ترجماتسياسة

نيويورك تايمز: خطة بن سلمان لإضافة مناطق من سيناء إلى غزة

محمد بن سلمان عرض خطة منحازة لإسرائيل أكثر من أي خطة أمريكية

ترجمة سامح سمير
في رحلة يلفها الغموض الشهر الماضي، قام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بزيارة إلى العاصمة السعودية بهدف إجراء مشاورات مع ولي العهد الطموح بخصوص خطط الرئيس ترامب للسلام في الشرق الأوسط. بيد أن ما دار خلف الأبواب المغلقة، أثار موجة من الاستياء في المنطقة. بحسب مسئولين فلسطينيين، وعرب وأوروبيين استمعوا لرواية السيد عباس لما دار في هذه المحادثة، فإن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عرض عليه خطة ستكون أكثر انحيازًا إلى الجانب الإسرائيلي من أي خطة سبق للإدارة الأمريكية أن تبنتها من قبل على الإطلاق، خطة يفترض أنه ليس بوسع أي زعيم فلسطيني أن يقبلها على الإطلاق.
بموجب هذه الخطة سوف يتمكن الفلسطينيون من إقامة دولتهم، لكنهم لن يحصلوا سوى على أجزاء متناثرة لا رابط بينها في الضفة الغربية ولن يتمتعوا سوى بسيادة محدودة على أراضيهم. علاوة على ذلك، فإن الغالبية العظمى من المستوطنات الإسرائيلية، والتي تعتبرها معظم دول العالم غير شرعية، ستظل قائمة كما هي. ولن يحصل الفلسطينيون على القدس الشرقية كعاصمة لدولتهم ولن يُمنح حق الرجوع للاجئين الفلسطينيين وذريتهم. وقد نفى البيت الأبيض، يوم الأحد الماضي، أي علاقة له بالخطة، حيث صرح بأنه لا تزال أمامه شهورًا للانتهاء من خطته المبدئية للسلام، كما نفت الحكومة السعودية تأييدها لتلك المواقف. وقد أثار ذلك تساؤلات العديدين في واشنطن والشرق الأوسط حول ما إذا كان ولي العهد السعودي ينفذ أوامر السيد ترامب في صمت في سعي منه للتودد إلى الأمريكان، أم أنه يتصرف من تلقاء نفسه بهدف ممارسة ضغوط على الفلسطينيين أو لجعل أي عرض نهائي يتم تقديمه يبدو سخيًا بالمقارنة.
نتيجة بحث الصور عن ‪jared kushner + salman‬‏
زيارة كوشنر السرية إلى السعودية أعقبتها قرارات مفاجئة للأمير محمد بن سلمان
أو لعل السيد عباس، الذي يعاني من ضعف نفوذه السياسي بالداخل، أراد إرسال إشارات بتعرضه لضغوط من الرياض، وذلك لخدمة أهدافه الخاصة. حتى لو ثبت أن تلك الرواية غير كاملة، فقد لاقت رواجًا بين عدد من الفاعلين في الشرق الأوسط بما يكفي لإثارة مخاوف عميقة لدى الفلسطينيين وشكوكًا حول الجهود التي يبذلها السيد ترامب.
وفوق ذلك، أعلن مستشارو الرئيس عن عزمه إلقاء خطاب يوم الأربعاء يعلن فيه اعترافه بالقدس عاصمةَ لإسرائيل، حتى لو كان الطرفان كلاهما يزعمان حقهما فيها. وبحسب محللين ومسئولين رسميين في المنطقة، فإن هذا الإعلان من شأنه تقويض الدور الذي تلعبه أمريكها باعتبارها، نظريًا، وسيطًا محايدًا. “ثمة دائمًا سيل من التكهنات والتخمينات حول ما نعكف على عمله، وهذه الرواية ليست أكثر من ذلك،” بحسب تصريح المتحدث بإسم البيت الأبيض جوشوا رافيل. “فهي لا تعكس الحالة الراهنة للخطة التي نعكف عليها أو المحادثات التي نجريها مع الأطراف الفاعلة في المنطقة.”
وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني، قال السفير السعودي لدى الولايات المتحدة، الأمير خالد بن سلمان “إن المملكة لا تزال على التزامها بتحقيق تسوية تستند إلى المبادرة العربية للسلام عام 2002، والتي تتضمن جعل القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية طبقًا لحدود 1967. وأي محاولة للإيحاء بغير ذلك عارية تمامًا من الصحة.”
قام الرئيس ترامب بإسناد مهمة التوصل إلى اتفاق بشأن ما يسميه “الصفقة الكبرى” إلى زوج إبنته جاريد كوشنر، بمساعدة كبير مفاوضيه جاسون جرينبلات، إضافة إلى عدد من المساعدين الآخرين. وبعد قرابة عام من جولات الاستماع في المنطقة، يعكفون الآن على بناء خطة شاملة بيد أنهم يحتفظون بتفاصيلها طي الكتمان.
“نحن على دراية بمحتوى الخطة،” صرح السيد كوشنر قائلًا في إحدى المرات النادرة التي يظهر فيها في مناسبة عامة يوم الأحد الماضي في منتدى سابان، وهو مؤتمر متخصص في شئون الشرق الأوسط تستضيفه مؤسسة بروكنجز. “الفلسطينيون يعلمون بما دار في محادثاتنا معهم, والإسرائيليون يعلمون بما دار في محادثاتنا معهم.” وقد عُقد الاجتماع الذي جمع بين الأمير محمد والسيد عباس بعد أقل من أسبوعين من زيارة السيد كوشنر للأمير في الرياض للتباحث معه بشأن خطة السلام. ا
لكلام عن تلك المقترحات أحدث هزة كبيرة في منطقة تتنازعها بالفعل صراعات عديدة، وأثار دهشة المسئولين العرب والمراقبين الغربيين على حد سواء. وقد وصف مسئولون فلسطينيون، من كل من حركة فتح التي يرأسها عباس، حركة حماس المنافسة لها، على حد سواء، الخطة المقترحة بالمهينة وغير المقبولة. “إذا وافقت القيادة الفلسطينية على أي من المقترحات السالفة، فإن الشعب الفلسطيني لن يسمح لهم بالبقاء في السلطة،” بحسب قول حسن يوسف، القيادي البارز في حركة حماس بالضفة الغربية، وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني.
بحسب مسئولين فلسطينيين من حركتي فتح وحماس، ومسئول لبناني بارز إضافة إلى العديد من الأشخاص الذين أحيطوا علما بمجمل ما دار في المحادثات، فإن ما ضاعف من وقع الصدمة على الفلسطينيين، ما أثير عن إبلاغ الأمير محمد للسيد عباس إنه في حال رفضه للشروط المقترحة فإنه سُيجبر على الاستقالة ليفسح المجال لبديل له سوف يقبل بها.
ووفقًا لعدد كبير من المسئولين، فإن الأمير عرض تقديم مساعدات مالية ضخمة للفلسطينيين بهدف تجميل الاتفاق المقترح، بل ولوح أيضًا بإمكانية تقديم دفعة فورية للسيد عباس، غير أن السيد عباس رفض العرض، بحسب قولهم. وقد صرح السفير السعودي الأمير خالد، قائلا “إن السعودية تدعم القيادة الفلسطينية تحت زعامة الرئيس عباس دعمًا كاملًا ولم ولن تتدخل أبدًا في الشئون الداخلية للفلسطينيين.”
ومن جانبه نفى نبيل أبو ردينة، المتحدث الرسمي بإسم السيد عباس، تلك الروايات حول اجتماع الرياض والمقترحات السعودية ووصفها ب”أخبار زائفة لا وجود لها”، وقال إن الفلسطينيين لا يزالون في انتظار مقترح رسمي من الولايات المتحدة. بيد أن النقاط الأساسية التي تضمنها العرض السعودي للسيد عباس، تم تأكيدها من قِبل العديد من الأشخاص الذين أحيطوا علما بمجمل ما دار في المحادثات بين السيد عباس والأمير محمد، مثل السيد يوسف القيادي البارز في حركة حماس؛ وعدد كبير من المسئولين الغربيين؛ ومسئول بارز في حركة فتح؛ ومسئول فلسطيني في لبنان؛ وسياسي لبناني بارز؛ من بين آخرين. وقد أشار أحمد طيبي، العضو الفلسطيني في الكنيست الإسرائيلي، إلى مجموعة مشابهة من الأفكار قال إن الأمريكان والإسرائيليين سبق أن عرضوها على الفلسطينيين: دولة فلسطينية ذات “سيادة معنوية” فحسب وأراضٍ متناثرة لا رابط بينها وبدون القدس الشرقية كعاصمة لها؛ ولا شيء عن إخلاء المستوطنات الإسرائيلية أو حق العودة للاجئين الفلسطينيين. بل إن الكلام عن الخطة أثار إنزعاج بعض من أقرب حلفاء الولايات المتحدة، والذين يتطلعون لتوضيح من البيت الأبيض بخصوص المسألة. فقد صرح أحد مستشاري الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، طلب عدم ذكر إسمه، بأن المسئولين الفرنسيين قد سمعوا شيئًا بخصوص بعض المقترحات السعودية، تبدو شديدة الشبه بالعرض المبدئي التي سبق أن قدمته إسرائيل وقوبل بالرفض من الفلسطينيين.
وقال إن فرنسا أبلغت الأمريكان إنهم إذا أرادوا البدء في المحادثات، فبإمكانهم المضي في ذلك، لكن عليهم أن يتذكروا أن فرنسا والعديد من الدول الأخرى لديها هي أيضًا مصالح في المنطقة ومخاوف بشأنها.
وقد أثارت المقترحات إنزعاج السيد عباس وبدا مستاء منها بصورة واضحة، بحسب مسئول في حركة فتح. وفي مقابلة اُجريت مع السيد يوسف من حركة حماس، صرح بأن هناك مخاوف بسبب عدم قيام السيد عباس ومساعديه بالكشف عن تلك المقترحات وشجبها بصورة علانية. “طالما ظلوا على صمتهم إزاء هذه المسألة، فنحن لدينا مخاوف حقيقية من احتمال حدوث شيء كهذا,” كما صرح السيد يوسف، مضيفًا إنه لو كان السيد عباس قد تلقى أي عرض، “فمن المهم للغاية أن يصارح الشعب الفلسطيني بأنهم “عرضوا علينا كذا وكذا وكذا، وأننا رفضنا هذا العرض”.” ورغم أن تلك المقترحات قد تبدو في الظاهر مستبعدة تمامًا، إلا إنها أثارت قلقًا عميقًا لدى الفلسطينيين والمسئولين العرب كونها تأتي في سياق ما تشهده المنطقة من ديناميكيات جديدة سريعة التغير. فالأمير محمد، ذو ال32 عامًا، تربطه علاقة وثيقة للغاية بالسيد كوشنر، ذي ال36 عامًا. فكلاهما شابان لا يملكان خبرة واسعة في السياسة الدولية وينظران إلى نفسيهما كمصلحين مبدعين قادرين على إحداث قطيعة مع طرق التفكير المتحجرة التي تنتمي إلى الماضي. وقد أوضح الأمير السعودي أن ما يأتي على رأس أولوياته في المنطقة هو المواجهة مع إيران، وليس الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، الذي ظل لأجيال نقطة الارتكاز للسياسات العربية.
وقد أعرب عدد من المسئولين والمحللين في المنطقة عن اعتقادهم بأن الأمير ربما كان على استعداد لمحاولة الضغط على الفلسطينيين لقبول التسوية لكي يضمن في المقابل تعاون إسرائيل معه في مواجهة إيران.
وبحسب مسئولين عرب وغربيين، فإن الهدف الرئيس للسعوديين على ما يبدو هو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو ما سيكون هدفًا صعب المنال طالما ظل النضال الفلسطنيي محتفظًا بطبيعته كقضية اقليمية. ورغم أن المملكة السعودية ليس لديها في الوقت الراهن علاقات رسمية مع إسرائيل، فمن المعروف على نطاق واسع أنه ثمة تعاون سري بينهما في القضايا الأمنية منذ سنوات. غير أن العديد من الجهود التي بذلها الأمير محمد في مجال السياسة الخارجية قد منيت بالفشل حتى الآن، ما يعكس، وفقًا للعديد من المسئوليين والدبلوماسيين في المنطقة، افتقاره إلى فهم الديناميكيات الأساسية في المنطقة، أو رغبته في تجاهلها. فتحركاته الرامية إلى عزل قطر، والتي تعود في جانب منها إلى علاقتها الوثيقة أكثر من اللازم مع إيران، لم تسفر عن شيء سوى دفعها إلى المزيد من التقارب معها.
وفي الشهر الماضي، جاءت مناورته للضغط على رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لتقديم استقالته –بهدف عزل حزب الله اللبناني، المتحالف مع إيران- جاءت بنتيجة عكسية، حيث ظل السيد الحريري محتفظًا بمنصبه، بل وخرج من الأزمة أكثر قوة من ذي قبل، كما يجادل البعض. لقد بدأت أجراس الإنذار تدق في المنطقة الشهر الماضي، عندما بدأ السيد عباس في إجراء عدد من الاتصالات الهاتفية مع الزعماء السياسيين في المنطقة عقب مغادرته الرياض.
إعلان ترامب نيته نقل سفارة أمريكا إلى القدس أوضح أن أشد الخطط غرابة قد تتحقق
وقد أعرب مسئول في الحكومة اللبنانية، تلقى واحدة من تلك الاتصالات، عن دهشته البالغة مما أسماه مقترحًا سعوديًا يتضمن إعطاء الفلسطينيين ضاحية أبو ديس، الواقعة في القدس الشرقية، لتكون عاصمة لدولتهم. فتلك الضاحية يفصلها عن المدينة جدار تم بناؤه كجزء من الجدار العازل الإسرائيلي. وقد صرح المسئول اللبناني قائلًا بإنه لا يوجد إنسان عربي واحد يمكنه قبول هذا النوع من المناورات، وأضاف إنه لا أحد يستطيع تقديم اقتراحًا كهذا لانسان فلسطيني إلا لو كان شخصًا يفتقر إلى الخبرة ويسعى لتملق أسرة الرئيس الأمريكي. وبحسب مسئول لبناني بارز وسياسي لبناني، تم إحاطتهما بما دار في المحادثات، فإنه تم إبلاغ السيد عباس إنه أمامه مهلة شهرين للموافقة على الصفقة وإلا سيتم إجباره على تقديم استقالته.
وبحسب مسئول فلسطيني في لبنان، فإن من ضمن الأفكار التي لوح بها السعوديون، تعويض الفلسطينيين عن ضياع أراضي الضفة الغربية عن طريق إضافة أراضٍ إلى قطاع غزة يتم اقتطاعها من شبه جزيرة سيناء المصرية، وهي صحراء صخرية تعاني مؤخرًا من هجمات الجهاديين. وهو العرض الذي سبق أن رفضته مصر بالفعل، بحسب مسئول غربي. بيد أن الخبر الذي أُذيع يوم الجمعة بأن السيد ترامب سوف يعترف بالقدس عاصمةً لإسرائيل يوحي بأن الأفكار التي كانت تعتبر ذات يوم متجاوزة لكل الحدود، يتم اليوم التعامل معها بجدية.
إن الاعتراف بعاصمة لإسرائيل هناك، حتى إن لم يتضمن ذلك إنكارًا صريحًا لحقوق الفلسطينين فيها، من شأنه أن يقوض عقودًا من الإجماع بين رعاة السلام في العالم مفاده أن أي تغيير في وضع القدس ينبغي أن يأتي كجزء من صفقة يتم التفاوض بشأنها.
وقد صرح مسئولون فلسطينيون بالفعل بأن تلك الخطوة من شأنها أن تمثل تهديدًا لكل فرص التوصل إلى حل الدولتين بل وربما تتسبب في إندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة. وفي تصريح له يوم الأحد، قال المفاوض الفلسطيني صائب عريقات إن تلك الخطوة من شأنها أن تتسبب في إحداث “فوضى عالمية والاستخفاف بالمؤسسات الدولية والقانون الدولي.” وقال إن الولايات المتحدة ستتسبب في زعزعة استقرار المنطقة، ما يثبط من عزيمة المؤيدين للحل السلمي “وتبرهن على عدم جدارتها بالاضطلاع بأي دور في أي مبادرة تهدف إلى تحقيق السلام العادل والدائم.”

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى