رياضةمنوعات

الرجل الذي سقط.. حكاية أعظم قفزة في التاريخ

الرجل الذي سقط.. حكاية أعظم قفزة في التاريخ

parashot

ناثانيل بيلgq.com

ترجمة- إيهاب عبد الحميد

في الصيف الماضي نفذ “لوك إيكنس”، محترف القفز بالمظلات، البالغ من العمر 43 عاما قفزة من طائرة على ارتفاع 25 ألف قدم (7600 متر) وسقط لمدة 130 ثانية في الهواء، وراح يحرك نفسه وهو يهوي بسرعة 150 ميلا في الساعة تقريبا، قبل أن يهبط بأمان على شبكة كبيرة. هذه المرة، لم يكن لوك مزودا بباراشوت!

في السطور التالية يحكي لوك للصحفي ناثانيل بن تفاصيل هذه القفزة التاريخية.

لم يراودني النوم طوال الليل، وأنا أفكر في الأمر. كيف ستنفذها؟ هل تستطيع أصلا؟ أعترف أن الأمر فيه مجازفة رهيبة وأنها فكرة جنونية. لكنني قلت لنفسي: تستطيع أن تقلل من المجازفة. في هذه اللحظة جاءتني فكرة الشبكة. الشبكة التي صممتها بنفسي بأبعاد 100×100 قدم (30×30 مترا)، لكي تعلق على أوناش ارتفاعها 150 قدما (45 مترا). كذلك سوف تُعلق أسطوانة هوائية عملاقة بكل زاوية من زواياها. وقبل أن أصطدم بالشبكة مباشرة، سيقوم أحد زملائي في الفريق بالضغط على زر لتحرير الشبكة من الأوناش. الأمر أشبه بأن تحاول التقاط بيضة نيئة في يديك، يجب أن تتحرك اليدين مع البيضة وأنت تلتقطها. عندما أسقطنا دمية من المروحية لتجريب “قوة التسارع”، تحطَّمَت على شبكة أرخص، لكن زوجتي وأنا لم نُصب بالذعر، حتى وإن أصاب بقية زملائنا في الفريق، لأن هذه هي فائدة الاختبارات أصلا.

لكن كيف يمكن أن تهبط على مساحة صغيرة مثل هذه؟ كيف تستطيع توجيه نفسك؟ كلَّفتُ إحدى الشركات ببناء حلقات متحدة المركز من الأضواء التي تشبه أضواء الطرق السريعة. إنها مجرد عدسات بصرية عادية: عندما تكون خارج المساحة المستهدفة، ستضيء باللون الأحمر؛ وعندما تكون بداخلها، ستضيء بالأبيض. إنها دقيقة جدا حتى أنه حتى على ارتفاع 25 ألف قدم يكون الانتقال من الأحمر إلى الأبيض عرضه ثلاثة أقدام فقط. كلما هبطت أكثر أصبحت الفجوة أضيق. سوف تخبرني الأضواء بأي درجة تدفعني الريح وماذا يجب أن أفعل لمقاومتها. إذا قفزت من ارتفاع 25 ألف قدم، فالأرجح أنك ستواجه سبعة أو ثمانية اتجاهات مختلفة للريح، قد أظن أنني أسقط بشكل عمودي لكنني ربما أتحرك حقا بسرعة 17 أو 18 ميلا في الساعة عرضيا فوق الأرض. بسرعة 17 ميلا في الساعة، ستكون فوق الشبكة في لحظات.

1216-GQ-MOPA02-04-The-Man-Who-Fell-To-Earth-04.jpg
الصورة من “جيتي إيمدجز”، 2016

يستغرق الأمر حوالي 30 دقيقة للوصول إلى الارتفاع المطلوب، وفي الطريق إلى أعلى كانت أمامي نحو دقيقة من التفكير بيني وبين نفسي: ما الذي أفعله بحق الجحيم؟ هذا غباء! عندي ابن! عندي زوجة! المعالج النفسي الرياضي الذي عملت معه كان قد أخبرني أنني سأجرب لحظة مثل هذه. كنت قد قسمت المكافأة التي سأحصل عليها إل ثلاثة أثلاث، الأول مقابل موافقتي على القيام بالقفزة، والثاني مقابل التدريب، والثالث للقيام بالقفزة. إذا لم أقفز، لن أفقد سوى الثلث الأخير. لم أكن أريد للنقود أن تضغط على اختياري في تلك اللحظة.

قبل القفز بدقيقة واحدة، كانت الطائرة تحلق بسرعة 90 ميلا في الساعة. يضيء الطيار النور الأخضر- فنفتح الباب. أنظر إلى ثلاثة من الشباب الذين سيقفزون معي. أردت أن أحظى براحة كوني مع أصدقائي، رفاقي في الفريق، أصحابي الذين أثق بهم. لكن بمجرد أن أقفز، لن يعود بوسعهم مساعدتي بأي شيء. أنظر إلى أسفل. أرى الهدف. نحن في المكان الذي أريده بالضبط.

أقول “تجهز، استعد، انطلق!”، فنقفز إلى الخارج.

الطائرة في الحقيقة تتقدم إلى الأمام أسرع كثيرا منا ونحن نهبط إلى الأسفل، للك ففي أول ثانيتين تجد نفسك تسقط 16 قدما إلى أسفل، لكنك على الأرجح تتقدم 300 قدم إلى الأمام. بدأت التحرك ناحية المركز قليلا. ولأفعل ذلك، علينا أن نميل أجسادنا، ونحني رأسنا إلى الأسفل قليلا حتى نشكِّل “مساحة سطح” وراء مركز الجاذبية الخاص بنا، بدلا من أن تكون هذه المساحة أمام مركز الجاذبية. وللعودة إلى الخلف، عليك أن تفعل العكس بالضبط. ونفس الشيء إلى اليمين وإلى اليسار. أنا في المنطقة الصحيحة، على بعد ما بين ألف وألفي قدم أفقيا من النقطة التي أريد أن أكون عندها.

على ارتفاع ثلاثة آلاف قدم، كانت كل أضوائي بيضاء. أنا في نقطة مثالية. وأقول لنفسي، لقد فعلتها! لكنني بعدها تحركت إلى الأمام أبعد من اللازم. وهكذا بدأت أتراجع. ثم شعرت أنني لم أكن أتراجع بالسرعة الكافية، فتحركت بأقصى سرعة إلى الخلف لثانية واحدة- ووجدتني تراجعت أكثر من اللازم. وهكذا فقد أصبحت خلف مركز الشبكة. أنا على بعد نحو ألفي قدم، وأقول لنفسي، “اللعنة!”. أرجعت يدي إلى الخلف وتقدمت إلى الأمام بحرص. طيب. الآن أتوقف عن الحركة. أنا على يسار المركز الذي يجب أن أسقط عليه بقليل. لكنني ما زلت فوق الشبكة.

على ارتفاع 350 قدما، علي أن أنقلب لأسقط على ظهري. أنا لست في المركز بالضبط، لكننا كنا قد اختبرنا الشبكة كلها حتى الأطراف، وأنا داخل الحدود الآمنة تماما. سمعت عداد السرعة في خوذتي يقول: “ثلاثة أميال في الساعة. ميلان”. ثم لم أعد أسمع شيئا. هذا يعني أنك لا تتحرك على الإطلاق. أنت تسقط بشكل مباشر تماما إلى أسفل، وتعاكس الريح بصورة ممتازة. أنقلب على جنبي، على ظهري. أنظر إلى السماء، ألصق ذقني بصدري، أتأكد من أن فمي مغلق، وأبدأ في الانكماش أكثر وأكثر وأكثر، لأنني أعرف أنني على وشك الاصطدام. أعرف أنني على وشك الاصطدام.

بعدها بثانية واحدة تقريبا أنقلب على ظهري. أصطدم بالشبكة. لا أستطيع أن أصف التصادم. كان صلبا، لكن ليس قاسيا. لم يكن هناك ارتجاج، ولا أي صفعة جراء التصادم. فقط “فووووووو!”، تمسك بك وتبطئك في سرعة شديدة. وبينما كانت تلتقطني، أطلقتُ بعض السباب. أدارتني الشبكة- دووت-دووت-دووت- ثلاث دورات إلى المنتصف. أقبع هناك على ظهري، وأشعر ببهجة عارمة! الأدرينالين المتدفق في عروقي كان كاسحا أكثر من أي شيء مررت به في حياتي.

1216-GQ-MOPA02-01-The-Man-Who-Fell-To-Earth-01.jpg
قضى إيكنس عامين في التخطيط لقفزته وصمم شبكة عملاقة لجعل الأمر ممكنا- الصورة من لوك إيكنس

فجأة، يصطدم ظهري بالأرض. لقد كانوا يخفضون الشبكة طوال الوقت دون أن أنتبه. وكانت تلك هي اللحظة التي قلت فيها لنفسي: “انتهى الأمر، لقد فعلناها!”. أنهض، ويتجه الطبيب إلي. نتفق على أنني لا أحتاج إلى هذا الفحص المجنون. إما كنت سأنجو أو لا. ليس هناك الكثير من المناطق الرمادية في هذا الأمر. أشعر بأنني على خير ما يرام. لدي تأمين على الحياة يغطي القفز من الطائرات، لكنني لم أسأل من قبل إن كان يغطي القفز من دون باراشوت!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى