حياتنا

هل يُمكن للبشر شمّ رائحة السرطان؟

تمرين بسيط لتدريب نفسك على شم رائحة السرطان

المصدر: psychology today – Chris Gilbert

ترجمة وإعداد: ماري مراد

“هل تناولت صلصة تاباسكو الحمراء مع وجبتك الأخيرة؟”، هكذا سألتني جوي عندما كنت أنا وزوجي في طريقنا من سان فرانسيسكو إلى شيكو في كاليفورنيا.

فوجئت من سؤالها، لقد تناولت صلصة تاباسكو الحمراء في الليلة السابقة، لكن ليس أكثر من 4 قطرات. كيف يمكن لجوي اشتمام رائحتها؟ فقلت نعم لكن الكمية كانت قليلة للغاية، فردت جوي ضاحكة: “أستطيع شم الرائحة”.

لقد انبهرت أنا وزوجي بقصة جوي ميلن منذ عام 2015، حينما سألت سؤلًا في محاضرة بحث لمرض الشلل الرعاش: “لماذا لا نستخدم رائحة الشلل الرعاش للكشف عنه في وقت سابق؟”، واكتشفت جوي تغييرًا في رائحة جلد زوجها قبل 12 عامًا من تشخيص إصابته بمرض الشلل الرعاش، كما أنها اكتشفت نفس الرائحة في المرضى المصابين بالمرض ذاته.

وفي عام 2016، بدأت جوي اختبارًا رسميًا في التجارب السريرية التي تكشف قدرتها على اكتشاف الجزيئات الموجودة في الزهم المنتجة في مرض الشلل الرعاش.

وفي يناير 2018، سافرت أنا وزوجي إلى أسكتلندا لمقابلة جوي، وفي ذلك الوقت، تجلت في خاطرنا فكرة: “بما أن حاسة الشم عند جوي ممتازة للغاية، فهل لديها القدرة أيضًا على اكتشاف مرض السرطان عبر رائحته فقط؟”.

كنا على علم بدراسات منشورة مستشهدة بكلاب دينا زافيريس (مؤسسة InSitu) من شيكو في كاليفورنيا، التي تصف كيف تستطيع كلاب دينا اكتشاف السرطان في التنفس وعينات البول لمرضى السرطان.

ونُشرت العديد من الدراسات الأخرى لكن لم يتم إجراء أي دراسة لاستكشاف قدرة البشر على شم السرطان، لسبب مفهوم: لا يمكن لأي إنسان أن يكون له أنف حساس مثل الكلب.

ورغم هذا، أشارت جوي إلى أنها خلال السنوات التي عملت فيها ممرضة، لاحظت أن المصابين بمرض السرطان لديهم رائحة خاصة.

ماذا لو استطاعت جوي اكتشاف رائحة السرطان؟ ماذا لو استطاعت الإجابة عن العديد من الأسئلة مثل: ماذا تشبه رائحة السرطان؟ هل أنواع السرطان المختلفة لها نفس الرائحة؟ هل تتغير الرائحة عندما ينتشر السرطان؟

للإجابة عن هذه التساؤلات وأكثر، أخذنا أنا وزوجي وجوي من أسكتلندا إلى سان فرانسيسكو في أغسطس عام 2018، ثم توجهنا إلى مؤسسة “In Situ” في شيكو، لشم عينات تنفس لأشخاص أصحاء وآخرين مصابين بالسرطان.

ولدى وصولها إلى منشأة تدريب الكلاب في موقع المؤسسة، طلبت جوي أن تشم أقنعة غير مستخدمة حتى تتمكن من التعرف على رائحة القناع الأساسية واستبعادها في الجلسات المستقبلية، وبالفعل لقد حصلت على طلبها.

جلسة استكشافية:

قدمت دينا إلى جوي، نوعين من الأقنعة: أقنعة السرطان (التي تنفس فيها مصابون بالسرطان) وأخرى لم يتنفس فيها أحد. ووضعنا هذه الأقنعة على الطاولة وقمنا بخلطها ثم طلبنا من جوي أن تأتي إلى الطاولة لتشم كل الأقنعة، لرؤية ما إذا كانت تستطيع التمييز بين رائحة “أقنعة السرطان” والأقنعة التي لم تُستخدم.

وعندما راجعنا الأقنعة المستخدمة في التجربة، رأينا أن جوي نجحت في تحديد أقنعة السرطان، وكانت دقيقة بنسبة 100٪، وهذا يشير إلى أن جوي قد يكون بإمكانها تحديد الفرق بين الأقنعة غير المستخدمة والأقنعة التي تم التنفس فيها، لكن هل الرائحة التي اشتمتها جوي كانت للسرطان حقا أم رائحة تنفس أي شخص في القناع؟

الطريقة الوحيدة لاختبار ما إذا كانت جوي تشم رائحة السرطان هي مزج “أقنعة السرطان” (الأقنعة التي استنشق فيها مرضى السرطان) بأخرى سليمة (مستخدمة من قبل أشخاص أصحاء).

تجربة اليوم الثاني:

حان الوقت لاكتشاف ما إذا كان بإمكان جوي التعرف على السرطان في عينات التنفس العشوائية، وبالفعل اخترنا 5 أقنعة سليمة و5 أقنعة سرطان، وخلطناها معا، وسألنا جوي ماذا تشم.

بعد أن أخذت وقتها واستنشقت داخل وخارج كل قناع، قالت جوي أخيرًا إن 3 من 10 أقنعة كانت رائحتها مثل السرطان.

وأوضحت جوي قائلة: “هذه الأقنعة الثلاثة لها رائحة خميرة كريمية لكن مع خروج المركبات المتطايرة إلى الهواء وأن تصبح غير ملحوظة، تظهر طبقات أكثر، رائحة مخاطية وملحية، في حين أن العينات الأخرى ليست بها تلك الرائحة”.

عندما بحثنا لمعرفة أصحاب الأقنعة، أدركنا أن الـ3 أقنعة التي تعرفت عليهم جوي كانت أقنعة سرطان بالفعل، في حين أن القناع الرابع والخامس والسادس لم يتم تحديدها، بينما الـ4 الأقنعة الأخيرة كانت لأشخاص أصحاء بالفعل كما ذكرت.

الأسئلة الجديرة بالذكر الآن: هل رائحة الخميرة الكريمية ترتبط مباشرة بالسرطان أم أنها قد تكون مرتبطة بشيء آخر؟ وهل تصف جوي نفس الرائحة التي تكتشفها الكلاب التي تستنشق السرطان؟

دعنا نرى الدراسات التي تم نشرها حتى الآن، فهناك العديد من المقالات المنشورة عن اكتشاف السرطان من قبل الكلاب باستخدام عينات التنفس والبول والدم وعينات الجلد، من بينها:

في فلوريدا، نشر الدكتور بيكل في 2014 في “Applied Animal Behaviour”  دراسة تصف القدرة الدقيقة لكلبين للكشف عن سرطان الجلد من عينات الجلد.

وفي كاليفورنيا، أظهر مكولوتش وزملاؤه في “Integrative Cancer Therapies” عام 2006، أن 5 كلاب (تم تدريبها من قبل دينا زافيريس) كانت قادرة على التمييز بدقة شديدة من خلال الرائحة وحدها، زفير عينات التنفس التي كانت تخص مرضى السرطان مقابل أصحاء (55 من مرضى سرطان الرئة و31 مريضا بسرطان الثدي مقابل 83 من الأصحاء”، ووجد ماكولوتش دقة عالية وتحديد حتى في حالات السرطان المبكرة.

وفي اليابان في عام 2011، درس هيديو سونودا وزملاؤه قدرة الكلاب على اكتشاف سرطان القولون والمستقيم من زفير وبراز عينات من المرضى المصابين وغير المصابين بسرطان القولون والمستقيم.

ومثل مكولوتش في كاليفورنيا، وجد هيديو أن الكلاب لديها دقة وتحديد عالٍ، حتى في وقت مبكر من الإصابة بالسرطان.

أما في فرنسا أيضا عام 2011، نشر جان نيكولاس كورنو في “European Urology Journal” دراسة لأحد الكلاب الذي لديه قدرة عالية على الكشف عن سرطان البروستاتا من رائحة البول.

وفي السويد عام 2013، نشر جيورجي هورفاث وزملاؤه دراسة بشأن قدرة كلبين على اكتشاف سرطان المبيض من شم رائحة قطرة واحدة من بلازما الدم، ودرس الباحثون 42 مريضة بسرطان المبيض و210 بصحة جيدة.

واكتشفت الكلاب السرطان مع دقة بلغت 97% وتحديد بنسبة 99%، وفي الجزء الثاني من الدراسة، تمكنت الكلاب من التنبؤ بدقة بأن 3 مريضات سيعانين من تكرار سرطان المبيض.

وفي إيطاليا عام 2014، درس جيانلويجي تافيرن قدرة كلبين جيرمان شيبارد على التعرف على سرطان البروستاتا في عينات البول، ودرس تافيرن 362 مريضا بسرطان البروستاتا و540 أصحاء، وكانت الدقة والتحديد مرتفعتين جدا (أكثر من 97%)، وتم نشر النتائج “Journal of Urology”، وأجريت دراسات مماثلة في الولايات المتحدة.

والآن، يجري البروفيسور جوكو فيبسالاينن من جامعة شرق فنلندا، دراسات بشأن رائحة السرطان، ويعتقد بأن الإجابة عن هذه الرائحة قد تكون البوليامينات، لكن الشيء المشترك في جميع هذه الدراسات أنها لم تتضمّن أي استنشاق بشري، فما الذي يمكننا تعلّمه من كل هذا؟

يبدو أن هناك رائحة محددة للسرطان، حتى في مرحلة مبكرة، وهذه الاكتشافات مهمة لأن الرائحة يمكن أن تكون مؤشرا مبكرا غير جراحي للسرطان وستسمح للأطباء بمعالجة السرطان في وقت مبكر قبل انتشاره، وهو ما يمنح معظم مرضى السرطان فرصة الشفاء التام بفضل العلاج المبكر.

وفي السياق ذاته، كتب جوردون شيبرد عام 2004 في “PLOS/Biology” أن البشر لا يفتقرون إلى حاسة الشم الجيدة، لكنهم يشتمون بدرجة جيدة نسبيًا وربما ممتازة، ورغم وجود عدد قليل من المستقبلات الشمية في الأنف (6 ملايين للبشر مقابل 300 مليون للكلاب) فإنهم يستخدمون أيضا الجزء الخلفي من الحلق وأجزاء كثيرة من الدماغ لتحديد العديد من الروائح المعقدة.

أما جيس بورتر وزملاؤه فأثبتوا في مجلة “Nature Neuroscience Journal” لعام 2007 أن البشر يستطيعون أن يتعلموا التعرف على الرائحة مثلما تفعل الكلاب وأن يتحسنوا مع الممارسة.

فهل بإمكان أي شخص شم رائحة السرطان؟ أجل، إذا مارسنا استنشاق الروائح المختلفة كل يوم، يمكن لبعضنا أن يعمل على اكتشاف السرطان بالرائحة، فما هو التمرين البسيط الذي يمكننا البدء به لإنقاذ الأرواح؟

كن حذرا من رائحتك (رائحة بشرتك، أنفاسك، بولك…)، وكن على دراية برائحة أحبائك وأطفالك وشريكك ووالديك وأصدقائك (أنفاسهم وبشرتهم)، وإذا لاحظت أي تغيير جذري ومتسق (على مدار عدة أيام وأسابيع) برائحة شخص عزيز عليك، أو إذا ما أخبرك أحدهم أن الرائحة قد تغيّرت فاتصل بطبيبك لإجراء فحص.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى