أخبارترجماتسياسة

حيث لا مكان لمحاربين أكثر.. ضغوط لدفع بريطانيا إلى الحرب السورية

تيريزا ماي تنتظر التحقيق في الهجوم الكيماوي وإسرائيل تخشى حلفاء إيران

صورة من الهجوم الكيماوي المُفترض

دفعت الاتهامات الموجهة حاليًا إلى نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بضرب مدينة دوما السورية بمادة كيميائية يُعتقد أنها الكلور، الدول الكبرى وحلفائها إلى مزيد من التدخل في الحرب السورية وشن هجمة عنيفة على الجيش السوري، بل وحثّ دول أخرى لم تتدخل قبلًا على الانضمام إلى هذه الحرب.

آخر الأطراف المطالَبة بالتدخل هي بريطانيا، حيث تواجه رئيس الوزراء البريطانية تيريزا ماي ضغوطًا من الوزراء والحلفاء بالاتحاد الأوروبي للانضمام إلى الهجمة التي يقودها الجيش الأمريكي على الجيش السوري، بعدما أطلقت فرنسا شرارة البدء للانتقام من الهجوم الكيماوي المُفترض للنظام، بحسب صحيفة “تايمز” البريطانية.

ماي صرّحت بأن الأسد، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، “سيخضعان للمساءلة إذا ثبتت مسؤوليتهما عن الهجوم الهمجي” الذي أسقط 40 قتيلًا على الأقل من بينهم أطفال. وشدّدت على أن اتهام أي طرف بالهجوم يحتاج مزيدًا من الأدلة.

وحذّر مسؤولون رفيعو المستوى من خطر فقدان النفوذ البريطاني في العاصمة الأمريكية واشنطن لصالح زيادة النفوذ الفرنسي، في حالة تجاهل بريطانيا طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانضمام إلى “هجوم مشترك” على سوريا. وتعتبر “تايمز” أن رئاسة الوزراء البريطانية تواجه موقفًا محرجًا، حيث ظلت ماي تنتظر أن تتحدث إلى ترامب الليلة الماضية؛ بينما تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون معه بالفعل في اليوم التالي لهجوم دوما مباشرةً.

تيريزا ماي

الموقف البريطاني، في جلسة الأمم المتحدة لبحث الهجوم أمس، كان أكثر اعتدالًا من بقية الأطراف. ففي حين هددت نيكي هالي، سفيرة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة، برد امريكي على الهجوم إذا لم يُفتح تحقيق جديد غير متحيز فيه، قالت السفيرة البريطانية كارين بيرس إن التحقيق هو الوسيلة الوحيدة لمعرفة المسؤول عن الهجوم. ورغم اعتبار روسيا أن الهجوم خدعة بريطانية لتشتيت الأنظار عن قتل جاسوسة روسية بغاز الأعصاب قبل شهر مضى، فقد دعت السفيرة البريطانية روسيا إلى دعم التحقيق في الهجوم.

أحد الوزراء الضاغطين على ماي للتدخل في سوريا هو بوريس جونسون وزير الخارجية البريطاني، والذي قال في فبراير الماضي أن بريطانيا “يجب أن تفكر في رد عقابي على الهجوم الكيميائي الذي ثبت تنفيذه على يد النظام السوري”. وتحدث جونسون إلى نظيريه الأمريكي والفرنسي أمس في إطار سعيه لانضمام بلاده إلى أي فعل مشترك ضد سوريا.

ورأى مصدر عسكري بريطاني أن تصويت البرلمان على قرار التدخل “ليس ضروريًا؛ لكن الكثيرين سيناقشون بسعادة ما إذا كان القرار اتفاقية لا يمكن رفضها، وفي النهاية هذا قرار رئيسة الوزراء”. فيما كتب ويليام هيج، وزير الخارجية البريطاني السابق، مقالًا بصحيفة “تليجراف” البريطانية قاتل فيه إن عدم التدخل الأوروبي ضد الأسلحة الكيماوية سيمنحها “مشروعية”.

ويعتقد مسؤولون رسميون أن ماي ستزِن أي طلب للتدخل في الحرب السورية أمام الضرر المحتمل على ما دعوى بريطانيا بأنها “ضامن للقانون الدولي”. ورفضت ماي توضيح ما إذا كانت ستستدعي أعضاء البرلمان البريطاني من عطلة عيد القيامة للسماح باتخاذ مثل هذا النشاط العسكري المطلوب منها أم لا؛ لكن مسؤولون قالوا أن هذا أمر مُستبعد.

أيضًا حثّ توم توجندات، رئيس لجن الشئون الخارجية بالبرلمان وعضو حزب المحافظين، رئيسة الوزراء على “الحفاظ على حلفائها”، معتبرًا أنه بإمكان بريطانية أن تكون “قانونية” فتنتظر التحقيق، أو أن تكون “واقعية” وتتهم النظام السوري لأنه الطرف الذي يمتلك قوات جوية يمكنها إلقاء القنابل الكيماوية.

ورغم إصرار ماي، يُقال إن مسؤولين بالمقرات الدائمة المشتركة – المسؤولة عن الترتيب للعمليات العسكرية البريطانية حول العالم – ومسؤولين بوزارة الدفاع يبحثون بعناية الإمكانيات العسكرية التي يمكن أن تقدمها بريطانيا في حالة تدخلها بسوريا، والتي قد تتضمن هجوم بغواصة للبحرية الملكية مسلحةً بصواريخ “فأس الحرب” المُبرمجة، أو الطائرات السريعة الخاصة بالقرات الجوية الملكية والتي يمكنها إطلاق صواريخ “ظل العاصفة” المُبرمجة. كذلك تتضمن الاحتمالات العسكرية طائرات تورنادو GR4 التي يمكنها القذف من خارج المجال الجوي السوري، وطائرات التجسس RAF.

على صعيد مختلف تمامًا، وفي حين كان ترامب يخطط لانسحاب قريب لقواته من سوريا قبل أن يضطر إلى البقاء عقب الهجوم الكيماوي، الذي لم يخضع للتحقيق بعد، رأت الكاتبة روبين رايت في مقالة بمجلة “نيويوركر” أن الموقف الأمريكي غير الراغب في مزيد من التدخل بسوريا سينتج عنه توسع في النشاط العسكري الإسرائيلي ضد النظام السوري، لا سيما في الوضع الحالي مع زيادة التدخل الدولي بشكل عام، وفقًا لتصريح مسؤول عسكري سابق للكاتبة.

قوات إسرائيلية على هضبة الجولان المحتلة “أرشيفية”

تشير رايت إلى أن إسرائيل قد شنّت على الأقل 100 هجوم على قوات النظام السوري، أنكرت معظمها؛ لكن هذه الموجات من الهجوم اشتدت في الشهور الأخيرة بينما يجري الفصل الأخير من الحرب الأهلية في سوريا، وكانت آخر الهجمات أمس على قاعدة T4 قرب مدينة حمص السورية.

إيتامار رابينوفيتش، رئيس “معهد إسرائيل” والسفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة، والرئيس السابق للمفاوضات الإسرائيلية مع سوريا، قال لرايت إن “الاستراتيجية الإسرائيلية قد تحوّلت حين أدركنا أن الحرب الأهلية في سوريا قد وُضعت لها النهاية، بحيث يكون المنتصرون هم روسيا وإيران وحزب الله اللبناني ونظام الأسد. حزب الله وإيران أصبحوا أكثر جرأة مؤخرًا”.

وُجدت مخاوف واسعة النطاق، قبل ستة أشهر من الآن، من تحوّل القتال بين إسرائيل وحزب الله إلى حرب رسمية على الأراضي اللبنانية، والتي قد تكون أكثر دموية من الحرب بينهما في 2006؛ لكن المناوشات جرت على الأراضي السورية حيث ضربت إسرائيل الكثير من المواقع بسوريا، منها قوافل لمقاتلي حزب الله وإيران قرب هضبة الجولان المحتلة، والشاحنات التي تنقل الصواريخ والقذائف المتجهة إلى حزب الله باتجاه لبنان، وقواعد الطائرات الإيرانية بدون طيار، ومركز للقيادة والسيطرة الإيرانية.

اعتبر عاموس جلعاد، رئيس معهد السياسة والاستراتيجيات واللواء الإسرائيلي المتقاعد، أن إيران تريد الاستفادة من الفراغ السياسي في سوريا والنصر المُرتقب للأسد وهزيمة تنظيم داعش الإرهابي، كي توسّع من نفوذ حزب الله في لبنان على حساب الأراضي السورية، لا سيما في هضبة الجولان. وتابع: “هذا تهديد استراتيجي وخطة لا تُحتمل. إننا نحاول استباقهم وحماية إسرائيل”.

وتدلل رايت على آراء جلعاد بالمواجهة الأكبر بين إيران وإسرائيل في سوريا، حين حلقت طائرة إيرانية بدون طيار في المجال الجوي الإسرائيلي، وتم تحطيم طائرة F16 إسرائيلية بقذيفة إيرانية مضادة للطائرات، فردّت إسرائيل بهجمات على عشرات المواقع العسكرية على أرض سوريا بما فيها 4 مواقع عسكرية إيرانية تُعتبر “مواقع تحصُّن” لقوات إيران.

“الحرب الهادئة لم تعد كذلك مؤخرًا” وفقًا لتعبير شلومو بروم، وهو قائد لواء متقاعد والمدير السابق للتخطيط الاستراتيجي للقوات المسلحة الإسرائيلية، والذي رأى أن “الهدف الآن هو منع إيران وحزب الله من عبور الخطوط الإسرائيلية الحمراء” عبر منعهما من التواجد بالقرب من الحدود والإضرار بمصالح إسرائيل.

أيضًا اعتبر أفرايم سنيح، قائد لواء متقاعد وعضو سابق بالبرلمان الإسرائيلي “الكنيست”، أن الاتفاقية على مناطق النزاع بين روسيا والولايات المتحدة منحت إيران شرعية كأحد الأطراف المساهمة في سوريا، وقدّمت سوريا لروسيا وإيران. وأضاف: “لدى حزب الله 120 ألف صاروخ وقذيفة موجّهين إلى إسرائيل على الأراضي اللبنانية، ولا نريد مزيدًا من الأسلحة الموجّهة على الأراضي السورية. لا حكومة إسرائيلية، أيًا من كان رئيسها، يمكنها القبول بما نتج أخيرًا عن الحرب السورية”.

قرار ترامب بسرعة الانسحاب من سوريا يجعل إسرائيل أكثر عُرضة لهجمات القوات الموالية لإيران، والتي تتضمن حزب الله وبعض الباكستانيين والأفغان كقوات شبه عسكرية. لذا اختصر رابينوفيتش الموقف في عدم حماس ترامب للاستمرار في سوريا وعدم رؤية مزيد من حلفاء إيران يرسّخون أقدامهم في سوريا، وهو ما يدفع إسرائيل إلى تصعيد تحركاتها في سوريا ويجعلها في موقف “تصادمي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى