ثقافة و فن

أجمل ما كتبت رضوى عاشور

مقتطفات من أجمل ما كتبت الروائية رضوى عاشور  التي رحلت مساء أمس عن 68 عاما وإرث أدبي أثر في أجيال من القراء.

1417417292.620288.inarticleLarge

كتب – زحمة

أطياف:

“اختزال الحياة إلى مأساة خالصة، منزلق إلى الكذب”

“تحمل الأيام اختباراتها الصغيرة، والكبيرة، وطريقا تتفرع مع كل سؤال، وغوايات تستدرج الأصدقاء إلى وهم صعود يهبط بهم ثم يهبط أكثر فتراهم يبتعدون، يتركون لها الوحشة والخذلان، والغضب أحيانا. يوسف لم يصعد ولم يهبط، بقى متينا كجدران بيت”

 “إن التعود يلتهم الأشياء، يتكرر ما نراه فنستجيب له بشكل تلقائي، كأننا لا نراه؛ لا تستوقفنا التفاصيل المعتادة كما أستوقفتنا في المرة الأولى، نمضي وتمضي، فتمضي بنا الحياة كأنها لا شئ.”

فرج:

“عادة ما أشعر أنى خفيفة قادرة على أن أطير وأنا مستقرة فى مقعد أقرأ رواية ممتعة. حين أشعر بنفسى ثقيلة أعرف أنى على مشارف نوبة جديدة من الاكتئاب”

“كانت ليلة تنحي عبد الناصر أثناء خطاب إعلانه الهزيمة، ليلة ليلاء: يتابع أبي الخطاب. يمسح دموعه بظهر كفه. يعود يمسحها. اضطرابي لدموع أبي أكبر من اضطرابي لما يقوله رئيس البلد عن هزيمة لن أتمثّل فحواها إلا بعد سنوات – للدقة سأتمثلها أكثر وتدريجيا على مر السنوات، وربما من ذلك التاريخ إلى هذه اللحظة. ينتهي الخطاب. أبي ينتحب. يشهق مثل الأطفال. تصاب أمي بحالة هستيرية مفاجئة، تصيح: لا أفهم، لا أفهم على الإطلاق. لماذا تبكي عليه؟! أليس هو الضابط الفاشي، الدكتاتور الطاغية الذي وضعكم في المعتقل خمس سنوات بلا وجه حق؟ أليس … ألم يكن … أم تقل … ؟ تتلاحق الكلمات في اندفاع متصاعد، صوتها يعلو ثم يعلو أكثر. فجأة قال أبي: أنت عمياء! وغادر البيت. لم تنطق بعدها بحرف، ولا أنا نطقت.”

“ولكنني أكره العدمية، وأكره تيئيس الناس عندما يسقط الإنسان هو شخصيا في اليأس فيعلن هكذا بخفة وبساطة أن كل مسعى يلجأ إليه الناس لخلق معنى لحياتهم ليس سوى أوراق توت!”

أثقل من رضوى: مقاطع من سيرة ذاتية

“الحياة في نهاية المطاف تغلب، وإن بدا غير ذلك،  والبشر راشدون مهما ارتبكوا أو اضطربوا أو تعثرت خطواتهم والنهايات ليست نهايات، لأنها تتشابك ببدايات جديدة ..”

“مادامت للأرض ذاكرة، فلابد أن للزعفران ذاكرة و لابد أنه ايضا ينتظر لكي يُخرج شَطاه و يفترش الحيز و يتوسع، لأنه لم يعد يخص سيدة مسنة تقيم في قصر، بل شبابا عجيبا، ناهضا رغم رحيله، يأتنس الزعفران بوجودهم و يرتاح لتلك الرائحة التي يتحير إن كانت رائحته و قد زادت مع الزمن قوتها، أم هي رائحتهم”

“الكتابة فعل أناني وطارد يفرض درجة من العزلة الداخلية، ينفيك عمن حولك أو ينفي من حولك ويضعهم على الرف إلى حين فعل ينفي الآخرين ليخاطبهم ويكتب حكاياتهم، يقصيهم ليراهم أكثر يبتعد ليقترب، ويعزلك ليتيح لك تبديد وجودك المفرد وإذابته في وجودهم ومكانهم وزمانهم عجيب !”

ثلاثية غرناطة:

“العمر حين يطول يقصر، والجسد حين يكبر يشيخ، والثمرة تستوي ناضجة ثم تفسد، وحين يقدم النسيج يهتريء.”

“في وحشة سجنك ترى أحبابك أكثر، لأن في الوقت متسعًا، ولأنهم يأتونك حدبًا عليك في محنتك، ويتركون لك أن تتملى وجوههم ما شئت وإن طال تأملك”

“يقررون عليه الرحيل. يسحبون الأرضَ من تحت قدميه. ولم تكن الأرضُ بساطاً اشتراه من السوق، فاصل فى ثمنه ثم مد يده إلى جيبه ودفع المطلوب فيه، وعاد يحمله إلى داره وبسطه وتربع عليه فى اغتباط. لم تكن بساطاً بل أرضاً، تراباً زرع فيه عمره وعروق الزيتون. فما الذى يتبقى من العمرِ بعد الاقتلاع؟ .. في المسا يغلقُ باب الدارِ عليه وعلى الحنين.. تأتيه غرناطة.. يقولُ يا غربتي! راحت غرناطة.. يسحبونها من تحت قدميه، ولم تكن بساطاً اشتراهُ من سوق بالنسية الكبير”

الطنطورية:

“الذاكرة لا تقتُل. تؤلم ألماً لا يطاق، ربما. و لكننا إذ نطيقه تتحول من دوامات تسحبنا إلى قاع الغرق إلى بحر نسبح فيه. نقطع المسافات. نحكمه و نملي إرادتنا عليه.”

“احنا اتفرقنا و على الله الرجوع .. و المفرّق و المجمّع ربنا (من تراث أغاني العرس الفلسطيني)”

“أتساءل: ما الذي تفعله امرأة تشعر انها بالصدفة، بالصدفة المحضة، بقيت على قيد الحياة؟ كيف تسلك في الدنيا إن كان وجودها، كل السنين و الشهور و الأيام و اللحظات الحلوة و المرة التي عاشتها، فضلَة حركة عشوائية لقدر غريب؟ كيف تسلك في الدنيا؟”

سراج:

“القبول بالنسبي أكثر حكمة من التعلق بالمطلق”

“إن الأموات يحتاجوننا كما نحتاجهم، إن لم نوافهم بالسؤال يثقلهم الحزن و تركبهم الوحشة … و هو لا يستطيع زيارة قبر أمه و أبيه إذ لا يعرف بأي أرض دفنا. فهل يا ترى يذهب إخوته إليهما ويسألون عنهما فيبددون شيئا من وحشتهما؟ أم أن مراكب أخرى حملتهم؛ ليصيروا عبيدا في البلاد، مقطعين كأغصان الشجر؟”

“لا تكبرن في نفسك اغترابك فإن العاقل لا غربة عليه ولا وحشة ولا يتغرب إلا ومعه ما يكتفي به من علمه ومروءته كالأسد الذي لا يتقلب إلا ومعه قوته التي بها يعيش حيثما يتوجه”

تقارير السيدة راء:

“كأن الأيام دهاليز مظلمة يقودك الواحد منها إلى الآخر فتنقاد. لا تنتظر شيئا ، تمضي وحيدا وببطء ، لا فرح لا حزن لا سخط لا دهشة أو انتباه، ثم فجأة وعلى غير توقع تبصر ضوءاً ثم تتساءل هل كان حلما أو وهما، وتمشي في دهليزك من جديد ..”

“أيهما أكثر نبلا: تتحمل سهام الدهر أم ترفع السلاح؟”

 “((نسيوا ! )) .. قالت راء لنفسها ببعض الأسي. لم ينسوا .. انتظروا وصول أبيهم فى المساء، اجتمعوا حولها و قدموا لها هدية و قبّلوها و غنوا لها … ثم أبرز لها صورة رسمها … قدمها لها … ألقى بنفسه عليها واحتضنها بقوة و قال : ” بحبك جداً يا ماما راء،  وحتى وانت بتعلمينى حاجات غلط، بحبك … و الغلط اللى بتقوليه باكتشف وحدى إنه غلط …فمش مهم !”

قطعة من أوروبا:

“الصغار الذين يواجهون الدبابة فى فلسطين، يفعلون عملاً جنونياً، يختارون لحظة مطلقة من المعنى، و القدرة، حرية مركزة و بعدها الموت، يشترون لحظة واحدة بكل حياتهم، هذا جنون، و لكنه جنون جميل لأن اللحظة أثمن من حياة ممتدة فى وحل العجز و المهانة …”

“الكتابة تأتي، تأتي من تلقاء نفسها فلا يتعيّن عليّ سوى أن أقول مرحبًا وأفسح لها المكان”

“ربما أتمني أن أتحدث معه .. أشكو له .. أطلعه علي بعض ما حدث .. أستشيره في أمور .. لكن يبدو أن الموت لا يسمح بأن نحكي سوياً أو يسمح و لم يحن الوقت بعد …”

خديجة وسوسن:

“انقطع الربـاط. انقطع و لكنه ترك علامته كتلك العقدة الغائرة في منتصف البطن, تُميز جسد الإنسان منذ ولادته و إلى الأبد”

“ألمها الذي بدا فائرا في الأيام الأولى.. سكن و تحول إلى حزن صافٍ تتركز في قاعُه ركدة ثقيلة و داكنة, كركدة القهوة المُرة التي تشربها مغلية مرات لا تُحصى في الليل و النهار”

“تفزعني و أحبها، ليس فقط لأنني نشأت على حبها و لكني أحبها لأني أحبها”

الرحلة: أيام طالبة مصرية في أميركا

” وبلا نية مسبقة رحت أحدث مايكل عن عن شخص عبد الناصر، وحرب الأيام الستة، ومقاطعة أهلي لزواجي على غير إرادتهم، واعتصامات الطلاب، وذلك الغزل الفريد الذي يغنيه الشيخ إمام للأسكندرية والذي يؤنسني ترديد بيتين بالذات منه “كأني جوا المظاهرة طالب/ هتف بإسمك ومات معيد!”. لا بد وأنني تحدثت طويلاً وإلا فكيف استطعت أن أقول كل الذي قلت عن أوجاع الجيل الذي اندفع من الأناشيد الحماسية إلى أتون الأيام الستة والمذابح والرماد؟”

“كنت أعي اللامنطق في عنادي ولكني كنت بحاجة ملحة إلى الفعل اليومي في ظل وجود رسالة حتى لو كانت هذه الرسالة وجوداً غائباً هو المنتظر!”

“(إنه الثلج!) ندف صغير ناعم أبيض يتساقط في اتصال من السماء إلى الأرض التي بدت مثل كحك العيد الذي ترشه أمي بعد إنضاجه في الفرن بالسكر المطحون الناعم. وأنا خلف زجاج النافذة أتابع سكون الأرض في الأبيض موزعة بين فرحة التجربة البكر وحزن الغربية.”

 8016655e-5cdb-436e-b9c6-1c0635892f68

رأيت النخل:

 “رأيتهم يضربون كفا بكف وسمعتهم يقولون، جنت فوزية وعوضنا على الله، ولم أفهم لماذا قالوا ذلك، واستغربت أكثر عندما سمعت أحدهم يهمس: فوزية تقلد الأغنياء الذين يزينون بيوتهم بالنباتات! استغربت لأنه من قريتنا ويعرف. نحن فلاحون، صحيح أن النساء في عائلتنا الصعيدية لا يخرجن إلى الحقول للفلاحة ولكن الفلاحة هي حياتهن التي يفتحن عيونهن عليها، ويغمضن ساعة الموت عيونهن عليها أيضا. وأنا أذكر أن بيتنا في القرية كان على سطحه نعناعة وفي قاعه صبارة وببابه نخلة.”

“طال الشتاء فلم أعُد قادرة على الانتظار. لبست معطفي القديم وربطت رأسي بمنديلي الصوفي ونزلت إلى الشوارع أقطعها وأتوقّف عند الشجر، أنظر وأتحقّق. وعندما تفشل عيناي في رؤية شيء على الفروع الجافة أمُدُّ يدي أجِسُّ وأتحسَّس. أحيانا كانت يداي تتوقفان ويخفُق قلبي ثم أكتشف أنّ ما وجدت ليس هو المنشود بل مجرد عقدة على فرع جاف. ولكني كنت واثقة أنني سأجدها، أقصد الكُرويات الصلبة الدقيقة التي يخدعك لونها في البداية فتظنّها لا شيء ولكنك لو دقّقت النظر وجدتَها كُروية ورمادها ليس رماديا ولا جفافها جفافا. وإنْ تتابعها وتنتظر تكبُر وتتفتّح وتكشف لك عن أخضرها الكامن.”

“حتى أخواي ذهبا فأصبحت أنا – بعد أن أقمت في القاهرة – كالمقطوعة من شجرة وبدا أنني نسيت النعناعة والصبارة والنخلة، وكل شيء. ثم جاءت عمتي فاطمة لزيارتي وضمتني إلى صدرها وبكت على خراب بيتنا الذي انطفأت ناره وجفت صبارته.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى