سياسة

النيابة تستبعد تورط أجهزة الأمن.. الجارديان: من قتل ريجيني؟

لا إشارات لضغوط ستمارسها إيطاليا على مصر سوى بعض الخطب ولا وجود لمشتبه بهم من بين أجهزة الأمن

الجارديان – ستيفان كريتشيانسر – روث مايكلسون – ترجمة: محمد الصباغ

الإيطالي جوليو ريجيني، 28 عاماً وطالب الدكتوراه بجامعة كامبريدج، كان في طريقه يوم 25 يناير لمقابلة أحد أصدقائه عند مغادرة شقته بالقرب من محطة مترو البحوث بالقاهرة .

كان يوماً متوتراً في الضاحية الصاخبة غرب النيل، حيث البائعون في الشوارع يعرضون نظارات شمسية بلاستيكية رخيصة، وكتب وأحذية.  كان يوافق الذكرى الخامسة لبداية الثورة المصرية التي أطاحت بحسني مبارك ،والتوترات انتشرت عبر المدينة بعد أسابيع من أنشطة أمنية مكثفة تهدف إلى إجهاض أي مظاهرات مؤيدة للديمقراطية.

وكان أيضاً اليوم الأخير الذي شوهد فيه ريجيني حياً.

بعد تسعة أيام  -وعقب أيام من إعلان وزير الخارجية الإيطالي بأنه قلق بسبب اختفاءه الغامض- وُجدت جثة ريجيني بحفرة على طريق سريع بين القاهرة والإسكندرية. وبفحصها في روما وُجد أنه تعرض لتعذيب وحشي قبل وفاته: تعرض للحرق، والضرب، والتشويه. نُزعت أظافره وعانى من كسر في الفقرات ونزيف في المخ.

بالنسبة للخبراء الذي يتابعون مصر وسجلها السيئ فيما يتعلق بحقوق الإنسان، يحمل اغتيال ريجيني كل بصمات القتل خارج القانون الذي تقوم به جهاز الشرطة في الدولة، والذي يعتقد أنها خلف مقتل 474 مصري في عام 2015 فقط.

لكن مقتل ريجيني خارج كتالوج الرعب: اغتياله هو الأول من نوعه لأكاديمي أجنبي وباحث يعمل في القاهرة، نوع الشخص الذي من المتوقع أن يتعرض لمضايقات أو حتى ترحيل، لكن من كان يتوقع حدوث ذلك لشخص ”محمياً“ بجواز سفره.

لم يشر كبار المسؤولين في إيطاليا بأصابع الاتهام إلى مصر. ولم يبتعدوا عن الإشارة إلى أن الدولة المصرية يجب أن تجد إجابة على الجريمة.

فقال رئيس الوزراء الإيطالي ،ماتيو رينزي، إن إيطاليا لن ترضى ب”حقيقة مريحة.“

وأضاف: ”لأننا أصدقاء –مع مصر- نريد المسؤولين الحقيقيين، أسمائهم وألقابهم. لو اعتقد أحد أنه باسم اللباقة السياسية يمكن أن نقبل بحقيقة غير مكتملة، نحن إيطاليا.. الحقيقة وراء قضية جوليو ليست خياراً أو رفاهية.“

وهو المطلب الذي نادى به أيضاً وزير الخارجية باولو جينتيلوني، حيث طالب بتعاون ”كامل من السلطات المصرية“ في التحقيقات.

أما في إيطاليا فقد تكهنت الصحف بسبب مقتل ريجيني، ومن بين النظريات أنه كان يعمل على بحثاً حساساً حول النقابات العمالية في مصر، والعلاقات التي كان يصنعها، وحتى عمله بالصحافة وكتاباته لمقالات بجريدة المانفيستو تحت اسم مستعار تنتقد الحكومة المصرية.

فيما نفت عائلته بعض التقارير في الصحافة الإيطالية بأنه عمل لصالح الإستخبارات الإيطالية.

مازال الخبراء في حالة حيرة بسبب ظروف مقتله. هل كان نتيجة لخطأ غريب بسبب الإهمال، ارتكبه مناصر متعصب؟ أم ساقته أقدامه بين مجموعة من الأشخاص المشبوهين عموماً؟ أم تم استهدافه لسبب محدد؟ ولو الإجابة كانت الأخيرة، فلماذا؟

يقول رفايل ماركيتي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة لويس في روما، إن التفاصيل التي ظهرت إلى الآن تشير بوضوح إلى تورط المخابرات أو أجهزة أمنية، لكن الذي من الصعب استيعابه هو لماذا يُستهدف مواطنًا إيطالياً، بسبب الضجة التي ستحدث بشكل واضح.

أما الباحثة  جامعة واشنطن، مارينا كالتشوللي، والتي عملت بسوريا ومصر، فقالت سواء كان القتل كان على يد النظام أم لا، فالحكومة تتحمل المسؤولية ”لأن ذلك لم يكن ليحدث في أجواء لا تشهد عمليات قتل خارج القانون بشكل يومي.“

وأضافت: ”قضية ريجيني غريبة لأنه كان محتجزاً لأيام. ربما يكون قد احتجز وعُذب كنوع من هستيريا معاداة الأجانب أوالباحثين وربما تخطوا الحدود ولم يستطيعوا العودة.“

وأكملت: ”لا يمكنك ببساطة إطلاق سراح أجنبي تم تعذيبه، لأنك تُظهر أمام العالم ما تمارسه في سجونك.“

أصبحت القضية مشكلة دبلوماسية بين الدولتين التي تربطهما علاقات اقتصادية وعسكرية وثيقة. لكن لا دليل –بعيداً عن بعض الخطابات- بأن إيطاليا ستمارس ضغطاً على مصر.

عثر على جثة ريجيني أثناء وجود وزيرة التجارة الإيطالية ،فريدريكا جيدي، في مصر ضمن وفد اقتصادي ضم شركات إيطالية في مجال الطاقة. وقام الوفد بقطع زيارته سريعاً.

ربما أهم علاقة اقتصاية التي تربط الدولتين تتركز حول شركة إيني الإيطالية المدعومة حكومياً، والتي اكتشفت العام الماضي حقل غاز عملاق في مصر. وأعلنت عن خطط تطوير للموقع، للمساعدة في تلبية احتياجات مصر من الغاز الطبيعي لعقود.

وربما الأكثر أهمية أن إيطاليا قد تعتمد على دعم مصر السياسي فيما يتعلق بتدخل عسكري محتمل في ليبيا.

على الرغم من ذلك، في وزارة الخارجية المصرية تحدث بعض المسؤولين بشرط عدم الإفصاح عن أسمائهم، ووصفوا الإيطاليين يأنهم ”يريدون الثأر… يريدون شخصاً مذنباً باسم محدد.“

في إيطاليا، التساؤلات حول ما حدث ركزت حول لماذا قد يمثل ريجيني تهديداً. وفقاً للجميع، كان شاباً طيباً. يتحدث خمس لغات –الإيطالية، والإنجليزية، والإسبانية، والعربية، والألمانية- وكان يتعبر كاتباً جيداً ويعمل بجد.

تقول المحامية راجية عمران، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان: ”شخص مثله، يتحدث العربية ويتحدث عن قضايا مثل هذه يثير الدهشة، ليس كما ينبغي أن يحدث،“ وأضافت مشيرة إلى المناخ المتزايد من الاشتباه في الأجانب، والذي ينتج عنه عادة اتهامات بالتجسس أو الإثارة ضد الحكومة: ”نعيش في مناخ به كراهية للأجانب. من المفزع أن يكون التعامل مع الأشخاص الذين يزورون مصر بتلك الطريقة.“

سمّى مصدر في الجامعة الأمريكية بالقاهرة ثلاثة أشخاص درسوا العلاقات العمالية في مصر –الموضوع الحساس- وتم اعتقالهم أو ترحيلهم أو منعهم من دخول البلاد منذ 2011.

وحمل نشطاء في الأسبوع الماضي بحرم الجامعة الأمريكية، جاء فيه: ”مقتل ريجيني ليس حالة فردية. غطاء الجامعة الأمريكية لن يحميك.“

وفقاً لمكتب النيابة العامة بالجيزة، بدأت التحقيقات في قضية ريجيني يوم 27 يناير، لكن حسام نصار، من هذا الفرع من النيابة، أكد أن منزل ريجيني لم يتم تفتيشه إلا بعد مرور خمسة أيام على اكتشاف جثته.

أما وزير الداخليةالمصري فقال في بيان الأربعاء: ”قادت التحقيقات إلى احتمالات من بينها الشبهة الجنائية أو الرغبة فى الانتقام لدوافع شخصية، خاصة وأن الإيطالي يتمتع بعلاقات متعددة بمحيط محل إقامته ودراسته.“

فيما قال أحمد ناجي رئيس نيابة الجيزة من قبل إن التحقيق يجب أن يركز على الأشخاص الذين هم على علاقة بريجيني في مصر. وقال: ”التحقيقات مازالت تحاول إيجاد من كان يتعامل معه أثناء وجوده في مصر، ومن كان أصدقاؤه حين كان هنا، وإما إذا كان لديه مشاكل مع أحد، ومن كان آخر المتصلين به أو من قابلهم.“

مثل تلك التحقيقات حول حياته وعلاقاته الشخصية أضافت إلى التكهنات أن علاقته بالنشطاء المندمجين بالحركة العمالية جعلته مستهدفاً، وأضافت ضغط على أصدقائه المقربين لتجنب الحديث إلى وسائل الإعلام، خوفاً على سلامتهم اشخصية.

لم يتضمن بيان الداخلية أي إشارة إلى إحتمالية تورط أجهزة الأمن في مقتل ريجيني، وكلاً من ناجي ونصار جعلوها واضحة أنه لا رجال الشرطة ولا مسؤولين أمنيين سيتم استجوابهم كمشتبه بهم في علاقتهم باختفاء ريجيني أو مقتله.

فقد قال ناجي: ”استجواب رجال الشرطة والقوى الأمنية سيحدث، لكننا لسنا في تلك المرحلة بعد.“ وفي حين قال إن التحقيقات تتبع الخيوط حول أصدقاء ريجيني، ”لا يوجد موعد محدد لبدء المرحلة التالية.“

فيما قال نصار إن :استجواب أي رجال شرطة لن يكون باعتبارهم مشتبه بهم، بل بسبب معلوماتهم وتحقيقاتهم حول قضية ريجيني.“ ورفض التعليق عنذ سؤاله عما إذا كان ريجيني تحت المراقبة قبل مقتله أم لا.

من المتوقع أن تقوم أجهزة الأمن المصرية بمهمة تكوين قائمة المشتبه بهم، وجعل من غير المحتمل أن يتم استجواب رجال شرطة أو مسؤولين أمنيين في تلك القضية.

وقال نائب وزير العدل لشؤون الطب الشرعي ،شعبان الشامي: ”الأجهزة الأمنية فقط هي من ستقول من نفذ الفعل. نرسل تقاريرنا إلى النيابة، ويعمل المحققون من خلال الأجهزة الأمنية وتقرر التحقيقات من فعل ذلك. ما نقوم به هو تقديم الدليل المادي في القضية.“

ورفض الشامي ،كغيره من المسؤولين، بشكل غير مباشر الرد على التقارير بتعرض ريجيني للتعذيب.

فقال: ”جرائم القتل تختلف عن الجرائم الأخرى –اللص له طريقة محددة في السرقة على سبيل المثال. لكن هناك ألف طريقة لقتل شخص ما.“ وأضاف أن طبيعة الإصابات لن تحدد من قام بتنفيذ الجريمة.

وتابع: ”بعض الإصابات قد تشير إلى طبيعة الجريمة لكن لا تظهر أبداً الفاعل.“

تعقد منظمات المجتمع المدني أملاً قليلاً على حدوث تحقيقات عادلة.

يقول حسين بيومي ،من المفوضية المصرية للحقوق والحريات: ”سيتم التحقيق في القضية لكن من المستبعد أن تحاكم الحكومة أحد أفرادها.“

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى