سياسة

”أسوشيتد برس: كنت داعشيا ..مصير العائدين من “أرض الخلافة

مصير المقاتلين العائدين من أرض داعش بين السجن وانتقام التنظيم

(الأسوشيتد برس – لوري هينانت و بول سكيم ..

كتب: من بيروت زينه كرم –  من باريس: جيمي كيتن و نيكولاس فو مونتاني – بغداد: فيفيان سلامة و شاركت من لندن: دانيكا كريكا)

– ترجمة: محمد الصباغ

يقف ”غيث“ حذراً بزاوية شارع في تونس مغطياً وجهه بـ”زنط“، ويتفحص بعينيه المتوترتين الحشود خشية أن يكون بينهم أحد مسلحي الدولة الإسلامية. ويصف المقاتل السابق الذي لا يكف عن التدخين أعمال القتل العشوائي، وإساءة معاملة المجندات، والحياة غير المريحة حيث الوجبات قليلة ولا تزيد عن خبز وجبن أو زيت.

ويروي غيث كيف وضع أحدهم السكين على عنقه وطلب منه أن يقرأ آيات قرآنية متعلقة بالحرب في الإسلام ليثبت نفسه أمامهم. ويقول: ”لقد كان الأمر مختلفاً تماماً عما قالوه لنا عن الجهاد“.

كان غيث قد سلم نفسه للجنود السوريين، وطلب كتابة اسمه الأول فقط خوفاً من القتل.

في حين يلتحق الأجانب من كل دول العالم بتنظيم الدولة الإسلامية، يجد بعضهم الحياة في العراق و سوريا أكثر صرامة وعنفاً عما توقعوه. واكتشف هؤلاء بخيبة أمل أن مغادرة التنظيم أصعب من الإلتحاق به.  ويقول المرصد السوري لحقوق الإنسان إن تنظيم الدولة الإسلامية قد قتل 120 من رجاله خلال الستة أشهر الماضية، معظمهم من الأجانب الذين تمنوا العودة إلى بلادهم.

وحتى لو وجد البعض طريقاً لمغادرة التنظيم، فإن دول هؤلاء المقاتلين السابقين تعتبرهم إرهابيين وخطراً أمنياً على بلادهم. وقد وضع الآلاف تحت المراقبة وفي السجون في شمال إفريقيا وأوروبا، حيث أقدم مقاتلون سابقون على قتل 17 شخصاً الشهر الماضي في هجمات باريس.

قال مارك تريفيديك، أكبر قضاة مكافحة الإرهاب في فرنسا: ”ليس كل شخص عائد مشروع مجرم. ليس كل واحد منهم سوف يقتل، لكن يبقى الإحتمال أن هناك مجموعة صغيرة قادرة أن تفعل أي شئ”.

يزداد عدد الفرنسيين العائدين، وقلت حماستهم بسبب واقع حياة المسلحين وقصف قوات التحالف، وفقاً لمسؤول أمني فرنسي كبير طلب عدم ذكر اسمه بسبب حساسية الموقف. ويضيف المسؤول أن بعض المقاتلين الأجانب أخبروا بلادهم أنهم محتجزون على عكس رغباتهم.

وتحدثت “الأسوشيتد برس” إلى عشرات المقاتلين السابقين ومع عائلاتهم ومحامييهم، حول حياتهم هناك وهروبهم من تنظيم الدولة. ورفض الكثير منهم أن نذكر اسمه خوفاً من الملاحقة.

يقول ”مهدي عكاري“ شقيق ”يوسف“ أحد المقاتلين السابقين، إن أخيه اعتاد على الجلوس لساعات في حجرته بتونس يستمع للأناشيد الدينية والقراءة. وفي أحد الأيام تلقت الأسرة رسالة بأنه ذاهب إلى سوريا. ويضيف أنه فقد نظارته ولم يستطع القتال، فأصبح مسئولاً عن تعليم الجهاد للمتطوعين الجدد.

التونسي مهدي عكاري أما صورة شقيقه يوسف الذي قاتل لصالح تنظيم الدولة

و بعد سبعة شهور خطط للهروب مع شقيقين تم كشف أمرهم وقتلهم. واستطاع يوسف الوصول للمقاتلين الأكراد والعودة لتونس مرة أخرى، وهناك شعر بأنه محاصر بين مضايقات الشرطة وخوفه من انتقام المسلحين. وفي أكتوبر الماضي عاد يوسف عكاري إلى سوريا وقتل في غارة جوية.

يمنع تنظيم الدولة الإسلامية المتطوعين من المغادرة بمجرد التحاقهم. ويتم  التخلص من جوازات السفر وبطاقات الهوية كخطوة أولى. ويقول حمد عبد الرحمن، 18 سنة، من السعودية، إن المسلحين قابلوه على الحدود السورية الصيف الماضي واصطحبوه إلى معسكر تدريب في مدينة الطبقة السورية.

و يروي عبد الرحمن تفاصيل اللقاء لـ”أسوشيتد برس” من سجن في بغداد قائلاً: ”أخذوا كل وثائقي ثم سألوني هل أريد أن أصبح مقاتلاً أم انتحارياً؟“، كان حمد مكبلاً ومقيد اليدين ومغطى الرأس في حديثه مع الوكالة، واختار أن يقاتل.

و في بداية سبتمبر، استسلم الشاب السعودي للقوات العراقية. وأظهر مقطع فيديو بثته وزارة الدفاع العراقية، عبد الرحمن وهو يعرف نفسه للجنود.

وفي شتاء 2013 هرب تونسي آخر يدعى ”علي“ من التنظيم وقطع المسافة بين البلدين لخدمة التنظيم أربع مرات في ثلاثة أسابيع، حاملاً معه الأخبار والأموال ومواد الفيديو الدعائية. وفي رحلته الأخيرة لتونس بكل بساطة قرر البقاء.

يقول “علي” خافضاً صوته: ”شعرت بأني إرهابي، لقد صدمني ما كنت أفعله”. وبدأ في التحرك عندما اقترب الناس. ووجه نصيحته لمن يريدون أن يصبحوا جهاديين: ”اذهبوا لتناول الشراب. لا تصلوا. هذا ليس الإسلام. ولا تضحوا بحياتكم من أجل لا شئ”.

ويبقى المأزق الذي يواجه الحكومات هو تحديد من يعود هرباً من تنظيم الدولة ومن يعود لنشر العنف.

اعتقلت فرنسا أكثر من 150 عائدا منهم 8 الثلاثاء الماضي، وقالت إن حوالي 3 آلاف يجب أن يبقوا تحت المراقبة. وفي بريطانيا، ألقي القبض على 165 بعد العودة، واعتبرت ألمانيا 30 من ضمن 180 عائداً شديدي الخطورة. لا توجد طريقة لإثبات نوايا العائدين من تنظيم الدولة.

وتقول وزيرة العدل الفرنسية ”كريستيان توبيرا“ إن كثير من الفرنسيين يعتقدون أنه لابد من معاقبة هؤلاء العائدين. وتضيف:”هؤلاء هم من يستطيعون الإدلاء بما رأوه، و من يستطيعون إثناء الآخرين عن السفر”.

ويقول المحامي الفرنسي ”مارتن برادل“ إن موكله ضمن عشرة رجال من مدينة ستراسبرج غادروا إلى سوريا من أجل القتال من أجل المدنيين. لكنهم عبروا إلى مناطق تحت سيطرة المسلحين الذين بدورهم شكوا في كونهم جواسيس أو أعداء. و تم حبسهم لمدة أسبوعين، وتم نقلهم وزادت المدة ثلاثة أسابيع أخرى. وقتل اثنين من هؤلاء الفرنسيين في كمين.

قرر الرجال الرحيل لكن واحداً بعد الآخر حتى لا يلفتوا الانتباه. ويضيف المحامي: ”غادروا ليلاً وركضوا عبر الحقول ثم تسللوا عبر الحدود”.

وسلم موكل ”برادل“ نفسه للسلطات التركية، وبسبب عدم وجود وثائق معه استخرجت السفارة الفرنسية له أوراق انتقال مؤقتة. يمكث حالياً في السجن في فرنسا، واتهمته السلطات الفرنسية مع رجال ستراسبرج الآخرين بتكوين جماعة متطرفة.

ووفقا لمحامييهم فإن هروب أربعة فرنسيين من تولوز كان مشابهاً لهروب نظرائهم من ستراسبرج. ويقول محامي ”عماد جبالي“ الفرنسي ”بيير دوناك“ إنهم ذهبوا لسوريا من أجل مساعدة المدنيين وانتهى بهم الأمر في المناطق تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية وتم حبسهم. ويضيف دوناك أنه في أحد الأيام، أعطاهم حارس سجنهم وثائقهم. وقال لهم: ”أنا ذاهب للصلاة، وتركهم وحيدين بجوار باب سجنهم. فهموا أنه يساعدهم على الهرب. لماذا؟ انه أمر مذهل.. هم أنفسهم لم يعرفوا السبب”.

سلم الرجال أنفسهم للجنود الأتراك وتم ترحيلهم إلى فرنسا، وهم الآن في السجن بتهم تتعلق بالإرهاب.

يعيش الآن “غيث” – بكل المعايير -كرجل حر في تونس، حيث يخضع العائدون لرقابة مشددة بدلا من سجنهم، وهو ما يحدث حاليا مع 400 منهم. لكن “غيث” لا يبدو كذلك، ورقبته مازالت تحمل ندبا من أثر السكين الذى وضعه عليها أحد رفاقه المقاتلين.

ينهي “غيث” حديثه: ”ليست ثورة ولا جهادا.. إنها مذبحة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى