ترجمات

توماس فريدمان: انتبهوا ! أمير سعودي في عجلة من أمره !

توماس فريدمان يكتب في نيويورك تايمز عن التحولات العاصفة في المملكة العربية السعودية

 توماس فريدمان- نيويورك تايمز

ترجمة- سامح سمير

لكي نفهم التحولات العاصفة التي تشهدها المملكة العربية السعودية، علينا أن نبدأ بأهم حقيقة سياسية عن هذا البلد: على مدار الأربعة عقود الماضية، لم تكن القوة السياسية المهيمنة والمؤثرة في هذا البلد هي الإسلام، ولا التشدد، ولا الليبرالية، ولا الراسمالية أو الداعشية، إنما الزهايمر.
فالملك الحالي يبلغ من العمر 81 عامًا، وقد تولى الحكم بعد الملك السابق الذي توفى عن عمر يناهز 90 عامًا، الذي تولى الحكم بدوره بعد ملك توفى عن عمر يناهز 84 عامًا. ليس الأمر أن أحدًا من هؤلاء الملوك لم يقم بأية إصلاحات. لكن بينما كان العالم يشهد تغيرات فائقة السرعة في التكنولوجيا، والتعليم، والعولمة، اعتقد هؤلاء الملوك أن عملية إصلاح تسير بمعدل 10 أميال في الساعة، سريعة بما يكفي – على أن تعالج أسعار النفط المرتفعة أية سلبيات قد تنجم عن هذا الإيقاع البطيء.

لكن هذا لم يعد مجديًا بعد الآن. فنحو 70% من سكان المملكة تقل أعمارهم عن ثلاثين عامًا، ربعهم تقريبًا يعاني من البطالة. علاوة على ذلك، هناك 200 ألف سعودي يدرسون بالخارج، يعود منهم كل عام إلى أرض الوطن نحو 35 ألف–رجالًا ونساءً- حاملين درجات علمية، يحدوهم الأمل في الحصول على وظائف حقيقية، ناهيك عن وسائل للترفيه والتسلية بخلاف المساجد والمولات التجارية. ومن ثم فالنظام في حاجة ماسة لخلق المزيد من فرص العمل خارج قطاع النفط، والذي لم يعد يدر نفس الدخل كما كان في السابق، ولا تستطيع الحكومة الاستمرار في استنزاف مدخراتها في سبيل الحفاظ على استقرارها.
تلك هي الخلفية التي جرت عليها لعبة السلطة الجسورة، لكن الطائشة أيضًا، التي قادها نجل الملك سلمان البالغ من العمر 32 عامًا هذا الأسبوع- الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، المعروف الآن بالحروف الأولى من اسمه م.ب.س والذي سبق أن أجريت معه مقابلتين. إنه شاب في عجلة من أمره. وقد لمست لديه رغبة حقيقية في الإصلاح، ووجدت أنه يحظى بدعم كبير ومؤثر من شباب بلده، وأن سعيه لإحداث تغييرات جذرية في المملكة، يتمتع بجاذبية شديدة وقدرة على الإقناع.
ثمة شيئان بخصوصه أستطيع أن أقولهما بقناعة كاملة: إنه ماكينزي أكثر بكثير منه وهابي، محاسب مولع بالأرقام أكثر منه مقريء للقرآن. ولو لم يوجد قط، لكان على النظام السعودي أن يخترعه، فقد كان بحاجة ماسة لمن يهز دعائمه.
وفي المقابل، ثمة شيء لست متأكدًا منه: ما النقطة التي تتوقف عندها رغبته في الإصلاح السريع وتبدأ رغبته الاستبدادية في الاستيلاء على كل مقاليد السلطة؟ فعقب قيامه بإلقاء القبض على كوكبة من الأمراء، وأصحاب المؤسسات الإعلامية، ورجال الأعمال
بتهم تتعلق ب”الفساد”، قام الرئيس ترامب بإطلاق تغريدة أثنى فيها على الإجراءات، قائلًا: “بعض هؤلاء الذين يتعرضون الآن لمعاملة قاسية، دأبوا على استنزاف ثروات بلادهم لسنوات طويلة!”

لم أتمالك نفسي من الضحك عند قراءة هذه التغريدة. فأن تسمع خبر القبض على أمراء سعوديين بتهمة “الفساد” يشبه أن تقرأ خبرًا عن قيام ترامب بإقالة سبعة من أعضاء حكومته بتهمة “الكذب”. إذ تدرك في الحال أن ثمة شيء آخر. من الواضح ان ترامب لم يسمع حكاية قيام م.ب.س،فجأة وبدون سابق تخطيط بشراء يخت – لمجرد أنه أثار إعجابه في المرفأ- مقابل 550 مليون دولار من مالكه الروسي، أثناء عطلته في جنوب فرنسا العام الماضي. فمن أين جاء بهذا المبلغ؟ من حصالة نقوده؟ أم من مدخراته من بيع عصير الليمون في شوارع الرياض؟ أم من معاشه الاجتماعي الذي تمنحه إياه الحكومة السعودية؟
هدفي من إثارة تلك النقطة هو الإشارة إلى أنه عند القيام بالعديد من الإصلاحات الجذرية دفعة واحدة، وإثارة الكثير من العداوات في ذات الوقت، تمامًا كما يفعل بن سلمان، ينبغي أن تكون أنت نفسك طاهر الذيل. ولابد أن يصدق الناس أنك تعني ما تقوله وأنه ليس لديك أجندات سرية، لأن عملية التغيير ستكون مؤلمة. انظروا إلى كل ما يفعله بن سلمان دفعة واحدة:
فبهدف الإسراع من عملية إتخاذ القرار، يقوم بإعادة تشكيل الدولة السعودية –من تحالف عائلي واسع يجري من خلاله مشاركة السلطة وتدويرها بين سبع عائلات كبيرة وحيث القرارات يتم اتخاذها بالإجماع- إلى دولة خاضعة لحكم فرع واحد فقط من العائلة. هذه لم تعد “العربية السعودية” بل أصبحت “العربية السلمانية.” ففي سلسلة الاعتقالات الأخيرة، أطاح م.ب.م ب”شباب الحرس القديم”، الذي يشمل الأبناء البارزين ومنافسيه الطبيعيين من الفروع الرئيسة الأخرى في العائلة المالكة. كما شملت حملة الاعتقالات أيضًا أصحاب ثلاث من الشبكات التلفزيونية الخاصة شبه المستقلة: إم بي سي، وإيه آر تي، وروتانا.

وفي الوقت نفسه، يقوم بن سلمان بتغيير القاعدة التي تستند إليها شرعية النظام، منهيًا “حقبة 1979.” ففي عام 1979، في أعقاب قيام أحد الدعاة السعوديين المتشددين بالاستيلاء على أهم الأماكن الإسلامية المقدسة في مكة بحجة أن عائلة آل سعود لم تكن تتبع نهجًا إسلاميًا بما يكفي،

بدأ حكم العائلة المالكة –بهدف تعزيز شرعيتها الدينية- يتخذ منحى دينيًا حادًا في الداخل ويتجه إلى تصدير النزعة الوهابية السنية التطهرية إلى الخارج، وتشييد المساجد والمدارس من لندن حتى أندونيسيا.

وقد كان لهذه السياسات تداعيات كارثية على العالم العربي-الإسلامي، وأفرزت ظواهر مثل القاعدة، وداعش وتسببت في تراجعات كبيرة على مستوى التعليم وحقوق المرأة في العالم العربي.
تعهد بن سلمان بميلاد إسلام سعودي أكثر اعتدالًا، وبدأ ذلك بتقليم أظافر الشرطة الدينية التابعة له والسماح للسيدات بقيادة السيارات، وتلك نقطة شديدة الأهمية. كما بدأ يشجع الناس على تقييم حكومته بناءً على أداءها وليس على تقواها، لا استنادًا إلى نص القرآن لكن استنادًا إلى المؤشرات الرئيسة للأداء في مجالات التوظيف، والنمو الاقتصادي، والإسكان والرعاية الصحية.
بيد أنه يستبدل الوهابية باعتبارها مصدرًا للتماسك الاجتماعي بنزعة وطنية سعودية أكثر علمانية، ذات مسحة قوية من العداء لإيران-فارس-الشيعة، ما يقوده إلى بعض المناطق الوعرة. ففي مواجهته مع إيران، أجبر رئيس الوزراء اللبناني السني سعد الحريري على تقديم استقالته يوم السبت أثناء زيارته للرياض ، وألقى باللائمة على إيران وأعوانها من الشيعة في تحويل لبنان إلى دولة غير قابلة للحكم – والهجمة الصاروخية التي تعرضت لها السعودية من الأراضي اليمنية. إن لبنان، الذي نجح في تحقيق توازن مستقر نسبيًا بين السنة والشيعة والمسيحيين، يتعرض الآن لهزة عنيفة. كما قام بن سلمان ايضًا بتزعم الجهود الرامية إلى عزل قطر بسبب تقاربها الشديد مع إيران، وسحق النفوذ الإيراني في اليمن، وسحق اليمن نفسه في الأثناء. إنه يتجاوز كل الحدود، ويبدو أنه ما من أحد هناك يخبره بذلك.

وكما قال لي أحد الصحفيين السعودييين المخضرمين: “هذا الرجل أنقد السعودية من موت بطيء لكنه بحاجة إلى توسيع قاعدته. وخيرًا يفعل بتحرير بيت آل سعود من نفوذ رجال الدين، لكنه في الوقت نفسه لا يسمح بوجود أي رأي مخالف فيما يخص قراراته السياسية والاقتصادية.”
أخشى أن هؤلاء الذين يشجعون بن سلمان على اتخاذ مواقف أكثر عدوانية في مواجهة إيران (والتي ثمة حاجة بالفعل للتصدي لنفوذها الضار بالمنطقة) – مثل دولة الإمارات وترامب، وكوشنر وبنيامين نتنياهو- سوف يدفعونه إلى شن حرب في الخارج والداخل في الوقت نفسه، وعندها قد نرى السعودية والمنطقة بأكملها تخرج تماما عن السيطرة في ذات الوقت. كما قلت قبلًا، أنا أشعر بالقلق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى