سياسة

نيويورك تايمز: القصة الغريبة للمصري أحمد الزيات.. ملك البيرة والخيل، واليهودي الملتزم

نيويورك تايمز: صنع ثروته من البيرة في مصر، واكتسح حصانه أهم مسابقة أمريكية

حفيد المفكر المصري أحمد حسن الزيات وابن علاء الزيات الطبيب الشخصي للرئيس السادات.. ويعرفوه الأمريكيون باعتباره يهودي ملتزم

أحمد الزيات – بالنظارات الطبية

نيويورك تايمز – جوي دراب – ترجمة: محمد الصباغ

لفت الحصان “هيب رقم 85” الانظار إليه منذ صيفين ماضيين قبل أن يردد كل محبي الخيول اسمه الجديد “الفرعون الأمريكي”. كان كبيراً و جميلاً في عامه الأول  مع الخدش الموجود على ظهر كاحله الأمامي والذي بدأ بالتمدد. أخذ سعره في الإنخفاض في كل مرة يشاهده المشترون المحتملون يسير وسط الإسطبلات في مزاد “فاسيج تبتون ساراجوتا” في نيويورك.

آمن جيف سيدر وباتي ميلر أن رقم 85 كان أفضل حصان على الأرض، وأخبروا بذلك مالكه و مربيه أحمد الزيات بألا يبيعه. يعمل سيدر و ميلر كسماسرة للخيول الأصيلة وهم مبدعون ويعتمدون على العلم وقواعد البيانات من أجل الوصول سريعاً إلى الخيول المحبوبة وإيصالها إلى عملائهم.

علم سيدر أن سباقات الزيات وتربيته للخيول كانت وسط تسوية رفيعة المستوى لمشكلة إفلاس. وهنا قال للزيات: ”بع منزلك ولا تبيع هذا الحصان“. وأضاف ”هذا هو مخرجك.“

كانا على حق. في يوم السبت، سيحاول الفرعون الأمريكي الفوز بلقب “بيلمونت ستيكس” ليكون الفائز رقم 12 بالتاج الثلاثي، والأول منذ عام  1978. (فاز الحصان بالفعل بالسباق- المحرر

لم يكن الحصان هو الحل السحري للزيات،52 عاماً، الذي صنع ثروته في بلده الأصلي مصر من بيع البيرة. هو الأكثر نجاحاً بين ملاك خيول السباق الأصلية والأكثر جدلاً. نتج عن انغماسه في المراهنات وأعماله الأخرى ملاحقات قانونية لا تعد ولا تحصى، ولفت بعضها انتباه منظمي السباقات.

في رياضة ارتبطت طويلاً بالشخصيات الكبيرة، أصبح الزيات عملاقاً بمزج تلهفه القديم إلى المراهنات بوسائل التواصل الإجتماعي التي تسود هذا العصر الحديث. لا يخفي سراً أنه يراهن على الخيول بمبالغ تصل إلى 200 ألف دولار أسبوعياً. وهو كثير التحدث مع معجبيه على تويتر و يقيم منافسات بينهم يسمح لهم فيها بإطلاق أسماء على خيله.

يمكن للزيات أن يكون رحيماً، وأيضاً متنافساً ويقود بقوة الصفقات الضخمة والصعبة مع شركاء أعماله والممتنعين عن المدفوعات. في حوار استمر ساعتين بمكتبه بهاكينساك بنيو جيرسي، أظهر دائرة من العواطف، بداية من الدموع حتى الوجه الأحمر الغاضب  أو التوبيخ قبل الخروج من الغرفة.

ثم بصوت ناعم قال: ”أنا رجل شرقي. لدي مزاج متقلب. أنا غاضب لشعوري بالانتهاك من قبل حملة تهدف إلى تشويهي.“

الفرعون الأميركي أول فائز بالتاج الثلاثي منذ عام 1978

في عام 2006، قدم الزيات نفسه كلاعب رئيسي في سباقات الخيول بشراء مهر صغير من مزاد “بلو تشيب كينلاند” مقابل 4.6 ملايين دولار.  بدأ حبه لركوب الخيل منذ صغره في أحد الضواحي الراقية بالقاهرة.

كانت عائلة الزيات مرموقة في مصر، فجده أحمد حسن الزيات كان مفكرا بارزا أسس مجلة الرسالة الأدبية المشهورة. ووالده، علاء، كان ‘طبيبا وأستاذا يدرس الطب في الجامعة وكان الطبيب الشخصي للرئيس أنور السادات.

مول الزيات عمله في سباقات الخيول من مبيعات شركة الأهرام للمشروبات، وهي شركة بيرة كانت مملوكة للدولة وقام بشرائها عام 1997 ثم قام ببيعها لشركة هاينكن مقابل 280 مليون دولار أي بأربعة أضعاف الثمن الذي دفعه فيها.

يقول دانيل كورتزر، السفير الأمريكي لمصر في تلك الفترة: ”التعاملات التجارية في بداية فترة الخصخصة كانت مبهمة، لكن عائلته كان لديها اتصالات جيدة جداً مع المسؤولين الكبار في الحكومة، لكنه قام بأشياء مدهشة ليعبر ذلك.“

في البداية، كان على الزيات أن يبدأ بفكرة بيع البيرة للمسلمين والمستثمرين الدوليين في جهد يهدف إلى ربح مقداره 70 مليون دولار. لم تكن منتجاً جيداً، و كان هناك مزحة شائعة حولها تقول إنه في حال عدم وجود وقود الديزل فيمكن أن تستعمل البيرة مكانه لتشغيل الآلات.

وعمل أيضاً على حل نزاع حول ملكية أرض المصنع، وجمع الأموال لذلك من خلال بيع أسهم الشركة لبورصة لندن للأوراق المالية بدلاً من الاقتراض من البنوك. كما كان رائداً في فكرة تقديم البيرة الخالية من الكحول إلى البلد المسلم المحافظ.

كان من ضمن التفكير في القادم أيضاً إطلاق اسم موسى الميموني على مهره الذي دفع فيه 4.8 مليون دولار، وذلك تيمنا بالفيلسوف اليهودي الكبير موسى بن ميمون. وقال في ذلك الوقت كمسلم: ”أريد أن أقول شيئاً من خلال الأداة التي أملكها وهي الخيل. أريد أن أكون داعماً للسلام. و اريد الحديث عن حب الجيران.“

أشار أيضاً إلى حقيقة معقدة في حياته. أمام الجمهور يتم تعريف الزيات على أنه مسلم ويهودي. في الحقيقة الزيات، الذي تخرج من جامعة يشيفا، كان سخياً نحو القضايا اليهودية. يعيش مع زوجته و أربعة أبناء في منطقة أرثوذكسية حديثة بها فندق تيودور ومنازل على الطراز الفيكتوري ومعروفة باسم ويست انجلوود بتينك بولاية نيوجيرسي. يحافظون على الشرائع اليهودية حتى في ترتيباتهم للسباقات وإذا لم يستطيعوا فإنهم يمشون على الأقدام إلى مكان السباق كما حدث في سباق بريكنيس حتى يتجنبوا قيادة السيارات يوم السبت.

يقول ستيفن بروزانسكي، حاخامهم في بني يشرون، أحد أكبر المعابد الأرثوذكسية اليهودية في تينيك: ”إنها عائلة رائعة وعطوفة، ونشيطة و حماسية.“

وعندما سألناه عن ديانته قال الزيات ”لماذا تهتمون؟ لماذا يعنيكم الأمر؟ إنه مسألة شخصية.“

جيف سيدر وكيل الخيول قال للزيات: بع منزلك، ولا تبيع هذا الحصان

بحلول عام 2008، ربحت إسطبلات الزيات حوالي 6.9 مليون دولار، متفوقة على كل النظراء في أمريكا. وفي العام التالي، عادل هذا المجموع، ووالد الفرعون المصري المسمي برائد النيل جاء في المركز الثاني بسباق كنتاكي. كما يعد الزيات من أنشط المشترين للخيول فدفع  “بلود هورس دوت كوم”.24.5 مليون دولار في 77 حصاناً عام 2009 وفقاً لموقع

مع تضخم أعداد الخيول باسطبله إلى 250 حصانا، أبهر الزيات الناس ولمع بينهم. وقام بتعيين ثم فصل بوب بافرت، مدرب الفرعون الأمريكي الذي دخل إلى قاعة المجد، كما قام بنقل خيول من إسطبل إلى آخر فقط حسب أهوائه.

يقول بافرت الذي يدرب ستة من خيول الزيات الآن ومنها الفرعون الأمريكي: ”كان يحاول التحكم بكل ما أفعله، يغضب دائماً، ويصل ذلك إلى الناس.“

وصل حماس الزيات  ورغبته في الفوز إلى الرأي العام قبل 2009، عندما قال في لقاء تليفزيوني إنه كان ينوي مساعدة الفائز بسباق كنتاكي ذلك العام بابقاء الجواد (راشيل أليكساندرا) خارج المنافسة. جاء حصانه (رائد النيل) في المركز الثاني في هذا السباق، وكلا المالكان سيزيدون من فرصهم بالفوز من خلال ملئ بوابة حلبة بريكنس للسباقات بالخيول.

بينما قاطع الملاك الآخرون الفكرة، وأصبح راشيل أليكساندر أول حصان يفوز بالجولة الثانية من التاج الثلاثي منذ 85 عاماً.

كان هناك عثرات علنية أخرى. يقول الزيات إنه درس بهارفارد، وهو الادعاء الذي تواجد لعقود وظهر في سيرته الشخصية على المواقع الالكترونية لشركته والجهات التي تعاون معها، وشمل ذلك الرابطة الوطنية لسباقات الخيول. ثم كرر هذا الادعاء خلال طعن قدمه في قضية منظورة أمام المحكمة تتعلق بديون القمار هذا الأسبوع.

منذ عامين، قال محامي الزيات، جوزيف فان: ”للأسف، في بدايات حياته المهنية كان هناك معلومات مغلوطة حول تعليم الزيات“ التي تم تكرارها كثيراً في الصحف. وفي مقابلة حديثة قال الزيات إنه تم قبوله ثم انتقل من جامعة هارفارد. بينما قال متحدث باسم الجامعة إنه لا وجود لسجلات حضور للزيات هناك.

في سباقات الخيول يفضل عند إدارة الاعمال توقيع العقود، لكن المصافحة بالأيدي شئ مقبول، والدفع البطئ أفضل من عدم السداد مطلقاً. في عام 2010، عندما تقدمت اسطبلات الزيات بطلب لحمايتها من الإفلاس، قدمت وثائق المحكمة اقتراحاً بالقيمة التي ستكلف الزيات من أجل إبقاء أعماله في صدارة ترتيب الملاك.

أشارت الوثائق القضائية إلى إدعاءات عن الزيات تتعلق بعاداته السيئة في ممارسة القمار وسوء سجله في مجال سداد الفواتير حتى أن أغنى أغنياء صناعة تربية الخيول تنتظر منه أن يسدد فواتيره لها، وأبزرهم شركة كينلاند للمزادات، ومزارع الاغذية المملوكة لحكام دبي الشيخ راشد بن مكتوم والمدربين وناقلي الخيول.

قال بنك (فيفث ثيرد) إن إسطبلات الزيات تعثرت في سداد أكثر من 34 مليون دولار اقترضها الزيات عندما خسر اسطبله أكثر من 52 مليون دولار من 2006 إلى 2008. كما ادعت أيضاً أن الزيات لم يكشف عن إفلاسه الشخصي السابق تحت اسم إبراهام ديفيد زيات وأنه سحب مليوني دولار من حسابات الإسطبل، بالإضافة إلى راتب 650 ألف دولار في العام الذي سبق وأن طلبه للحماية من الإفلاس.

وقال الزيات إن إبراهام زيات كان واضحاً في حساباته الإئتمانية.

صنع الزيات ثروته من بيع البيرة في مصر

تحت اسم الزيات، دفع الإسطبل 1.2 مليون دولار لحساب مراهنات نيوجيرسي، و 350 ألف دولار لحساب لاس فيجاس ساندز، و 150 ألف لحساب كازينو بالمزن و 100 ألف في حساب “إن إتش بلاي دون كوم”، و هو موقع للمراهنات على سباقات الخيول.

يقول الزيات الذي وافق على تسوية مع دائنيه في 2014: ”كل شخص دفع له 100% على كل دولار.“

وأضاف أنه أقام دعوى قضائية ضد أحد البنوك الذي لم يفي بوعوده تجاه إسطبله.

ويقول: ”أحمد الزيات رجل ثري، الحمد لله! لقد ربحته. كان ذلك بسبب طريقة الدفاع التي اعتدت انتهاجها.“

مازال المزارع في كنتاكي لا تتعامل مع الزيات، ومنهم ستوك بلاس فارم، حيث ولد الفرعون الأمريكي، وأيضاً مزرعة تايلور ميد حيث بقي فيها لشهور قبل مزاد ساراتوجا. الكل يطلب أن يحصل على أمواله مقدماً.

يقول الزيات إنه كان ”سخياً للغاية“ مع الناس الذين يقولون الآن إنه لم يسدد فواتيرهم. أما عن ولعه بالقمار، فاعتذر. ويقول إنه يراهن كثيراً لأنه يتحمل تلك التكلفة. ويؤكد: ”أحب المراهنة على الخيول، كل منا له محفظة حجمها مختلف.“

كما قال أيضاً إنه يراهن من أجل توفير مصدر أموال للإسطبل ”تغطية للمخاطر“.

في عام 2013، قام ملاك حلبة سباق “فري هولد” بنيوجيرسي برفع دعوى قضائية وأدعت أن الزيات حصل بشكل خاطئ على حسابه في المراهنة على الإنترنت في الولاية. تحظر الولاية المراهنة بمبلغ أكبر مما هو متواجد في حساب الشخص، لكن أوراق المحكمة أظهرت أن الزيات لم يكن قادراً على دفع 200 ألف دولار كتأمين لأنه كان يدفع أسبوعياً 200 ألف دولار، ووضع 9 ملايين دولار في السباقات.

أظهرت الوثائق أيضاً أن شيكاً بمبلغ 100 ألف دولار من الزيات للسلطة الرياضية كان قد رفض بسبب عدم كفاية الأموال، و أنه توقف عن دفع مبلغ بنفس القيمة.

يقول الزيات إنه تلقى معاملة خاصة جداً يقدرها. ويضيف: ”كنت عميلاً أراهن بشكل قانوني وفخور بدعم حلبات سباق نيوجيرسي الولاية التي أحبها.“

من ضمن داعمي الزيات الكبار ”ماري إلين موديكو“، التى لم تذكر في أوراق المحكمة. ماري لم تلتقي الزيات مطلقاً، وتحدثت معه مرات قليلة. لكنها ستكون في “جراند بلمونت” مع زوجها لمؤازرته. وتقول إن ابنها نيك علم بإصابته بسرطان نادر في العظام عندما كان يدرس بكلية بوسطن في2012. لم يستسلم نيك واستمر في التدوين وانهى دراسته في التمويل والتسويق واستمر في شغفه بسباقات الخيول. وفي رحلة رتبها لزيارة كيينلاند كون صداقة مع الزيات.

تحدثوا عن الخيول على الهاتف وعبر الرسائل. وعرض عليه الزيات أن يدفع له رحلة الطيران إلى كاليفورنيا من أجل سباق خيول بأنيتا بارك.  وعرض عليه الزيات تسمية أحد الخيول الصغيرة. كان نيك لاعباً للبيسبول وكان يرتدي رقم 37. و تقول والدته: ”أخذ الأمر بجدية وأطلق اسم “ثيرتي سيفين لايف سون”.

الفرعون، الحصان الذي اكتسح كل شيء

لم يعش نيك ليري الحصان يجري أمامه، فقد مات في مارس 2014. وتقول موديكو إنها لا تعتقد أن الفرعون الأمريكي سيفوت الفرصة في الفوز بالتاج الثلاثي. وتضيف: ”أحمد الزيات ساعد ابننا في أحلك الأوقات. عنى ذلك الكثير لنيك والعائلة. أعطاه أملاً ليعيش عليه- يجب أن يعرف الناس هذا الجانب من شخصية أحمد.“

يعرف السمسار، سيدر، أن الأشخاص أكثر تعقيداً من الخيول. هو محامي تخرج من جامعة هارفارد وبدأ في إدارة أعماله وابتكر أجهزة علمية. قضي الأربعين عاماً الأخيرة من حياته في قياس أعضاء الخيول الأصلية، وبني قاعدة بيانات لأكثر من 50 ألف حصان لمعرفة من فيهم لديه أفضل الإمكانيات.

بينما لم يكن الزيات من أسهل العملاء في التعامل، إلا أن سيدر امتن لأنه كان من أوائل الملاك الذين دعموا طرقه غير التقليدية. ويقول سيدر ”إنه رجل أعمال صعب. يطلب تخفيضات كبيرة ويحصل عليها.“

لكن الآن هناك الفرعون الأمريكي. عندما قام سيدر و ميلر بفحص قلب المهر وطحاله وشعبه الهوائية، وجد سيدر ما وصفه بأنه نظام قلب و أوعية دموية لا ينسى. درسا أيضاً أصل الحصان جيداً. واستطاعا الإتيان بوالدة الفرعون الأمريكي ،ليتل برنسيس إيما، إلى الزيات.

و يضيف عن الفرعون الأمريكي ”لا يوجد شئ طبيعي فيه.“

في نهاية الأمر كان الزيات قد كتب بنفسه شيكاً بقيمة 300 ألف دولار لشراء مهر حصد حتى الآن ستة سباقات من أصل سبعة قيمة جوائزها 3.7 ملايين دولار. تم شراء حقوق الحصان من قبل كوليمور بأيرلندا مقابل 9.8 ملايين دولار مع مكافأة قدرها 4 ملايين دولار كزيادة لو فاز هذا الفرعون الأمريكي يالتاج الثلاثي، حسب ما قاله اثنين من المطلعين على التعاقد.

في العام الماضي أطلق عليه البطل ذي العامين. أما الآن فالفرعون الأمريكي، ومالكه يجلسان على أعتاب التاريخ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى