سياسة

اندبندنت: محمد بن سلمان .. الساذج المغرور يقامر

اندبندنت: بن سلمان .. مقامرات الساذج المغرور

الإندبندنت – باتريك كوكبيرن – ترجمة: محمد الصباغ

مع نهاية العام الماضي، نشرت الاستخبارات الألمانية مذكرة من صفحة ونصف الصفحة، وجاء فيها أن السعودية تبنّت ”سياسة اندفاعية في التدخلات“. وصوّرت المذكرة وزير الدفاع السعودي وولي ولي العهد، محمد بن سلمان –القوي صاحب 29 عاماً والابن المفضل للملك سلمان، الذي يعاني من تدهور الوظائف العقلية- بأنه مقامر سياسي يزعزع استقرار العالم العربي من خلال الحروب بالوكالة في اليمن وسوريا.

لا تسلّم وكالات الاستخبارات عادة مثل تلك الوثائق المدمرة سياسياً إلى الصحافة التي تنتقد حليف قوي وقريب مثل السعودية. وانتشار تلك الوثائق بشكل كبير يعتبر تدبيراً يعبر عن قلق الاستخبارات الألمانية.  وجهت الخارجية صفعة لجهاز الاستخبارات بعد المعارضة الرسمية السعودية، لكن تحذير الجهاز الألماني كان علامة على المخاوف المتزايدة بأن السعودية أصبحت ورقة جامحة خطواتها غير متوقعة. وقال أحد الوزراء السابقين بالشرق الأوسط وتحدث بشرط عدم ذكر اسمه: ”في الماضي، حاول السعوديون بشكل عام الحفاظ على الخيارات مفتوحة وكانوا حذرين، حتى أثناء محاولتهم التخلص من بعض الحكومات التي لا تعجبهم.“

كان لتقرير الاستخبارات الألمانية تأثير قليل خارج ألمانيا وقت صدوره. ربما يكون السبب هو موعد نشره في 2 ديسمبر أي بعد 3 أسابيع من مذبحة باريس في 13 نوفمبر، حينما كانت الحكومات ووسائل الإعلام حول العالم يستوعبون تهديد تنظيم الدولة الإسلامية ويحاولون معرفة كيفية هزيمتها بالطريقة الأفضل. وانتشر الجدل في بريطانيا حول مشاركة الجوية الملكية في الحرب ضد تنظيم الدولة في سوريا، وسريعاً بعد ذلك، كانت الولايات المتحدة تتعرض لحادث قتل جماعي نفذه ثنائي مناصر لتنظيم الدولة الإسلامية بسان برناردينيو في كاليفورنيا.

ثم جاء إعدام الداعية الشيعي ،الشيخ نمر النمر، ومع 46 آخرين –معظمهم من الجهاديين السنّة- في 2 يناير، وكان ذلك بمثابة جرس إنذار للحكومات حول مدى ما وصلت إليه المملكة وأنها أصبحت تمثل تهديداً للوضع الراهن. يبدو الأمر كاستفزاز متعمد لإيران في محاولة لنزع قيادة العالم العربي والسنّي، بينما في نفس الوقت يقوم الأمير محمد بن سلمان بتعزيز سلطاته الداخلية عبر خطابات الطائفية السنية. ما لاشك فيه هو أن السياسة السعودية قد تحولت بعد قدوم الملك سلمان إلى العرش في يناير الماضي بعد وفاة الملك عبدالله.

حددت الاستخبارات الألمانية المناطق التي تتبنى فيها المملكة سياسة أكثر عدوانية وأشبه بالحرب. في سوريا، في بداية عام 2015، دعمت تكوين جيش الفتح ،بشكل أساسي يتشكل من جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة، وجماعة أحرار الشام الشبيهة في الأيدولوجية مع النصرة. حقق جيش الفتح سلسلة من الانتصارات ضد الجيش السوري في إدلب. وفي اليمن، بدأت المملكة حرباً جوية ضد الحوثيين والجيش اليمني، ويبدو أنه لا إشارة إلى نهاية تلك الحرب. من بين المستفيدين من ذلك تنظسم القاعدة في شبه الجزيرة العربي، الذي تحاول الولايات المتحدة دون جدوى أن تهزمه لسنوات عبر الهجمات بواسطة الطائرات دون طيار.

لا مغامرة من بين تلك التي بدأها الأمير محمد قد نجحت او من المحتمل ان تصل إلى النجاح، لكنه اكتسب الدعم الداخلي. حذرت الاستخبارات الألمانية من تركيز الكثير من السلطات بين يديه ”يوفر خطراً كبيراً حيث يقوم بتدعيم موقفه كخليفة لوالده، وقد يتجاوز ذلك.“

تسوء التجاوزات يوماً بعد آخر. في مرحلة مبكرة جداً من المواجهة مع إيران خلال الأسبوع الماضي قامت الرياض بتصعيد الأمر. ربما لم يكن الهجوم على السفارة السعودية بطهران أو القنصلية بمشهد متوقعاً لكن لم يكن أمراً حتمياً أن تقوم السعودية بقطع العلاقات الدبلوماسية.  ثم حدث الهجوم الذي الجوي على الذي زعم الإيرانيون أنه استهدف سفارتهم بالعاصمة اليمنية صنعاء.

لم يكن أي من ذلك مفاجئاً: العلاقات السعودية الإيرانية كانت في أقل مستوياتها وخصوصاً بعد مقتل 400 حاجاً إيرانياً في حادث التدافع الجماعي في مكة العام الماضي.

لكن حتى في الأيام القليلة الماضية، كانت هناك إشارات بأن القيادة السعودية تصعد عن عمد من الحرارة السياسية بمحاكمة أربعة إيرانيين، الأول بتهمة التجسس وثلاثة آخرين بتهمة الإرهاب. يقبع الأربعة في السجون السعودية منذ عام 2013 أو 2014، لذلك لم يكن هناك سبباً لمحاكمتهم الآن، إلا إذا كان ما وراء ذلك هو توجيه طعنة أخرى لإيران.

تقوم السعودية بما يشبه الهجمة المرتدة لتعيد التأكيد أمام العالم أنها لن تصل إلى مرحلة الحرب مع إيران. قال الأمير محمد في لقاء مع الإيكونومست: ”الحرب بين السعودية وإيران هي بداية كارثة حقيقية في المنطقة، وستؤثر بقوة على بقية العالم. وبالتأكيد، لن نسمح بمثل هذا الأمر.“

من المفترض أن ما جاء بالحوار يعني إعادة التأكيد للعالم الخارجي، لكن بدلاً من ذلك أعطى انطباعاً بالسذاجة والغرور. وأيضاً هناك شعور بأن الأمير محمد هو مقامر بلا أي خبرة ومن المحتمل أن تتضاعف أسهمه كلما فشلت رهاناته. الأمر هو النقيض تماماً لما كان عليه الحكام السعوديون السابقون، الذين فضّلوا دائماً الرهان على كل الخيول.

السبب الرئيسي لتصرف السعودية بشكل منفرد هو احباطها من وصول الولايات المتحدة لاتفاق مع إيران حول برنامج طهران النووي. مرة أخرى يبدو هنا شئ من السذاجة: التحالف الوثيق للمملكة مع الولايات المتحدة هو السبب الرئيسي لنجاة العائلة الملكية السعودية من القوميين والاشتراكيين من الثلاثينيات. وبعيداً عن الأموال السعودية والتحالف الوثيق مع الولايات المتحدة، تشكك القادة في الشرق الأوسط دائماً في أن السعودية تمتلك قدرات عملية كبيرة. ينطبق ذلك على كل الدول المنتجة للنفط بغض النظر عن أيديولوجية تلك الدول. تظهر التجارب أن الثروة النفطية الكبيرة تشجع على الاستبداد، سواء في السعودية أو العراق أو ليبيا او الكويت، لكن أيضاً ينتج دولاً هي أضعف مما تبدو عليه، حيث حكامها عاجزين وجيوش مختلة الوظائف.

هذه هي المطقة الثانية التي لم يجلب فيها حول محمد شئ سوى المشاكل للعائلة الملكية بالسعودية. اقترح سياسة التقشف وإصلاحات السوق في المملكة، لكن مع الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط وخصوصاً الدول النفطية يناقض ذلك العقد الاجتماعي غير المعلن مع أغلبية السكان. فالشعب يمكن ألا يتمتع بحرية سياسية، لكن لديه نصيب في عائدات النفط من خلال الوظائف الحكومية والوقود المدعم، والغذاء، والإسكان والمميزات الأخرى. مع زيادة الخصخصة والاعتماد المفترض على السوق، ومع عدم المحاسبة أو النظام القضائي العادل، يعني ذلك ترخيصاً بالنهب لمن يمتلكون سلطات سياسية.

كانت تلك أحد أهم أسباب الانتفاضة ضد بشار الأسد عام 2011 في سوريا وضد معمر القذافي في ليبيا. ما تسمى بالإصلاحات التي تتسبب في وجود آلة من المحسوبية مؤثرة ويصعب السيطرة عليها وينتهي الأمر باستفادة النخبة فقط.

من المستحيل تقريباً إصلاح الدول النفطية وعادة أمر غير حكيم أن تحاول فعل ذلك. يجب أن تتجنب أمثال تلك الدول الحرب لو أرادت  البقاء، لأن الناس ربما لا ينتفضون ضد حكامهم لكنهم أيضا  ليسوا مستعدين للموت في سبيلهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى