سياسة

إندبندنت: كيف ساعدت “داعش” دونالد ترامب على التقدم في الاستطلاعات؟

الإندبندنت: يذكرنا ما يحدث بما فعلته أمريكا برفض اليهود الهاربين من النازية لشكوك حول أنهم شيوعيون

الإندبندنت – روبرت كورنويل – ترجمة: محمد الصباغ

إليكم فكرتين مرتبطتين بشكل مباشر عن أمريكا في أعقاب الهجمات المروعة التي نفذها تنظيم الدولة الإسلامية في باريس. الأولى؛ أن إشاعة الجمهوريين للرعب حول اللاجئين السوريين ليس فقط عار على الولايات المتحدة وعلى المباديء التى تمثلها الدولة الأمريكية، لكن في الواقع يصب أيضاً في مصلحة الدولة الإرهابية. الفكرة الثانية؛ استعد وتماسك جيداً أمام حقيقة أن دونالد ترامب قد يكون مرشح الحزب للرئاسة العام المقبل.

لماذا تفقد الولايات المتحدة عقلها في مثل تلك المواقف؟ تذكروا كيف هاجر اليهود من ألمانيا النازية في أواخر الثلاثينيات ولم يدخلوا إلى أمريكا لشكوك حول كونهم شيوعيين. أو كيف تم تجميع واعتقال اليابانيين الأمريكيين خلال الحرب العالمية الثانية، أو كيف اتجهت البلاد نحو المكارثية والرعب الأحمر في بداية الحرب الباردة. وها نحن نكرر ما حدث بالسابق.

الجمهوريون يسيطرون على الكونجرس، هم الأغلبية، لكن في الأسبوع الماضي دعم عشرات من الديمقراطيين، وهم أقلية الآن، مقترحا من مجلس النواب قد يؤدي إلى منع الهجرة من سوريا. مازال أمام الإجراء خطوة المرور عبر مجلس الشيوخ ثم يواجه وعد الرئيس باستخدام الفيتو. لكن الرسالة واضحة. حتى لو لم تكن كذلك، فكلمات خطابات مرشحي الرئاسة من الجمهوريين قد أزالت كل الشكوك.

اقترح ترامب عمل قاعدة بيانات لمتابعة كل المسلمين في الولايات المتحدة، وفكر في إغلاق المساجد. أما منافسه المباشر بن كارسون، فشبّه الجهاديين وسط المسلمين بالكلاب المسعورة وسط مجموعة من الكلاب: ”لا يعني أننا نكره كل الكلاب… لكنك تقوم بإعمال عقلك.“ عقلك؟ وفي نفس السياق كريس كريستي حاكم نيوجيرسي الذي هدد بمنع دخول أي سوري حتى ”الأيتام تحت سن الخامسة“.

وعلى العكس من ذلك، بدأ جورج دابليو بوش الذي يصور كثيراً كشيطان، قديساً. انتقد بوش الأصغر بسبب خطأه الجيوستراتيجي الفادح بغزو العراق عام 2003، وهو الذي زعم آنذاك أنه ضروري عقب هجمات 11 سبتمبر. نحن ننسى، فبعد ستة أيام من المخطط الإرهابي الأكبر في العصر الحديث، وقتلى وصل أعدادهم إلى 20 ضعفاً من ضحايا باريس، ذهب بوش إلى المسجد الكبير بالعاصمة واشنطن برسالة توافق. كان هدفه منع أي رد فعل عنيف ضد المسلمين الأمريكيين. واستشهد بعبارات من القرآن، ووصف الإسلام بأنه دين سلام خانه منفذو هجمات 11 سبتمبر.

يبدو ذلك كأنه قد حدث منذ سنوات ضوئية. يبدو أن المرشحين الجمهوريين يشنون حرباً ضد المسلمين بجميع أطيافهم. يتحدث البعض عن الصراع بين المسيحيين والمسلمين، واقترح آخرون أن يتم قبول فقط المسيحيين الهاربين من الجحيم السوري. كل ذلك يثير ”صراع حضارات“ يريد تنظيم داعش إشعالها في كل مكان. لا يريد التنظيم سوى اضطهاد الإسلام في دول مثل الولايات المتحدة، مما يضمن أعداد لا تحصى من المقاتلين الجدد في التنظيم.

تغطي حالة الهستيريا على حقيقة أن نظام التدقيق في اختيار اللاجئين يسير بشكل جيد. فمنذ أحداث 11 سبتمبر، تم السماح لـ785 ألف لاجئ بدخول الولايات المتحدة. من كل هؤلاء، تم إلقاء القبض على ثلاثة فقط بتهم تتعلق باعتداءات إرهابية، ولم يتورط أي منهم في مخططات على الأراضي الأمريكية. والآن لدينا 27 حاكماً جمهورياً من أصل 50 حاكماً، وجمعهم عدا واحد فقط، يعدون بعدم السماح للاجئين السوريين بدخول ولاياتهم.

كما أغفل ذلك أيضاً اختلاف موقف الولايات المتحدة تماماً، حيث أن واشنطن أبعد كثيراً مما يجعلها بلوغها من الشرق الأوسط أصعب مقارنة بباريس، كما أن المواطنين الأمريكيين من العرب والمسلمين مندمجين أكثر في المجتمع عكس الواقع في فرنسا وبريطانيا. الخطر الحقيقي ليس أن جهاديي داعش سيتخفّون بين اللاجئين، كما زعم أن أحد منفذي هجمات باريس فعل ذلك، لكن الخطر هو أن الجهاديين الذي هم بالأساس مواطنين بريطانيين وفرنسيين يصلون إلى الولايات المتحدة كسياح أو طلاب.

أما بخصوص الشئ الوحيد الذي يمكن أن يقال للدفاع عن الجمهوريين فهو أنهم يملأون الفراغ. لم يخرج هجوم باريس أفضل ما يمكن أن يقدمه أوباما، بل خرج الرئيس وبدا غير مهتماً، ووجه معظم طاقته إلى تسجيل نقاط سياسية ضد الجمهوريين، وبالكاد أخفى غضبه تجاه من خالفوه.

الرئيس أوباما محق في أن أمريكا لا يجب أن ترسل قوات أرضية إلى سوريا. لكن، سواء للأفضل أو الأسوأ، ففي هذه اللحظات يتوقع من أمريكا أن تقود الأمور، لكن من الواضح جداً أنها لا تقود. في المقابل يبدو أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند سيغمر بالثناء وسيتم استقباله كالأبطال عند زيارته إلى واشنطن الخميس من أجل حشد الدعم لحرب على الأرض ضد تنظيم الدولة.

أما الأكثر استفادة من الأمر بطريقة شريرة فهو ترامب. لا يمكن تجاهله، فهو يتصدر الاحصائيات منذ أربعة أشهر متواصلة. وأي مرشح في موقفه، يمكن للمتخصصين أن يعلنوه فائزا بمعركة الترشح. بدلاً من ذلك، ينتظرون انهيارا لا يأتي أبداً. الصراخ، والإهانات، وتزييف الحقائق الذي قد يغمر أي مرشح لا تأثير له هنا. لدى الجمهوريون شعور قوي، وهو أن الناخبين سيفيقون من موقفهم تجاه ترامب قبل فوات الأوان. لم يحدث ذلك إلى الآن.

تساعد مذبحة باريس وإحتمالات تكرارها ترامب كثيراً. كلما ازدادت تلك الاحتمالات، زادت فرص ترامب. بينما كارسون الذي تعرض لهجوم كبير بسبب جهله الكبير بالسياسة الخارجية، تبدأ فرصه في التلاشي. قد يكون ترامب ليس أقل جهلاً منه. لكن بهجومه اللاذع على المهاجرين، وتصريحاته بقصف داعش وحقول نفطها هو بالفعل ما جمهوره أن يسمعه.

بإثارة الحديث حول حرب حضارية، فترامب هو أفضل شئ قد يحدث لداعش حالياً. وربما التنظيم أيضاً يكون هو أفضل شئ قد حدث لترامب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى