إعلام

يحيى وجدي: 10 ملاحظات على “موت الصحافة الورقية”

يحيى وجدي: 10 ملاحظات على “موت الصحافة الورقية”

wagdy
يحيى وجدي

*يحيى وجدي

قبل 10 سنوات تقريبا، بدأ رواج  مقولة –أو سؤال في الواقع، لأنه كان يطرح دائما كسؤال- هل ماتت الصحافة الورقية؟، وذلك مع انتشار المواقع الالكترونية ومن بعدها مواقع التواصل الاجتماعي.

في كل الفعاليات التي شاركت فيها شخصيا،  والخاصة بمناقشة أوضاع الإعلام والصحافة المصرية بشكل عام، كنت أفاجأ بزملاء كثيرين يعملون كقيادات في مؤسسات إعلامية كبرى، يقولون بيقين راسخ إن الصحافة الورقية ماتت وفي انتظار دفنها!

وفي الواقع هذا ليس صحيحا، لأكثر من سبب..

1 – مازالت مصر سوقا واسعة للصحف الورقية، سوق تتمثل في عشرات الآلاف من المسافرين يوميا، يتنقلون داخل القطارات  وبوسائل مواصلات مختلفة، مازالوا يحتاجون فعليا لجرائد لطيفة ومسلية، بدلا من “الموبايل”، وفي محطات القطار ومواقف السرفيس في المحافظات، يقبل المسافرون على شراء مجلات قديمة، تاريخ صدورها يرجع إلى عام وعامين، بسعر مخفّض، لقراءتها في الطريق!

2- الشكل التقليدي للصحافة الورقية هو الذي انتهى، أقصد هنا الجريدة اليومية التي تصدر بأخبار في صفحتها الأولى، عبارة عن بيانات رسمية أو تغطية خبرية لحدث عرفه الجمهور لحظة وقوعه بالأمس، عبر وسائط مختلفة. فضلا عن عشرات المقالات لصحفيين كبار “سنا ومقاما” يعلقون على الأحداث لأن تلك هي وظيفتهم، بينما نفس التعليق يجتذب جمهورا واسعا على “السوشيال ميديا” لأنه –أي الاشتباك مع الحدث- مكتوب على موقع “فيس بوك” بلغة أكثر جاذبية وتكثيفا، فضلا عن زوايا مختلفة أكثر عمقا لرؤيته.

التكلفة بالطبع –أسعار الورق والطباعة- أحد الأسباب الرئيسية، التي يسوقها أصحاب نظرية موت الصحافة الورقية. وفي الواقع، ومن تجربة عملي في العديد من الجرائد الورقية، فإن تكلفة الطباعة هي الأقل –خصوصا في المؤسسات التي تمتلك مطابع خاصة بها- مقارنة بالمرتبات والمصروفات الأخرى.. مرتبات، تذهب لزملاء يغطون أخبار جهات ومؤسسات، تنشر في اليوم التالي بعد يوم كامل من معرفة الجمهور بها! هذا ليس معناه التخلص من هؤلاء الزملاء مثلا، ولكن انتاجهم لم يعد مناسبا للصحيفة الورقية

3 – الأسبوع الماضي، أعلنت مؤسسات صحفية حكومية “قومية” أنها لن ترفع أسعار الصحف، بعد غلاء الورق وزيادة تكاليف الطباعة، وستلجأ لتخفيض عدد الصفحات، أملا في الحفاظ على القراء أطول فترة ممكنة..
هذا ليس الحل لإنقاذ الجرائد المطبوعة. الأمر يحتاج لتغيير بنيوي حقيقي في شكل ومضمون الصحف. مازال هناك فرصة كبيرة لهذه الجرائد، ومازال لها جمهور واسع، بشرط –مرة أخرى- أن تعتمد على الصحافة المتخصصة والاستقصائية والتحليلية. أن تقدم خدمة حقيقية لجمهورها، وبشكل مختلف يتوسع في استخدام الانفوجراف، واستخدام مختلف للصورة وهكذا، وقبل هذا وذاك أن تتوقف عن أن تكون صوتا واحدا، محدد سلفا للحاكم.

4- التوزيع، إحدى المشكلات الضخمة أمام الصحف الورقية بشكلها الحالي. طبعا المشكلات كلها مرتبطة ببعضها البعض، ولكن، لماذا لم تفكر بعض الصحف في أن توزع مجانا؟

5- الإعلانات أهم مصدر لتمويل الصحف الورقية، خصوصا الصحف الخاصة (المستقلة) وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، تراجعت ميزانية الإعلانات للجرائد الورقية مقابل الإعلانات على الويب والسوشيال ميديا، جزء من هذه المشكلة يرجع لتقليدية الإعلان في الصحيفة الورقية ذاتها. يجب أن يتغير هذا الشكل، إلى كوبون –مثلا- يحصل به القارئ على تخفيض على المنتج موضوع الإعلان في الجريدة، أو أن يجمع عددا من الكوبونات ليحصل مزايا في المحلات والمطاعم. هذه ميزة لصالح الصحيفة الورقية ليست متاحة في إعلانات السوشيال ميديا والمواقع الالكترونية.

6- التقرير الدولي للإبداع في الصحف لعام 2011 /2012 أشار إلى تجربة رائدة في أمريكا اللاتينية، تحت عنوان “قف في الطابور يا سيدي المعلن” حيث يصطف المعلنون بداية كل عام، لشراء مساحات إعلانية كبيرة في الصحف مقدما، بأسعار مخفضة. هكذا يكون بإمكان إدارة الصحيفة الوقوف على حجم دخلها للعام التالي، وتحسب التكلفة على أساس “ممسوك”. هذه طريقة مجربة -طريقة واحدة بين أكثر من طريقة- لإنقاذ الجرائد الورقية لو أردنا. أتخيل لو أن صحيفة مصرية، نظمت مزادا بداية العام للمعلنين واستطاعت الحصول مقدما على التكلفة، وقامت بتوزيع إصدارها مجانا (بعد تطوير المحتوى طبعا) أي أفق سينفتح أمام الجرائد الورقية؟

7- إذا، الإعلان المطبوع نفسه لم يتراجع، بالعكس. مازالت سلاسل السوبر ماركت الكبرى، تعلن عن عروضها في شكل يشبه المجلات الصغيرة، وجريدة مثل “الوسيط” الإعلانية توزع حاليا أكثر من الصحف الخاصة مجتمعة ربما، ليس لأنها مجانية، ولكن لأنها تقدم خدمة حقيقية لجمهورها. مازال الإعلان المطبوع يحتل أهمية كبيرة جدا عند المستهلكين، وكبرى سلاسل السوبر ماركتس تعتمد على الفلايرز في الإعلان عن عروضها على سبيل المثال. الجرائد الورقية الآن، تحتاج إلى صيغة تجمع بين “خدمة الوسيط” والصحافة اللطيفة.. وفي “الصحافة اللطيفة” كثير جدا مما يجب أن يُقال، ولكن نصل إلى هذه الصيغة أولا.

8- في التطوير، أو انقاذ الصحافة الورقية لو شئنا الدقة، يجب أن يتغير كل شيء موجود حاليا، بداية من المحتوى، ليعتمد على القصص الطويلة الممتعة التي لن يوفر التصفح على الموبايل إمكانية قراءتها بشكل مريح، وصولا إلى القَطع (المقاس) ليكون أصغر وأبسط. القارئ في المترو يمسك بجريدة، أشبه بجناحي بجعة، وعليه أن يلطم اثنين أو ثلاثة ليتصفحها بحرية!

9- ثمة مساحات فسيحة لم تطأها الصحافة الورقية المصرية بعد، وخطواتها فيها كانت قليلة ومرتبكة، مثل الصحافة المحلية وشديدة المحلية التي تصدر للحي أو المنطقة، وكذلك الصحافة الخدمية التي ستكون بدورها وسيط مهم للمعلنين، والإعلان بها تكلفته أقل من طباعة وتوزيع “فلايرز” للشارع.

10- للأسف، نحن وأقصد الصحفيون العاملين في جرائد ورقية، استسلمنا لمقولة “موت الصحافة الورقية” أو استسهلنا بدلا من العمل على تغيير واقعها لتتواكب مع المتغيرات. هذا ليس سهلا بالطبع، لكن حان الوقت لنبدأ في ذلك.

.

*يحيى وجدي: رئيس تحرير  (منطقتي وسط البلد) جريدة غير دورية تغطي شؤون منطقة وسط القاهرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى