سياسة

نيويورك تايمز: لماذا ينضم التوانسة أكثر من غيرهم إلى داعش؟

تعتبر تونس الأكثر نجاحا في الربيع العربي ولكنها الأكثر إرسالا للمقاتلين إلى داعش

TUNISIA-master675

ديفيد كيركباتريك – نيويورك تايمز

ترجمة – محمود مصطفى

بعد ما يقرب من أربعة أعوام من اندلاع ثورات الربيع العربي، تظل تونس النجاح الوحيد لهذه الثورات،  بينما  تجتاح الفوضى معظم أرجاء المنطقة. لكن هذا ليس الاختلاف الوحيد: تونس أرسلت مقاتلين أكثر من أي بلد آخر إلى العراق وسوريا للانضمام إلى التنظيم المتطرف الذي يطلق على نفسه اسم الدولة الإسلامية.

في أحياء الطبقة العاملة بالمدينة يتحمس الشباب للحديث عن الأسباب. “ألا ترى أن ذلك من دواعي الفخر؟” يقولها بتحدي سفيان عباس ،31 عاما،ً وهو طالب يجلس في مقهى في الشارع في حي التضامن، شديد الكثافة السكانية، مع نصف دستة من أصدقاءه ذوي الميول المشتركة.

أقر التونسيون بإجماع واسع دستوراً جديداً ومن المقرر أن تجرى انتخابات حرة ثانية هذا الشهر. وتمتلك البلاد مزية أن سكانها من الأكثر تعليماً وكوزموبوليتانية في العالم العربي وعددهم 11 مليوناً فقط وبها بعض أكثر شواطئ المتوسط جمالاً.

ولكن بدلاً من إضعاف نزعة التطرف المسلح، سمحت الحرية الجديدة، التي جاءت مع ثورات الربيع العربي، للمسلحين بالوعظ والتجنيد بحرية أكثر من ذي قبل. وفي الوقت ذاته يقول الكثير من الشباب التونسيين إن الحريات الجديدة والانتخابات لم تفعل الكثير لتحسين حياتهم اليومية ولخلق فرص عمل أو لكبح جماح قوات الشرطة المتوحشة التي لا يزال الكثيرون هنا يشيرون لها باعتبارها “الحاكم” أو في أوساط الإسلاميين المحافظين “الطاغية”.

وبالرغم من أن خطى تونس نحو الديمقراطية مكنت  الشباب من التعبير عن آرائهم المعارضة، فإن نفاد الصبر والتشكك قادا في النهاية إلى أن تدعم أقلية ساخطة البديل الثيوقراطي الأصولي الذي تقدمه الدولة الإسلامية.

يقول المسئولون التونسيون إن 2400 تونسي على الأقل سافروا إلى سوريا والعراق للانضمام للتنظيم، وتقول دراسات آخرى إن العدد يقترب من 3 آلاف فيما تم إيقاف آلاف آخرين أثناء المحاولة.

“الدولة الإسلامية خلافة حقيقية، نظام عادل ومنصف لا تتبع فيه أوامر أحدهم لأنه غني أو صاحب سلطة.” يقول أحمد، داعم شاب للدولة الإسلامية، لم يذكر اسمه عائلته مثله مثل الآخرين الذين حاورتهم خوفاً من الشرطة “إنه فعل وليس مجرد  تنظير، وسينجح في قلب اللعبة تماماً.”

وفيما عبرت أقلية فقط من التونسيين عن دعمها للمسلحين، يبدو أن كل شخص تحت سن الثلاثين يعرف شخصاً سافر للقتال في سوريا أو العراق أو شخصاً مات هناك.

في حوارات في المقاهي في حي التضامن، عبر عشرات من الشباب العاطل أو من أبناء الطبقة العاملة عن دعمهم للمتطرفين أو رأوا إغراء الإنضمام لصفوفهم، مقتنعين بأنه سيوفر لهم مستوى معيشة أفضل، فرصة لمحو الحدود التعسفية التي قسمت العالم العربي لحوالي قرن، او حتى عملاً بالنبوءات القرآنية التي تقول إن أحداث يوم القيامة ستبدأ بمعركة في سوريا.

“هناك علامات كثيرة على أن النهاية ستكون قريبة، وفقاً للقرآن” يقول أيمن، 24 عاماً، الذي كان يستريح برفقة أصدقاءه في مقهى آخر.

بلال، موظف كان في مقهى آخر، أشاد بالدولة الإسلامية باعتبارها االوسيلة الإلهية التي ستستطيع أخيراً محو الحدود العربية التي رسمتها بريطانيا وفرنسا بنهاية الحرب العالمية الأولى. وقال بلال، 27 عاماً، “تقسيم الدول أووربي. نريد أن نجعل المنطقة دولة إسلامية صحيحة وسوريا هي المكان الذي ستبدأ منه.”

مراد، 28 عاماً يقول إنه يحمل درجة الماجستير في التكنولوجيا ولأنه لم يجد عملاً سوى في مجال البناء، قال إن الدولة الإسلامية هي الأمل الوحيد لـ”العدالة الإجتماعية” لأنه يقول إنها ستبتلع ممالك الخليج الفارسي الثرية بالنفط وستوزع ثرواتها “إنها الطريقة الوحيدة ليسترجع الناس حقوقهم، بإعادة الموارد الطبيعية للشعب.” يقول “هذا فرض على كل مسلم.”

أصرّ الكثيرون على أن الأصدقاء الذين انضموا للدولة الإسلامية أرسلوا عبر الإنترنت يتحدثون عن منازلهم ورواتبهم بل وحتى زوجاتهم، يقول وليد، 24 عاماً، “إنهم يعيشون حياة أفضل منا!”

وسام، 22 عاماً، قال إن صديق له سافر قبل أربعة أشهر أخبره بإنه “يعيش حياة جميلة حقاً ومريحة” تحت حكم الدولة الإسلامية، ويتذكر “قلت له: هل هناك فتيات جميلات؟ ربما أذهب إلى هناك وأستقر.”

يقول قادة حزب النهضة، حزب التيار الرئيسي الإسلامي الذي يقود البرلمان التونسي، إنهم بالغوا في تقدير قوة الديمقراطية وحدها في ترويض التطرف العنيف. وقال سعيد فرجاني، قيادي بالنهضة كثيراً ما يستشهد بتحوله هو نفسه من شباب مسلح إلى عمل سياسي سلمي، في مقابلة إنه الآن يعتقد بأن التطور الإقتصادي سيكون بنفس الأهمية “من غير تطور إجتماعي، لا أعتقد بأن الديمقراطية يمكنها أن تنجو.”

وأقر أيضاً بأنه في زهو الثورة، علق حزب النهضة آمالاً أكثر من اللازم على استمالة شباب المتطرفين ولم تركز كثيراً  على التدابير الأمنية للسيطرة عليهم. وقال فرجاني “حكومة النهضة لم تقدم الخلطة المناسبة. لكن منذ ذلك الوقت، من جانبنا، لا تسامح.”

وتصف إيمان تريكي، محامية ترافعت عن أكثر من 70 تونسياً عائداً، طريقة تفكير الكثير من شباب السلفيين: “إذا كنت سأتعرض للضرب والاعتقال هنا على أية حال، يمكنني أن أذهب إلى هناك ويكون لي تأثير.”

يقول المسئولون التونسيون إن 400 تونسي عادوا من سوريا أو العراق وتم القبض عليهم. ويقول المحامون الذين مثلوهم أن الكثيرين يقولون إنهم تم التغرير بهم للذهاب إلى هناك.

وتقدر إيمان بأن 60% من العائدين يعترفون بإحباطهم من الصراع بين الدولة الإسلامية وبين شريكتها السابقة، جبهة النصرة. وتقول “لم يعتقدوا بأنه من الممكن أن يكون هناك قتال بين المسلمين. يكتشفون إنهم تعرضوا للخداع وتم بيعهم كمرتزقة.”

شرف الدين حسني، 30 عاماً ويعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات ويقول إنه دعم الدولة الإسلامية، يقر بأن الأصدقاء العائدين مفزوعين، “ظنوا أن الأمر سيكون مثل الانضمام للنبي محمد، لكنهم وجدوا أن الأمر منقسم لمجموعات صغيرة وكثير من التجاوزات التي لم يكونوا يتوقعووها، مثل إجبار الناس على القتال.” وأضاف متذكراً صديقاً قتله زملاؤه في جبهة النصرة “لكنهم ليسوا جيشاً حقيقياً ولذا يصعب السيطرة عليهم وهذه أخطاء شخصية.”

خريجو الجامعات العاطلون عن العمل، وهم شريحة كبيرة في تونس حيث التعليم غير مكلف لكن الوظائف شحيحة، مرشحون رئيسيون للجهاد بحسب ما يقول أصدقاؤهم والمحللون التونسيون ولكن هناك شهادات أيضاً عن طلبة ماجستير إدارة أعمال موسرين وعن فلاحين يسافرون كذلك. الكل تقريباً ينجذبون من الفصائل الأخرى ليلتحقون بالدولة الإسلامية بحسب أصدقائهم وتصريحات المسئولين التونسيين.

بعض الأسر توافق، يقول شهاب الدين شاوشي، طالب طب بعمر 24 عاماً، إنه وأسرته دعما قرار شقيقه بلال، عالم دين سلفي عمره 29 عاماً، بأن ينتقل وزوجته إلى عاصمة الدولة الإسلامية، الرقة، في سوريا حتى وإن اختلف أسلوب حياة الأخوين الشخصية بشكل كبير.

“أحياناً أصلي وأحياناً لا” يقول شهاب الدين “أنا شخص إجتماعي جداً” لكن مثل الكثير من التونسيين الذين يبدو أن ممارساتهم تتناقض أحياناً مع تقواهم يقول شهاب الدين إنه يأمل في أن “تربح” الدولة الإسلامية.

“ربما عندما تنتهي الحرب سنكون كلنا في دولة إسلامية، لكل المسلمين الملتزمين، تحت حكم الشريعة” يقول شهاب الدين بلا مبالاة مضيفاً إنه سأل شقيقه مباشرة عن قطع الرؤس الذي تقوم به الدولة الإسلامية وغيره من الفظاعات “قال، لا تصدق ذلك، وأنا أثق بأخي.”

بالطبع في عشرات من الحوارات مع الشباب التونسي تقريباً لا أحد من المتعاطفين أو المنتقدين يصدق التقارير الإخبارية عن القتل الجماعي وقطع الرؤس الذي تقوم به الدولة الإسلامية “أمور مختلقة” يقول عمار مسالمي، سائق تاكسي عمره 28 عاماً، “كل هذا صٌنع في الغرب.”

كلهم أعربوا عن رفضهم للحكومات العربية الحالية باعتبارها فاسدة وديكتاتورية وكلهم لديهم نظرة قاتمة تجاه حزب النهضة. معظمهم وجد صعوبة في تسمية مؤسسة إسلامية أو عالم لم يفسده خدمة سلطة أرضية.

لكن بعضهم لاحظ أن ندرة العلماء قد تكون علامة أخرى على اقتراب النهاية جنباً إلى جنب مع إعلان خلافة جديدة. “تقول لنا أحاديث الرسول إن هذا سيحدث قريباً” يقول أحمد، أحد الشباب في المقهى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى