سياسةمجتمع

“بازفيد”: “إخلاء سوريا” سياسة أسدية”

بازفيد: يهدف نظام الأسد إلى تحويل الأقاليم التى تسيطر عليها المعارضة إلى مناطق لا تصلح للعيش

بازفيد – مايك جيليو – منذر العوض – ترجمة: محمد الصباغ

يقتنع الأب السوري، 53 عاماً، بأن بشار الأسد أراده أن يغادر سوريا. بعد عامين من دفن جثث مذبحة في قرية قريبة من دمشق قامت بها قوات موالية للرئيس السوري، جلس في حديقة باسطنبول بجوار عشرات اللاجئين الآخرين منتظراً سترات الأمان ليبدأ رحلته عبر البحر، إلى أوروبا.

يقول الأب الذي جلست بجواره زوجته مع طفليهما: ”يريدون إخلاء البلاد“، واستمر في وصف قيام القوات الحكومية بقصف قرية “جديدة الفضل” وإعدام السكان في منازلهم، شكأ في أنهم متعاطفين مع المعارضة. ويضيف أن البعض ”ذبح كالدجاج“. بعد أن شار ك في علميات دفن القتلى تسلل مع عائلته إلى تركيا.

لا تعتبر أزمة اللاجئين فقط نتيجة الحرب الأهلية الوحشية، وفقاً للكثير من اللاجئين والمحللين والمسؤولين الغربيين المتتبعين للصراع. ما يحدث هي جزء من جهود مدبرة من جانب الحكومة السورية، التي قتلت الغالبية العظمى من المدنيين خلال الحرب التي تسببت في مقتل أكثر من 200 ألف شخص.

فقد الأسد السيطرة على أكثر من ثلاثة أرباع البلاد، وأصبح استهداف المدنيين في تلك المناطق جزءا من استراتيجيته منذ بداية الحرب الأهلية قبل 4 سنوات. عملت قواته على جعل المناطق التي يسيطر عليها المعارضون غير صالحة للحياة سواء للمدنيين أو للمتمردين على حد سواء، وتضمن له تلك الاستراتيجية خلق أعداد هائلة من اللاجئين. ويقول بيير ديسبارو، منسق الطوارىء بمنظمة أطباء بلا حدود: ”المنطق وراء استراتيجيات الجيش الحكومي هو عدم ترك خيار للسكان: إما أن يعودوا إلينا ويعترفوا بسلطتنا أو الموت“، وأضاف: ”يمكنك أن ترى معدل الوحشية المتصاعد عام بعد آخر في المناطق المحاصرة. لذا، لا يوجد خيار في النهاية أمام السكان في مناطق سيطرة المعارضة إلا مغادرة البلاد“.

بدأ الاهتمام العالمي ينصب نحو تنظيم الدولة الإسلامية منذ تصدرها الصورة في الصيف الماضي، ويدير التنظيم مدناً في العراق وسوريا وذبح صحفيين غربيين. كما أن أزمة تنظيم الدولة تعتبر أولوية بالنسبة للولايات المتحدة، والتي تحارب المسلحين عبر الغارات الجوية. ومع تدفق اللاجئين، أغلبهم من السوريين، إلى أوروبا تسبب ذلك في أزمة إنسانية، فقوات الأسد هي من تغذي هذا الخروج الكبير. ويقول كل من اللاجئين المتجهين إلى أوروبا والمهربين الذي يسهلون لهم الطريق وكذلك المسؤولين الغربيين والمحللين، إن المد البشري سيستمر طالما استمرت الحكومة السورية في قتل المدنيين.

وتحدث أحد المهربين في مقابل عدم ذكر اسمه لأن عمله غير قانوني قائلاً ”تقريبا هو السبب الوحيد (الأسد) لوجود اللاجئين”. وخمّن الرجل المقيم في ضاحية “آق سراي” التركية المزدحمة باللاجئين، أن 90% من السوريين الذين أدخلهم إلى أوروبا خرجوا هربا من الأسد. كان قد نظم الرحلات لكثير من اللاجئين المتجمعين بحديقة اسطنبول. كان بعضهم قد وصل مؤخراً إلى تركيا، التي تستضيف مليوني سوري. وكان البعض الآخر من اللاجئين موجود منذ فترة طويلة وفقدوا الأمل في العودة إلى الوطن. تقف الحافلات بالجوار، وسيتم تعبئتها ليلاً باللاجئين قبل الذهاب إلى مدينة إزمير الساحلية، حيث يستأجر اللاجئون القوارب للوصول إلى اليونان. ويضيف المهرب في الوقت الذي رنت فيه هواتفه الثلاثة بمكالمات عمل ”لن ينتهي الأمر أبداً. سيستمر الناس في محاولة الخروج“.

تدرك إدارة أوباما بأن حرب الأسد تسبب في أزمة اللاجئين. ويقول أحد المسؤولين بالخارجية الأمريكية، رفض ذكر اسمه ”من المنصف أن نقول إن النظام يستخدم الهجمات العشوائية من أجل جعل حياة الناس أصعب في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة“، ويضيف: ”طالما ظل الأسد في السلطة واستمر بنفس الاستراتيجية، سينتج عن ذلك الكثير والكثير من اللاجئين“.

لا يبدو – حتى الان – أن أزمة اللاجئين ستغير سياسة الولايات المتحدة تجاه الأسد، والتي تركزت من البداية على الدعم المعتدل لمجموعات معارضة منتقاة بعناية وتم انتقاد تلك السياسة بلهجة شديدة. ويقول أندرو تابلر، الخبير في الشأن السوري بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: ”الطريقة التي مررت للرأي العام الأمريكي هي أننا لا يجب أن نهتم ولا يعنينا الأمر في شىء“.

آثار الدمار في إدلب

تستمر الهجمات على المدنيين: الهجمات الجوية على المدارس والأسواق حيث تسقط قنابل البراميل الحارقة على المستشفيات والمنازل من طائرات الهليوكوبتر، والهجمات المدفعية، مع وضع المناطق التى تسيطر عليها المعارضة تحت الحصار  لمنع وصول الأدوية، وارتكاب المذابح كالتي وصفها الرجل الجالس بحديقة إسطنبول.

ويؤكد تابلر أن هجمات الأسد ضد المدنيين تلعب دوراً في الحرب الطائفية المتأججة في سوريا والشرق الأوسط. وتهيمن على حكومة الأسد الإقلية العلوية الشيعية. وتلقى الدعم حالياً من الحليف الشيعي المتمثل في إيران، ومن روسيا.

معظم اللاجئين السوريين من الأغلبية السنية، الذين هربوا من المناطق التي خرجت من سيطرة الأسد. ويقول تابلر: ”هذا ما يريده: أن يخرج السنة من تلك المناطق ويحصن دولته، كلما بقي الأسد، كلما قصف مناطق المدنيين، وازدادت أعداد اللاجئين“.

في مقابلة مع الإعلام الروسي ألقى الأسد باللوم على الغرب فيما يتعلق بأزمة اللاجئين، بسبب دعمهم للمعارضة.

وفقاً للأمم المتحدة، يوجد حالياً أكثر من 4 ملايين لاجئ سوري، أغلبهم في الأردن، ولبنان وتركيا. ويقول ديسبرو من منظمة “أطباء بلا حدود”، إن الكثيرين فقدوا الأمل في العودة إلى بلادهم، ويتركون الدول المثقلة بالأعباء التي تستضيفهم بحثاً عن أمل جديد في أوروبا. ويضيف: ”هناك عنف لا ينتهي بالداخل ولا توجد إشارة لأي إتفاقية سلام، لذلك يقولون إنه لا طريق للعودة إلى بلدهم. وهم في تلك المخيمات، أحياناً لثلاث أو أربع سنوات، ومع وجود توترات مع سكان الدول المستضيفة، يرون أنه لا مستقبل لأولادهم“.

في فبراير 2014، تبنى مجلس الأمن بالأمم المتحدة قرارا جديدا لزيادة وسائل المساعدات الإنسانية في سوريا وإيقاف الهجمات العشوائية. زادت الحكومة من حصارها على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، ويؤكد ديسبرو أنه منذ ذلك الوقت أصبحت الهجمات أسوأ على المناطق المحاصرة. وحسب طبيب منظمة أطباء بلا حدود فهناك حوالي مليوني سوري يعيشون تحت حصار في سوريا، وأضاف الطبيب: ”أصبح معدل القصف الذي يواجهونه لا يصدق“.

وفي لقاءات من سوريا، عبر الهاتف، و”فيسبوك” و”سكايب”، وصف السكان هجمات النظام السوري.

في مدينة إدلب، يقول عبدالقادر الحسين، 28 عاماً، أنه كان في زيارة لشقيقته في الأول من سبتمبر وحينها سمع أصوات طائرات هليوكوبتر تحلق في السماء. ثم اهتزت الأرض من تحت قدميه مع دوي انفجار ”كأنه صوت إله الموت“. أسقطت الطائرات براميل متفجرة، وحدثت انفجارات عشوائية. أسرع الحسين إلى الشارع ليجد الدماء والجثث.

ويضيف أن خمسة مدنيين قد قتلوا وأصيب 20 آخرين، وأكد أنه أكثر من ثلثي سكان القرية غادروها بالفعل بسبب هجمات الحكومة المستمرة. وقال: ”يحاول النظام الانتقام من المدن والقرى التي خرجت ضده. القصف يتم تقريباً بشكل يومي“.

ويقول أحد الصحفييين بقناة معارضة مقرها بضاحية دوما بدمشق، 21 عاماً، إنه شهد ثلاثة مذابح خلال الشهر الأخير. الأولى، في 16 أغسطس، وفيها قصفت الحكومة أحد الأسواق، وقتل قرابة 100 شخص، وفقاً لـ”هيومان رايتس ووتش”. وتقول الصحفية يمّة السيد: ”معظمهم من النساء، والأطفال وكبار السن، حاولوا تأمين طعام لعائلاتهم. رأيت أشخاصا يتحولون لأشلاء“، وبعد ستة أيام فقط، هاجمت القوات الحكومية مبنى سكنيا، وبعد يومين، قتلت الغارات الجوية 10 مدنيين في منازلهم.

وفي مدينة درعا الجنوبية، تقول أم شابة إن منزلها تم تدميره هذا الصيف من شدة الهجمات ”اليومية“ الحكومية. ويروي مصور حر من محافظة اللاذقية الساحلية سحبه للجثث من أنقاض السوق في الشهر الماضي. وقال ميلاد شلبي، 26 عاماً، إن آخر تفجيرات شهدها كانت بمدينة حلب الثلاثاء، عندما أطلقت القوات الحكومية صاروخاً على مبنى سكني، وقتلت أربعة أشخاص وجرحت 15 اخرين. وقال: ”إنها سياسة الأرض المحروقة“.

فيما قال مدير مستشفى بمدينة حماه، حسن الأرج، إن آخر هجوم على قريته كان يوم الأربعاء، عندما دمرت أربعة براميل متفجرة ثلاثة منازل. وأضاف: ”هدف النظام هو التهجير. والناس ينتظرون الموت“.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى