إعلامسياسة

الخوف في الصحافة .. الفارق بين الرقابة الذاتية والصحافة الأخلاقية

يضطر الصحفي لاتخاذ قرارات أخلاقية عديدة ولكن هذا يختلف عن الرقابة الذاتية بدافع الخوف من المالك أو الحكومة

80a9fa0-d315d1a-b

إيدن وايت – شبكة الصحافة الأخلاقية

ترجمة – محمود مصطفى

في كل يوم يتخذ الصحفيون العاملون في مختلف المنصات الإعلامية عشرات القرارات الأخلاقية، وكل مرحلة من العمل الصحفي تتطلب خيارات فيما يخص المحتوى؛ العناوين والكلمات ومقاطع الصوت والفيديو.

هذه “القرارات” ليست  رقابة ذاتية وعندما تؤخذ بحرية من قبل محترفين حسني التدريب وذوي فكر حر فإنها تكون حجر الأساس للصحافة في أفضل صورها.

قد لا يتفق بعض الناس مع هذا ، وقد يشتكي السياسيون وآخرون من الخيارات التي نتخذها كصحفيين إذا لم تظهرهم بمظهر جيد. في بعض الأحيان قد يشعرون بأنهم ضحايا لتحيّز أكثر من كونهم مواضيع تقارير صحفية نزيهة، لكن في الأغلب تكون دوافع انتقاداتهم هي المصلحة الشخصية أو سوء فهم لحرفة الصحافة.

لهذا تكون أنظمة التنظيم الذاتي الداخلية الجيدة في الصحافة، مثل تجربة صحيفة “ذا هيندو” في الهند، أساسية بالقطع للدفاع عن وتفسير كيفية العمل الصحفي والإعلامي.

الصحافة الجيدة كلها تخضع للتحرير أو إعادة الصياغة أو أي تعديلات وظيفية أخرى تتم باسم الأسلوب والذوق والدقة والوضوح ، وهذا ليس رقابة داخلية ولكن تطبيقاً للحكم التحريري السليم عندما تكون القيود الموجودة فقط هي تلك التي تفرضها سعة إطلاع الصحفيين أنفسهم وكفائتهم  وإبداعهم.

هذا هو الجانب النظري لكن هل يصلح هذا في الواقع؟

في غرف الاخبار المعاصرة التنافسية وذات الإيقاع السريع يقلّص الضغط على الصحفيين لإنجاز موضوعاتهم أسرع ولصالح منصات إعلامية مختلفة من مساحة المعلومة الأخلاقية.

هناك وقت أقل للتحرير وللبحث الأضافي أو للفحص الواثق للحقائق والتثبت منها. أناس أقل يوظفون وهم يملكون المهارات والخبرة اللازمة للحفاظ على المعايير التحريرية. نطاق حدوث الأخطاء يتسع خاصة بعد أن أصبح المحتوى الإليكتروني وشبكات التواصل الإجتماعي مهما بشكل كبير كمصادر للأخبار والمعلومات.

كل هذه الضغوطات على الإعلام تقوّض من جودة الصحافة بجعلها أصعب من أي وقت مضى على الكتاب والمذيعين والمحررين الذين أصبح لديهم وقت أقل لتطبيق مبادئ مقبولة من المهنية والتنظيم الذاتي.

لكن حتى وهي تئن تحت وطأة الضغوط فإن بنية التنظيم الذاتي في وسائل الإعلام تظل في القلب من عملية إنتاج صحافة ذات مصداقية وجديرة بالثقة ومواكبة للحدث.

الرقابة الذاتية أمر مختلف، ففي هذه الحالة لا يكون الصحافة والإعلام مدفوعين بالإهتمامات التحريرية ولكن بالخوف.

عندما يتخذ صحفي أو محرر قرارا تحريريا حول موضوع ومحتواه مدفوعا بالخوف من تهديدات انتقامية، سواء من الدولة أو الشرطة أو المالك أو المعلن، فهذا لا يمت بصلة لمبادئ الصحافة الجيدة.

التهديدات الداخلية كذلك ليست غير معتادة، ويشكل الصحفيون مواضيعهم عادة لتناسب مصالح الشركة السياسية أو التجارية وهذه ليست ظاهرة جديدة.

كشف مسح مفصل حول صحفيين ومديرين تنفيذيين في صناعة الأخبار في الولايات المتحدة أجري عام 2000 وجود مخاوف منتشرة بشأن الضغوطات التجارية وأقر أكثر من 40% من الصحفيين بتشكيلهم لمواضيعم بما يتناسب مع مصالح الشركة الإعلامية التي يعملون بها.

وطالما يعرف الجمهور من يملك الوسلة الإعلامية فبإمكانه إصدار أحكام مقبولة حول ما إذا كان بإمكانه الوثوق في الأخبار في المناطق التي يملك فيها الملاك مصالح تجارية.

لكن هذا أصبح يمثل مشكلة جادة ومنذرة عندما تغيب الشفافية. في تركيا على سبيل المثال، قالت شبكة الصحافة الأخلاقية مؤخراً إن كبرى وسائل الإعلام في البلاد مارست رقابة على الأخبار للحفاظ على علاقات سياسية وتجارية ودية مع الدولة.

هناك بالطبع تهديدات أكثر شيوعاً وخطورة، ففي أركان عديدة من العالم، الصين وإيران وكوريا الشمالية على سبيل المثال، يمارس الصحفيون بشكل اعتيادي الرقابة على أنفسهم لتجنب السجن والإضطهاد. في دول أخرى مثل المكسيك وباكستان والفلبين يفعل الصحفيون ذلك لتجنب الإغتيال أو العنف البدني.

عندما يتربص الخوف من الانتقام بغرف الأخبار لا يمكن أن يكون هناك حرية صحافة أو صحافة مستقلة. لكن في بعض الأحيان ينغمس الصحفيون في ممارسة الرقابة الذاتية عبر أفكار في غير محلها عن الوطنية وصالح الوطن.

الكثير من القصص الصحفية الحالية من أوكرانيا وروسيا على سبيل المثال، تكشف حكايات مؤسفة عن الرقابة الذاتية حيث خضع الإعلام في الطرفين للبروباجندا السياسية في الصراع الدائر حول شبه جزيرة القرم والحركات الإنفصالية الروسية في شرق أوكرانيا.

وطغت الرقابة الذاتية كذلك على معظم الإعلام المستقل في مصر، بالإصطفاف لدعم حكومة القاهرة في بطشها بجماعة الإخوان المسلمين وهو ما صدم الداعمين في الخارج. وظل الكثير من الإعلام المستقل صامتاً بشكل مخجل في ما حدث من محاكمة وسجن صحفيي الجزيرة.

ما يجعل هذه الأمثلة مأساوية هو أنها في الأغلب يتورط فيها صحفيون ومحررون بإرادتهم. ليس من غير الشائع أو من غير الملائم بالنسبة للإعلام في أوقات الأزمات والطوارئ الوطنية أن يعيد الطمأنينة لجمهوره لكن هذا لا يجب أن يكون عذراً للبروباجندا أو التخلي عن الاستقلالية التحريرية.

يجب دائماً أن نكون متيقظين لمخاطر الأثر المعوق للسياسة على الإعلام. الإستقلالية في غرف الأخبار ليست خياراً إضافياً فهي الأساس الصلب لحرفة الصحافة.

.

http://ethicaljournalismnetwork.org/

 هذه المقالة برعاية  شبكة الصحافة الأخلاقية   ، وهي منظمة إعلامية  غير ربحية تدعو إلى الصحافة الأخلاقية والحكم الرشيد والتنظيم المستقل لوسائل الإعلام. تم إنشاؤها في عام 2011 في إطار حملة مهنية  لتعزيز مهنة الصحافة. يمكن قراءة النسخة الأصلية لهذه المقال بالإنجليزية  على هذا الرابط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى