزول لكنه أصبح بين عشية وضحاها حديث الإعلام حول العالم ظاهرة إعلامية عالمية. وبعد وزن الأمور قد يقول معظم الصحفيون الأخلاقيون إنه لم يكن يجب ان يحصل على جماهيرية بسبب تهديداته الإستفزازية.

وحتى عند التعامل مع الشخصيات العامة، على الإعلام أن لا يضع اهتماماً لا مبرر له على السياسيين والأشخاص الآخرين ذوي التأثير الذين يهدفون فقط لخلق مناخ سلبي حول أشخاص يجب ان تحترم حقوقهم، وخاصة المنتمين لجماعات مهمشة وعرضة للهجوم. وغالباً ما يُعترف بهذه الحقوق تحت ضمانات دستورية محلياً وحول العالم.

وعلى وجه الخصوص، يجب أن يدقق الصحفيون في المتحدثين ويحللون كلماتهم ويفحصون ما يقولونه كحقائق ومزاعم، ويقيمون بحرص المقاصد والآثار المترتبة على مداخلاتهم. ليست وظيفة الصحفي تبني الرأي المضاد ولكن  الحقائق والمزاعم يجب أن تدقق أياً من كان المتحدث.

حرية التعبير حق للجميع ويتضمن ذلك السياسيين والشخصيات العامة ووظيفة الصحفي هي التأكد من أن كل شخص يحظى بهذا الحق، لكن هذا لا يعني منح رخصة للكذب أو نشر النميمة أو التشجيع على العدوانية والعنف ضد أي جماعة بعينها.

عندما يتحدث الناس في موضع غير مناسب على الصحافة الجيدة أن تكون حاضرة لتضع الأمور في نصابها للكل.

2- انتشار الخطاب ( العلنية قد تصنع الإساءة)

يمكن لمحادثة خاصة في مكان عام أن تحتوي على آراء لا يصح ذكرها لكنها بشكل نسبي ستكون غير مؤذية وبالتالي لن تخرق بالضرورة معيار خطاب الكراهية،  لكن هذا يتغير إذا نُشر الخطاب عبر وسائل الإعلام السائدة أو عبر الإنترنت.

على الصحفيين أيضاً أن يأخذوا في الاعتبار تواتر ومدى التواصل، هل هو اندفاعة لحظية قصيرة متطرفة من الإهانة والكراهية أم أنها تتكرر بشكل متعمد ومستمر؟

الإجابة على السؤال عن قيمة الخبر والقصد منه قد يساعد فيها الأخذ في الاعتبار ما إذا كان هناك إطار سلوكي أم أن  الأمر حادثة مرة واحدة؟. التواتر مؤشر مفيد على وجود استراتيجية مدروسة لتوليد العدائية ضد الآخرين، سواءاً كانت العدائية على أساس عرقي أو عنصري أو ديني أو أي شكل آخر من أشكال التمييز.

3- أهداف الخطاب ..  (السياق السليم )

في المعتاد، يستطيع الصحفيون الأخلاقيون والمحررون حسنو الإطلاع بسرعة معرفة ما إذا كان الخطاب يتعمد الهجوم أو الانتقاص من حقوق الإنسان المكفولة للأفراد والجماعات. يجب عليهم كذلك أن يعرفوا ما إذا كان بث هذا الخطاب يعاقب عليه القانون جنائياً أو بأي نوع آخر من العقوبات. من الضروري في بعض الأحيان أن يخرق الصحفيون القواعد، لكن يجب أن يكونوا واعين في كل الأوقات للمخاطر عندما يقررون النشر.

كجزء من عملية الكتابة، على الصحفيين والمحررين مسئولية خاصة لوضع الخطاب في سياقه السليم لكشف ونقل أهداف المتحدث. ليس قصدنا أن نفضح عمداً أو ننتقص من الأشخاص الذين لا نتفق معهم لكن الكتابة الأخلاقية الحريصة تساعد الناس دوماً على فهم أفضل لسياق الخطاب.

الأسئلة الأهم التي يجب طرحها هي: ما هي المنافع التي تعود على المتحدث والمصالح التي يمثلها/تمثلها؟ من هم ضحايا هذا الخطاب؟ وما هو تأثيره عليهم كأفراد وفي مجتمعاتهم؟

4- محتوى وشكل الخطاب .. (كلام القهاوي؟)

يجب على الصحفيين أن يقيموا ما إذا كان الخطاب تحريضياً ومباشراً، وفي أي شكل جاء الخطاب، والأسلوب الذي تم إيصال ىالخطاب به.

هناك اختلاف هائل بين الصياح في مقهى أو حانة وبين الحديث في مجموعة صغيرة وبين خطاب في مكان عام أمام مستمعين سريعي الإنفعال.

لدى الكثير من الناس أفكار وآراء عدوانية وهذه ليست جريمة وليست جريمة جعل هذه الآراء علنية ( يفعل الناس هذا بشكل اعتيادي على الإنترنت وفي شبكات التواصل الإجتماعي) لكن الكلمات والصور التي يستخدمونها قد تكون مدمرة إذا حرضت الآخرين على العنف.

يسأل الصحفيون أنفسهم: هل هذا الخطاب أو التعبير خطر؟ هل يمكن أن يؤدي إلى ملاحقة قضائية وفقاً للقانون؟ هل سيحرض على العنف أو يعزز من حدة الكراهية تجاه آخرين؟ قد يكون ذا قيمة خبرية أن يتخدم أحدهم خطاباً قد يوقعه في مشاكل مع الشرطة، لكن على الصحفيين أن يكونوا على حذر  من أن يجدوا نفسهم يواجهون الملاحقة القضائية لنقلهم ذلك.

5- المناخ الاقتصادي والاجتماعي والسياسي .. ( لا تسخّن)

الخطاب الخطر أو المثير للجدل يبرز على وجه الخصوص في الأوقات الصعبة، حين تكون التوترات الاجتماعية حادة والسياسيون في حرب مع بعضهم البعض.

يجب أن يأخذ الصحفيون في الحسبان الأجواء العامة  في وقت الخطاب، فسخونة الحملات الانتخابية عندما تتحدى الجماعات السياسية بعضها البعض وتتصارع من أجل جذب انتباه الرأي العام تمثل خلفية للتعليقات المهيجة وعلى الصحفيين أن يقيموا ما إذا كان التعبير عن الرأي منصفاً ومعتمداً على حقائق ومسئولاً في وسط الظروف المحيطة.

عندما نجد لدينا شكوكاً حول نقل تصريحات تحمل خطاب كراهية قد يكون من المفيد كتابة أن “تعليقات مهينة قيلت” من دون تكرار نفس الألفاظ.

قبل كل شيء على الصحفيين أن يكونوا حذرين، يجب عليهم أن يدركوا السياق ويتضمن ذلك ما إذا كان هناك أنماط من التمييز ضد مجموعات عرقية أو غيرها ويتضمن ذلك السكان الأصليين والأقليات، وهي ليست جماعات يحق لها امتياز الاهتمام الإعلامي، لأن على الصحفيين احترام حقوق الجميع  ولكن تلك الجماعات تكون في الأغلب ضحايا استهداف ما.

يمكن لنقاش أكاديمي حول الهجرة   في سياق مناقشة بحث ونتائجه المثيرة للجدل أن يكون غير ضار أو حيادي بشكل نسبي ، ولكن نفس النقاش قد يصبح أكثر خطورة إذا جاء في سياق ظروف محلية خاصة حيث الناس مترددون وقلقون بشأن أمنهم ومستقبلهم.

من المهم للصحفيين أن يسألوا أنفسهم الآتي: ما هو وقع هذا على المتأثرين مباشرة بالخطاب؟ هل يستطيعون استيعاب الخطاب في ظروف أمن نسبي؟ هل هذا التعبير عن الرأي مصمم لـ أو مقصود به جعل الأمور أسوأ أو أفضل؟ من سيتأثر سلبياً بهذا الخطاب؟

نقاط يجب مراعاتها:

1- عند التعامل مع مواضيع يستخدم فيها خطاب كراهية سياسي من المهم تجنب الإثارة، ويسأل الصحفيون الأخلاقيون:

قد يكون الأمر متجاوزاً للحدود، لكن هل له قيمة خبرية؟ ما هو قصد المتحدث؟

ماذا سيكون أثر النشر؟

هل هناك خطر إلهاب المشاعر والتحريض على العنف؟

هل يستند الخطاب إلى حقائق وهل تم  التأكد من الإدعاءات؟

2- أثناء جمع وتحرير المادة المثيرة للجدل يجب على الصحفيين أن يتجنبوا الاندفاع نحو النشر، من المفيد التمهل حتى ولو للحظات قليلة. وللتفكير في محتوى الموضوع:

هل تجنبنا استخدام الصيغ المبتذلة والقوالب؟

هل طرحنا الأسئلة المتعلقة بالموضوع والضرورية؟

هل كنا ذوو حس تجاه قرائنا؟

هل كنا معتدلين في استخدامنا للغة؟

هل تحكي الصور القصة من دون الجوء للعنف أو الإباحية؟

هل استخدمنا مصادر متنوعة وضممنا أصوات الأقليات ذات الصلة؟

هل يتفق الموضوع مع المعايير الموضوعة في المواثيق التحريرية والأخلاقية؟

3- نظرة أخيرة وتمهل للحظة للتفكير،  مفيدان دوماً قبل ضغط زر النشر:

هل قمنا بعمل جيد؟

هل هناك أي شكوك مزعجة؟

وفي النهاية، هل يجب ان أسأل زميلاً؟

http://ethicaljournalismnetwork.org/

 هذه المقالة برعاية  شبكة الصحافة الأخلاقية   ، وهي منظمة إعلامية  غير ربحية تدعو إلى الصحافة الأخلاقية والحكم الرشيد والتنظيم المستقل لوسائل الإعلام. تم إنشاؤها في عام 2011 في إطار حملة مهنية  لتعزيز مهنة الصحافة. يمكن قراءة النسخة الأصلية لهذه المقال بالإنجليزية  على هذا الرابط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى