حياتنامنوعات

الصوت الموجود داخل رأسك.. كيف تتعامل معه؟

هل الثرثرة الفكرية تعني الجنون؟

psychologytoday

Steve Taylor

ترجمة: ماري مراد

متى بدأ الصوت الموجود داخل رأسك بالتحدث؟ لقد أصبحت على علم بالأمر في سن الـ15، وحتى هذه اللحظة كنت طفلا سعيدا للغاية دون هموم، لكن خلال فترة قصيرة من الزمن أصبحت مُتعسر اجتماعيًا وشديد الوعي بالذات، كان هناك معلق داخل رأسي يراقب وينتقد أفعالي.

لم يعد من الممكن أن يكون سلوكي عفويًا أو طبيعيًا، لأنني كنت أفكر أكثر من اللازم، وفي الليل كنت أجد أحيانًا صعوبة في النوم، نظرًا لوجود الكثير من “الثرثرة الفكرية” داخل رأسي.

في الحقيقة، فإن الثرثرة الفكرية أمر طبيعي للبشر، فعادة حينما لا نكون مشغولين، يتدفق تيار من الارتباطات العقلية من خلال عقولنا، بما في ذلك أفكار حول المستقبل أو الماضي، أو أجزاء من الأغاني أو المحادثات، أو أحلام اليقظة حول حقائق بديلة أو أصدقاء أو مشاهير.

عادة ما نطلق على هذا النشاط العقلي “التفكير”، لكن هذا ليس دقيقًا حقًا، فالتفكير يشير إلى شيء نشط، نملك سيطرة واعية عليه، لكن تقريبًا كل تفكيرنا ليس هكذا، فهو تقريبًا دائما ما يكون عشوائيًا وغير طوعي، ويمر من خلال رؤوسنا سواء أحببنا ذلك أم لا، فهذا السبب وراء تفضيلي استخدام مصطلح “ثرثرة فكرية”.

التفكير الحقيقي يكون عندما نستخدم بوعي قوى العقل والمنطق لتقييم اختيارات مختلفة ومناقشة المشاكل والقرارات والخطط وما إلى ذلك، وغالبا ما نفضل التفكير في أنفسنا كمخلوقات عقلانية، متفوقة على الحيوانات لأننا نستطيع التفكير.

لكن هذا النوع من التفكير العقلاني نادر جدًا وفي الواقع، فإن “الثرثرة الفكرية” تجعل من الصعب استخدام قدراتنا العقلانية، لأنه عندما تكون لدينا قضايا لمناقشتها، فإنها تمر عبر عقولنا وتحول انتباهنا.

على سبيل المثال، تخيل أنك تحاول اتخاذ قرار ما الهدية التي ستشريها لشريكتك بمناسبة عيد زواجكما، وبينما تفكر في هذا، تجد ذكريات يوم الزفاف تجول في ذهنك ثم شهر العسل في إيطاليا، الذي يذكرك بفضيحة قرأت عنها مؤخرًا عن رئيس وزراء إيطاليا، الأمر الذي يجعلك تفكر في الوضع السياسي في هذا البلد، ما يذكرك بتقديم إقرارك الضريبي.

من الصعب جدًا أن تركز أفكارك، ويجب عليك أن تسأل زميلاتك في العمل عما يريدن الحصول عليه كهدية في عيد زواجهن.

الاستغراق في “الثرثرة الفكرية” لا يختلف كثيرا عن الحلم، على الأقل هذا نوع من الأحلام الترابطية التي ترتب من خلال الانطباعات والمعلومات التي استوعبناها مؤخرًا وترسل خليطًا غريبًا منها إلى أذهاننا. فنحن لدينا سيطرة أكبر قليلًا على “الثرثرة الفكرية” من الأحلام، وهي تأتي من العقل الواعي بدلًا من العقل الباطن، ولكنها في جوهرها نفس الدوامة.

والسؤال هنا، لماذا يجب أن يكون لدينا صوت في رؤوسنا طول الوقت، وماكينة ضوضاء وصورة منتجة تتذكر باستمرار تجاربنا، وتعيد أجزاء من المعلومات التي استوعبناها، وتتخيل سيناريوهات قبل وقوعها؟

يعتبر الأشخاص المصابون بالفصام يعانون من الجنون لأنهم يسمعون أصواتًا في رؤوسهم – فهل “ثرثرتنا الفكرية” مختلفة جدًا؟ يجب أن يُنظر إليها على أنها نوع من الجنون أيضًا – أو على الأقل كنوع من خطأ تصميمي، خلل في عقل الإنسان.

التعامل مع “الثرثرة الفكرية”

لحسن الحظ، هناك بعض الخطوات التي يمكنك اتباعها للتعامل مع “الثرثرة الفكرية”، يتمثل أحد الأساليب التي يتم استخدامها غالبًا في إصلاح انتباهنا إلى التركيز الخارجي الذي لا يسمح لنا بالوعي بـ”الثرثرة الفكرية”.

هذا هو السبب في أن مشاهدة التلفزيون كانت هواية شعبية على مدى العقود القليلة الماضية، لأنها طريقة فعالة للغاية للحفاظ على تركيز انتباهنا خارج عقولنا، لكن هذا ليس نهجا مرضيا للغاية، إذ يعني في الحقيقة مجرد استبدال “الثرثرة الفكرية” مع نوع آخر من الثرثرة، وبمجرد أن يتم إيقاف تشغيل التلفزيون، تبدأ الثرثرة الفكرية مرة أخرى.

هناك نهج أكثر فعالية بكثير هو التأمل، هناك العديد من الأهداف المختلفة للتأمل، لكن أحدها هو إبطاء وهدوء “الثرثرة الفكرية”، فيغذي “الثرثرة الفكرية” الاهتمام الذي نوليه لها، وفي التأمل نحول انتباهنا إلى تركيز آخر: إلى تنفسنا، إلى شعار، أو ربما لهب شمعة.

ونتيجة لذلك، تتلاشى “الثرثرة الفكرية”، ونشعر بالرحابة الداخلية والسكون، نشعر بأننا أكثر هدوءًا واستقرارًا داخليا وكليا، وبعد أشهر من التأمل المنتظم، قد نجد أن “الثرثرة الفكرية” أصبحت أبطأ وأكثر هدوءًا بشكل دائم. ورغم ذلك، من غير المنطقي توقع إسكات “ثرثرتنا الفكرية” كليا، فهي جزء جوهري من عقلنا ولا يبدو أنها ستختفي، فمن المهم لنا أن نتخذ موقفًا مدروسًا تجاه “الثرثرة الفكرية”، وأن نتقبلها دون الثقة بها.

بمعنى، يجب أن نعامل “ثرثرتنا الفكرية” مثل نوع من العمليات الفسيولوجية التي تحدث داخلنا، ولكنها ليست جزءًا من هويتنا، ويجب أن نعاملها بنفس الطريقة التي نتعامل بها مع العمليات الفيسيولوجية مثل الهضم أو دوران الدم.

ويجب أن نسمح لها بالتدفق في الخلفية دون الاهتمام بها ودون السماح لها بتحديد مزاجنا أو حالتنا الذهنية، الشيء المهم أن تذكره هو: أفكارك ليست أنت، وكذلك عملية الهضم، فهي جزء من عملية تجري بداخلك، وبعد كل شيء نحن لا نستمد إحساسنا بالهوية من عملية الهضم أو الدورة الدموية، لذا لماذا يجب الإكتراث بالصوت الموجود داخل رؤوسنا؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى