إعلامثقافة و فنسياسةمجتمع

جارديان: سهم “كاريكاتير شارلي إبدو” أصاب الطفل بدلا من العنصريين

ربما أرادت المجلة الفرنسية أن تهاجم الأحكام المعممة لكن ساعدت من يفعلون ذلك

جارديان – جوناثان فريدلاند –ترجمة: محمد الصباغ

أتردد في انتقاد شارلي إيبدو. قبلعام وأسبوع بدا كل شئ خاطئ. وبعد مقتل 11 من طاقم عمل المجلة الفرنسية، كان رد الفعل الوحيد الملائم هو التعاطف مع عائلات الضحايا، وتنديد لا غبار عليه بهؤلاء الذين قرروا إخراسهم بوابل من الرصاص.

لكن لو كان الهدف هو القضاء على يد تشارلي التي ترسم، فعملية القتل قد فشلت. استمرت المجلة في نشر أغلفتها ورسومها الاستفزازية. وفي هذا الأسبوع نشرت كاريكاتير شمل رسم للصورة التي انتشرت حول العالم في الصيف الماضي: جثة الطفل واللاجئ الرضيع إيلان كردي، ووجهه منكباً على الشاطئ. وجاء في التعليق على الصورة: ”ما الذي سيكون عليه إيلان الصغير لو عاش؟“. وجاءت الإجابة بالأسفل، عبارة عن صورة لرجلين وجوههم جزء منها كالقرد و آخر كالخنزير وأيديهم ممتدة نحو امرأتين يطاردوننهما. وجاء في التعليق أن إيلان كان ليصبح ”متحرش بالمؤخرات في ألمانيا.“

الكاريكاتير بالفعل صادم، باستخدامه لأكثر الصور المزعجة فيما يتعلق بأزمة اللاجئين –طفل ميت- من أجل مزحة. وبطبيعة الحال، تسبب في غضب كبير وأدين الكاريكاتير، واتهم بالعنصرية لإشارته إلى أن كل الرجال اللاجئين من سوريا لابد أن يكونوا متحرشين جنسياً، حتى الطفل الذي لا ذنب له كإيلان أجزموا أنه سيصبح متحرشاً وحشياً مثل الرجال الذين قاموا بالاعتداء والتحرش جنسياً بالنساء في شوارع كولن بليلة رأس السنة.

إلى الآن يمكن تصنيف المدافعين عن تشارلي إيبدو إلى نوعين. يبدو أن البعض ينظرون إلى الأمر باعتبار أن حرية التعبير أمر مطلق وحق غير قابل للتجزئة، ويشمل ذلك حق نشرصور فجة وعدائية بكل مروع. يعتقد مارتن روسن، رئيس مؤسسة رسامو الكاريكاتير البريطانيين، إن أفضل طريقة لفهم شارلي إيبدو يمكننا أن ننظر إليها وكأنها تجمع القليل من مجلة –Punch- و الكثير من –Viz, والابتهاج بصبيانيتها وإصرارها على كسر الخطوط الموضوعة، التي تفصل العام عن الخاص من خلال إطلاق تلك النكات المريضة أمام العامة والتي يهمس بها عادة في الساحات والحانات. ويضيف روسن:” ولا تنسى. هم يعتقدون أن جيري لويس خفيف الظل.“

هناك طريقة أخرى للدفاع عن الكاريكاتير. تستند على أن هدف شارلي إيبدو لم يكن آلان الصغير أو اللاجئين بشكل عام، لكن تحوّل الرأي العام والصحافة في أوروبا، فبعد ذرفهم الدموع على الطفل في اغسطس، يكشفون عن أنيابهم بغضب أمام المجرمين في كولن هذا الشهر. من وجهة النظر تلك، لا تسخر المجلة الفرنسية من اللاجئين بل من تعميماتنا المتغيرة بشكل عشوائي، فنصف هؤلاء القادمون من سوريا بأنهم قديسين في دقيقة،  وفي الدقيقة نعتبرهم  آثمين. ربما يكون ذلك دفاعاً بطوليا، يعطي شارلي إيبدو الكثير من الإنصاف. لكن لنقول أن ذلك هو ما قصده الرسام بالفعل. مع ذلك كان الكاريكاتير خاطئا،  لأنه ارتكب خطأ قام به عدد لا يحصى من الرسامين: في الوقت الذي يسعون فيه لحل مشكلة، يجعلونها أسوأ.

يريد رسام الكاريكاتير أن يعبر عن موقفه ضد التعصب في التعامل مع الراغبين في اللجوء. في الحقيقة، ببساطة قدم مثالاً آخر على هذا التحول. الصورة التي رسمها أصبحت بجوار القرار الدنماركي المتخذ هذا الأسبوع، الذي اتفق عليه على ما يبدو مع السويسريين، بمصادرة ما هو ثمين مع القادمين الجدد- كل شئ عدا خواتم الزواج أو الخطوبة- وأيضاً سياسة تركيا غير المشروعة بإعادة اللاجئين مرة أخرى إلى الجحيم السوري حيث جاؤوا. لا يتحدى الكاريكاتير المزاج الحالي من الخوف والبغض، بل يضيف إليه.

لقد أصر الكاتب التلفزيوني جوني سبيت دوما أن صناعته للكوميديا كانت موجهة ضد الجهلة المتعصبين البريطانيين. المشكلة أن هؤلاء قد دعموا ألف ليكون متحدثاً باسمهم . وحفظوا عباراته العنصرية عن ظهر قلب ورددوها من بعده. ربما أراد سبيت منا ان نقوم بالإطاحة بمن يصدرون أحكاماً مسبقة أو معممة.

هذا النوع من العثرات يمكن أن يحدث في الطرف الراقي أيضاً. فخلال الحملة الرئاسية الإنتخابية عام 2008، صوّرت ذا نيويوركز باراك أوباما بالزي الإسلامي وميشيل زوجته بالإفريقي، و تحمل مدفع رشاش على كتفيها. كان الثنائي على بعد خطوة من المكتب البيضاوي، في الوقت الذي رسم فيه أسامة بن لادن ينظر إلى العلم الامريكي وهو يحترق.

أصرت المجلة على أنه لا جدال في أن الكاريكاتير كان ”مزحة،“  مزحة حول كل القصص المخيفة حول أوباما. وبالرغم من هذا الهدف النبيل، إلا أن الكاريكاتير أضعف  أوباما -أكثر من مما فعل أي من المرشحين الأعداء. لم يكن متوقعاً أن يقول أي من المعارضين أن أوباما إرهابي محب للمسلمين لكن الآن لا يجب عليهم قول ذلك. الآن هناك صورة مستقرة في وعي الكثيرين تقول ذلك نيابة عنهم.

الجارديان نفسها لم تسلم من ذلك. فكانت الفنانة جيليان ويرينج مسؤولة ذات مرة عن غلاف (G2) بالجارديان. كان بإمكانها ملء المساحة بأي صورة تحب. اختارت أن تتركها فارغة عدا من ثلاث كلمات كما لو كانت على حائط ، كالجرافيتي، وهي :سحقاً سيلا بلاك. أرادت أن تشير إلى ”قسوة“ الخطاب العام. والنتيجة أنها كانت أكثر قسوة أيضاً.

بهذه الطريقة يصبح رسام الكاريكاتير حليفا دون قصد لمن يستهدفه. في بعض الأحيان يمكن أن يحدث ذلك بشكل مباشر. كتب بروس سبرنجستين، ولد في الولايات المتحدة الأمريكية مع الهجوم الكبير على الشعارات الشوفينية الجوفاء التي سببت حروب أجنبية وابتعدوا عن الرجال الفقراء الذين عادة ما يحاربونهم: رونالد ريجان احب ذلك كثيراً وفر في جعل تلك الكلمات أغنية رسمية لحملته. رسام الكاريكاتير ”فيكي“ اعتقد أنه كان يهجو العبثية وجنون العظمة لدى هارولد ماكيلان بصناعة شخصية سوبر ماك لكن المحافظين احتضنوها معتقدين أن ذلك يجعل رجلهم يبدو كالبطل الخارق. أما صناع ”هل لدي أخباراً بك- “Have I Got News for You وجهووا دعوة لبوريس جونسون ليضحكون من تصرفاته. وفي وقت متأخر جداً، أدركوا أنهم قدموا له بداية لحياته المهنية في رئاسة البلديات. ربما لا يمكن تجنب تلك الأشياء. السخرية لا تأتي مع رخصة بالاستخدام، موضحا فيها كيف سيتم استغلالها أو إساءة فهمها. وفي أغلب الأوقات –لو سببت دعماً بدلاً من إلحاق ضربة، لهذا السياسي أو ذاك- لا يعني الأمر شيئاً. لكن التحول الحالي في التعامل مع اللاجئين هو من نوع مختلف. المخاطر مرتفعة أكثر.

ربما تساعد اثنتان من قواعد الساخرين. يقول الكاتب جون أوفاريل إنها بالمبدأ العريق الذي يشير إلى أن السخرية يجب ان تكون دائماً “لكمات للأعلى“ وليس للأسفل. فالضحك على سلوك الضعيف ليس مضحكاً بالمرة، ولا يوجد من هو أضعف من طفل ميت جرفته الأمواج على الشاطئ. وعن القاعدة الثانية يستعيد أوفاريل نصيحة ديفيد أتينبره إلى فريق منوتي بايثون الساخر: ”استخدموا الصدمات بشكل مقتصد.“

ربما هناك قاعدة ثالثة. لو كنت تستهدف شخصا بسهم قاتل، تأكد من أنك تضرب مباشرة نحو الهدف. لأنك لو أخطأت، ربما لن تصيب عدوك بل ستساعده.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى