مجتمع

“زنقة” المصريين..دورة مياه لكل ربع مليون مواطن

شارع الطيران مدينة نصر

تحقيق- علياء أبو شهبة

سيارة تقف على جانب الطريق، تضيء وتنطفئ إشارات الانتظار عدة مرات، وبمحاذاتها يقف رجل  مديرا وجهه يقضي حاجته في العراء، هذا هو المشهد المعتاد في كثير من الشوارع والطرقات المصرية، مع اختلاف بعض التفاصيل لكن يظل هذا السلوك السلبي هو الراسخ في الأذهان، وهو ما يطرح التساؤل حول دور الدولة في توفير دورات المياه العمومية.

44  هو عدد دورات المياه العمومية المفعّلة في محافظة القاهرة وفقا لتصريحات خالد مصطفى المتحدث الإعلامي لمحافظة القاهرة، وذلك من أصل   175 دورة مياه في المحافظة التي يسكنها أكثر من 10 ملايين  مواطن، بمتوسط دورة مياه عمومية واحدة لكل حوالي ربع مليون مواطن، وهي جزء من 1288 دورة مياه فقط  على امتداد الجمهورية وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء

 “زحمة”  رصد الوضع داخل دورة المياه العمومية الموجودة في ميدان رمسيس بالقرب من محطة القطار، الرائحة المنفرة هي أول ما يستقبل الزائر للحمام، هذا بالإضافة إلى المياه التي تغرق  أرضية الحمام، الذي تلعب فيه قطرات المياه المسربه من بين المواسير سيمفونية من القبح المثير للغثيان، هذا بخلاف مكان قضاء الحاجة الغير صالح للاستعمال الأدمي، إضافة إلى أكوام القمامة من حفاضات الأطفال والحفاضات النسائية، وحوائط تغطيها العبارات البذيئة والشتائم.

خالد مصطفى، المتحدث الإعلامي باسم محافظة القاهرة، قال لـ”زحمة” إن المهندس عاطف عبدالحميد، محافظ القاهرة، تفقد الحمام العمومي الموجود في ميدان رمسيس وأبدى انزعاجه من حاله وطلب التحقيق مع الشركة المشرفة على صيانة الحمام.

وأضاف مصطفى أن المحافظة أسندت مسؤولية تنظيف وصيانة دورات المياه إلى شركات الإعلانات والتي تستفيد من الحيز في وضع إعلانات، ومقابل ذلك تتولى الإشراف على الحمامات، وذلك بعد رفع الأحياء يدها عن غالبية دورات المياه.

صفر المونديال الشهير الذي حصلت عليه مصر عند تقدمها عام 2004 لاستضافة وتنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم؛ كان غياب وجود دورات المياه العمومية سببا أساسيا وراء الحصول عليه؛ وأعقب ذلك إعلان دكتور عبدالعظيم وزير محافظ القاهرة في ذلك الوقت عن إطلاق مشروع كبائن الحمام التي تعمل وفق نظام الكتروني ينظف الحمام ذاتيا عقب كل استخدام، مقابل وضع عملة بقيمة 50 قرشا.

وفي عام 2007 وتحت مسمى “الحمام الذكي” تم وضع 36 كابينة حمام إلكتروني في مناطق مختلفة داخل القاهرة، ومع قيام ثورة يناير أصبحت هذه الحمامات مجرد ذكرى من الماضي؛ حيث تعرض عدد منها للنهب والتخريب وتم رفع بعضها بينما بقى بعضها تغطيه الأتربة والشعارات السياسية.

قال خالد مصطفى المتحدث الإعلامي لمحافظة القاهرة إن غالبية الحمامات تعرضت للنهب، وتوقف المشروع تماما بعد قيام الثورة، لافتا أن المشروع كان بالتعاون مع وزارة السياحة، ونفذت الكبائن الهيئة العربية للتصنيع، وانسحبت شركات الإعلانات عقب ثورة يناير، كان الهدف من المشروع إصلاح الأسباب التي أدت للحصول على صفر المونديال وتم وضعها في الأماكن الحيوية والمزدحمه، والسياحية.

أمراض تلوث دورات المياه

عدم وجود أعداد كافية من دورات المياه العمومية ليس المشكلة الوحيدة، لأن عدم نظافتها مشكلة خطيرة ينتج عنها ضرر للمستخدمين، أوضحته دكتورة هدى أحمد، أستاذ الأمراض الجلدية والتناسليه في جامعة عين شمس، والتي قالت إنه يعرض للإصابة بأمراض جلدية والتهابات، منها الالتهابات الداخلية والفطرية وفي بعض الأحيان السنط الفيروسي، نافية أن يكون مسببا للإصابة بأي أمراض تناسلية مثل الزهري والسيلان.

وأضافت أنها من خلال الحالات التي تستقبلها لاحظت وجود إصابات بمرض السنط وذلك نتيجة استخدام دورات المياه الملوثة.

الإصابة بإلتهاب المسالك البولية وما ينتج عنها من ضرر، من المخاطر التي يمكن أن تواجه مستخدمي دورات المياه غير النظيفة وفقا لما ذكره دكتور أيمن صلاح موسى، أستاذ المسالك البولية، وقال :” استعمال أي حمام ملوث يؤدي لانتشار عدوى إلتهابات مجرى البول والحالب، وتتم عن طريق التلامس مع جسم ملوث، والأكثر عرضة للإصابة السيدات والأطفال بحكم طبيعة التبول والحاجه للجلوس، لذلك ينصح باستعمال المطهرات وأكياس بلاستيك تمنع تلامس الجسم مع الحمام”.

“نهلة وجيه” سيدة عشرينية يتطلب عملها مندوبة مبيعات لإحدى شركات الألبان التنقل بين محلات السوبر ماركت، وفي فترات العروض تستقر في إحداها للترويج للمنتجات، وتقول:” نظرا لطبيعة عملي غير المستقرة كنت أبحث عن أقرب مطعم أو مول تجاري، وأحيانا أستخدم نفس دورة المياه الخاصة بالعاملين في السوبر ماركت؛ إلا أنني أًصبت بألام شديدة في المثانة لاسيما أثناء التبول وأصبت بحمى شديدة علمت بعدها إصابتي بميكروب نتيجة استخدام دورة مياه ملوثة”.

دورة مياه في شارع الجلاء بالقاهرة

خطورة حبس الفضلات

اللجوء لحبس البول والبراز طوال مدة التواجد خارج المنزل، هذا هو الاختيار الذي يلجأ إليه الكثيرون مضطرين إلى ذلك بسبب التخوف من الأمراض التي تنتقل من خلال دورات المياه الملوثة.

إلا أن هذا الأمر ينتج عنه الإصابة بعدة أمراض ويحذر منه الأطباء بشدة، يقول دكتور أيمن صلاح موسى، أستاذ جراحة الكلى والمسالك البولية إن حبس بكل ما فيه من سموم وفضلات يضر الجسم لأنه بمثابة تراكم للقمامة داخل المنزل لعدة أيام، وإذا كان البول نظيفا يؤدي إلى اضطراب عضلة المثانه وضعفها، ما يؤدي إلى الإصابة بألالام عند التبول وحرقان.

يكمل:” وفي حالة إذا كان البول به أملاح أو التهابات، فإن حبس البول يسبب الضرر للجهاز البولي يتبعه تكوين حصوات وحدوث التهابات، وتراكم الأملاح يؤدي إلى تكون كريستالات تكون حصوات ويبدأ الانسداد في مجرى البول الذي يحتاج للتدخل سواء بالمناظير أو الجراحه، وفي المراحل المتقدمة تعجز الكلى عن إنزال البول ويحدث تمدد وتضخم وينتهي بالفشل الكلوي.

وأوضح دكتور ناصف منير، استشاري الجهاز الهضمي أن حبس البراز له الكثير من المخاطر نتيجة حبس فضلات الجسم، ومن هذه المخاطر الإخلال بمنظومة الهضم والإصابة بالألم فضلا عن الإصابة بالإمساك وأخيرا الإصابة بالبواسير.

الإصابة بالحصوات الكلوية، هذه هي الشكوى الصحية التي تلازم نوران لطفي، العاملة في مجال التسويق بإحدى شركات الدواء، وتقول:”منذ صغري أشعر بالقرف من استخدام الحمامات خارج المنزل؛ لذلك أفضل الانتظار لحين العودة لمنزلي، وفي المقابل أقلل من شرب أي سوائل، رغم تحذيرات الطبيب المتكررة”.

دورة مياه- رمسيس

هل الرجال أكثر احتياجا للتبول؟

الصورة الراسخة في الأذهان لتبول الرجال في الشارع تخلق لدى البعض تصورا بأن الرجال أكثر احتياجا للتبول بشكل دائم عن السيدات، إلا أن هذه المعلومة ليست صحيحة وفقا لدكتور أيمن صلاح موسى، أستاذ جراحة الكلى والمسالك البولية فإن احتياج كل من الرجال والسيدات لاستخدام للتبول متساوية، ولكن هناك عوامل مؤثرة منها العمر على سبيل المثال فمثانة الأطفال قدرتها محدودة على تخزين البول.

وأضاف أن مرضى السكر وتضخم البروستاتا الذي يصيب الرجال بعد سن الخمسين يزيد من احتياجهم للتبول، وأيضا مرضى التهابات مجرى البول، والحصوات الكلوية، والمثانه العصبيه؛ وهو عرض يصيب البعض نتيجة التوتر تظهر الحاجه لتفريغ المثانة.

وقال دكتور أنور جميل ، استشاري أمراض النساء، إن النساء لديهن احتياج للتبول يزيد في فترة الحمل وأيضا مع تكرار الحمل تضعف عضلة المثانة ويزداد احتياجهن للتبول.

 “اليوم العالمي للمراحيض” تحت هذا المسمى تخصص منظمة الأمم المتحدة يوم 19 نوفمبر من كل عام للتأكيد على أهمية توافر دورات المياه النظيفة في جميع أنحاء العالم.

ووفقا للموقع الإلكتروني لمنظمة الأمم المتحدة فإن اليوم يركز على الوصول إلى 2.4 مليار شخص يعيشون بدون مراحيض. وركز موضوع هذا العام على ” دورات المياه  وفرص العمل”، مع التركيز على تأثير توفر الصرف الصحي أو عدم وجوده على معيشة الناس.

تلعب دورات المياه دورا حاسما في خلق اقتصاد قوي، فضلا عن تحسين الصحة وحماية سلامة الناس وكرامتهم، وبخاصة النساء والفتيات.

تأثر السياحة

قلة دورات المياه العمومية وتدني مستواها فضلا عن انتشار التبول في الشارع، كلها عوامل سلبية تأثرت بها السياحة، وبنبرة يغلب عليها الحزن تحدث عبدالرحمن أنور، عضو غرفة شركات السياحة في الغرفة التجارية،والذي بدأ حديثه قائلا:”هي فين السياحة أصلا” هكذا بدأ حديثه، مشيرا إلى الفنادق الفارغة والمغلقة نتيجة نسبة الاشغال الهزيلة.

وقال لـ”زحمة” إن قلة توفر دورات المياه وتدني مستواها عامل مؤثر على السياحة بدرجة كبيرة، مضيفا أنه تم توفير كبائن حمامات متنقلة في منطقة الأهرامات، “طول ما فيه عامل بشري الخدمة سيئة لازم يكون كله إلكتروني”.يقول أنور لافتا إلى ضرورة أن يكون تنظيف الحمامات إلكترونيا لتجنب عوامل الفشل في مشروعات سابقة، وذلك بمقابل مادي قدره واحد يورو وهو مبلغ ليس كبيرا بالنسبة للسائح، لكنه يشجع الشركة المشرفة على الحمامات لتقديم خدمة مميزة.

الأثر البيئي

خطورة قضاء الحاجه في الشوارع ليست  فقط في خدش الحياء العام أو لكونه سلوك غير إنساني، لكنه أيضا ملوث خطير للبيئة وهو ما أوضحه دكتور عماد حمدي، مدير التفتيش البيئي في جهاز شؤون البيئة فرع القاهرة، والذي قال لـ”زحمة” إن التبول في الطرقات بعيدا عن المراحيض خطير جدا لأن البول في معظم الأوقات يتراكم في نفس المنطقة ويتحلل ويخرج منه مادة اليوريا ومادة الأمونيا وهي مضرة وتسبب الحساسية للعين والأنف، وتكمن خطورته في أنه عادة ما يتم التبول أسفل الكباري التي يقام إلى جوارها أماكن لبيع المشروبات الساخنة”.

يكمل قائلا:” كما أن التبرز في الشارع أمر شديد الخطورة؛ بعيدا عن الرائحة السيئة،لأن البراز يمكن أن يكون حاملا الديدان والطفليات والفطريات، وبالتالي قضاء الحاجة في الأماكن العامة ينتج عنه انتشار هذه الحويصلات والتي تتحول في النهاية إلى تراب وتنتقل عن طريق الرياح، ويمكن أن تطال هذه الرياح الخضراوات والفواكه والخبز، أو أي مأكولات معروضة،ويمكن أن تنتقل هذه الحويصلات الضارة من خلال القطط والكلاب والقوارض من خلال مشيها عليها فتنقلها بأرجلها”.

وأضاف مدير التفتيش البيئي في جهاز شؤون البيئة، أن انتقال بويضات بعض ديدان البراز يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات أخطر نتيجة تناول طعام تعرض لهذه الديدان؛ ما يؤدي إلى ظهور الديدان خلف العين، وهو مرض في منتهى الخطورة.

وأوضح دكتور عماد حمدي أن خطورة الأمر في عدم الوعي بمخاطر قضاء الحاجة في الطرقات، مؤكدا على أهمية توفير الدولة لدورات مياه آدمية، لافتا إلى الأثر الاقتصادي الناتج عن هذه المشكلة والذي ينتج عنه التغيب عن العمل إضافة إلى نفقات العلاج.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى