سياسةمجتمع

نيويورك تايمز: “ترقيم” اللاجئين يعيد إلى أوروبا ذكريات النازية

نيويورك تايمز: تتشدد المجر تجاه اللاجئين وتنسى أن 200 ألف لاجىء خرجوا منها بعد الحرب العالمية الثانية

نيويورك تايمز – ريك لايمان – ترجمة: محمد الصباغ

خدع مئات المهاجرين في المجر عندما أحاط بهم رجال الشرطة المسلحون، ووضعوهم في قطار مع وعدهم بالحرية ليجدوا أنفسهم في معسكر “استقبال”. وفي جمهورية التشيك، أخرجت الشرطة أكثر من 200 مهاجر من أحد القطارات، ودونت على أذرعهم أرقاما تعريفية بطريقة لا يمكن محوها، وتوقفوا عن فعل ذلك فقط عندما أشار أحد الأشخاص بأن ما يفعلونه أشبه بالأوشام التي كان يطبعها النازيون على سجناء معسكرات الاعتقال.

ارتفعت الأسلاك الشائكة على الحدود بين دول اليونان، وبلغاريا، والمجر، وفرنسا. ورفع بعض القادة السياسيين شعارات قومية وصوروا المهاجرين على أنهم خطر خارجي، وأن ثقافتهم الأجنبية ودينهم الإسلام سيطغى على تقاليدهم الغالية.

قال كبير حاخامات المجر، روبرت فروليش: ”كان مرعبا أن أرى صور الشرطة وهى تضع أرقاماً على أذرع الناس. ذكّرني ذلك بأوشفيتز –معسكر اعتقال نازي. ثم يؤخذون في قطار يحرسه مسلحون إلى معسكر مغلق؟ بالطبع إنها تبدو كأصداء الهولوكوست”.

يعاني الأوروبيون من أسوأ الأزمات الإنسانية في القارة منذ الحرب العالمية الثانية، ويبدو أن الكثيرين يتعامون عن الصور التي تذكرنا بأحلك أوقات تاريخنا.

أزمة المهاجرين ليست إبادة جماعية. وتبحث القارة بأكملها الآن كيفية تسجيل وتسكين وإعادة توطين أوإعادة تأهيل مئات الآلاف من المهاجرين واللاجئين، وهو تحدي لوجيستي رهيب. ومنذ حصار ألمانيا النازية لليهود لم تخرج صور من أوروبا كتلك التى تخرج الآن لأشخاص محتجزين في قطارات، وأطفال يتم تمريرهم عبر أسلاك شائكة، ورجال يرتدون عتادا عسكريا يقودون أمامهم حشود كبيرة من رجال ونساء وأطفال في حالة مزرية.

في نفس الوقت، قد تفصح تلك الصور عن الحقيقة الأعمق حول أوروبا وعدم استعدادها الظاهر للتعامل مع أزمة مازالت مستمرة: وبينما يكثر الحديث عن حقوق الإنسان والإنسانية، تبقى أماكن كثيرة رافضة للهجرة والتنوع.

ونتيجة لذلك، يتصرف البعض هنا بطرق تعيد إلى الأذهان أسوأ فترات القارة.

ويعلق المدير التنفيذي لمنظمة “هيومان رايتس ووتش”، كينيث روث، قائلاً ”لابد أنهم غير واعيين بما يفعلون.. لا يمكن لأي شخص لديه ذاكرة تاريخية أن يفعل ذلك.  الأمر عجيب حقاً. وبالتحديد صور القطارات التي تذكرنا بكوابيس الهولوكوست”.

كان الحاخام فروليش بالتحديد في حالة ذهول من الأكاذيب التي يتم ترويجها لخداع  المهاجرين. وقال: ”أخبروهم أن القطار متجه إلى النمسا ثم اخذوهم إلى معسكر. لا أعتقد أن الشرطة تلقت تعليمات من الحكومة بفعل ذلك، لكن هذا مشابه تماماً لما حدث مع اليهود في فترة الأربعينيات“.

أما جان مونك، رئيس الطائفة اليهودية في براج، فكان أكثر كرماً في تفسيره لما يحدث. فقال ”أتفهم الأسباب التي جعلت الشرطة تقوم بترقيم المهاجرين، هم تحت ضغط كبير وبكل بساطة لم يدركوا دلالات ما فعلوه. بالنسبة لي ذكرتني بأرقام أوشفيتز، لكنني أعلم أن الأمر لم يحدث لهدف ما“.

بالنسبة لآخرين، يبدو ترقيم المهاجرين بلا هدف أمر مخيف للغاية، ويظهر أن الكثير من المناطق التى شهدت اثار الهولوكست باتت في حالة إنفصال عن التاريخ الذى جرى فيها.

يقول المدير الوطني لرابطة مكافحة التشهير بنيويورك، جوناثان جرين بلات: “قد يكون صحيحا أنهم لا يعرفون بالأمر، لكن التبلد والجهل الذي ظهر في  الصور كان صادماً ومقززاً“.

ليست الهلوكوست هي من تم نسيانها أو تجاهلها. هناك نصب تذكارية تقريباً في كل مدن القارة الكبرى. وفي هذا الصيف، صدّق الرئيس الروماني على مشروع قانون يجعل نفي الهولوكوست ورفع شعارات فاشية جريمة. وحتى محطة القطارات المزدحمة بالمهاجرين في مدينة “سيجد” المجرية بها نصب تذكاري يعود لعقود ويخلد ذكرى ضحايا الحرب العالمية الثانية. والنصب عبارة عن سلسلة من عربات القطارات بها أذرع تتوسل من النوافذ للمساعدة. وفي بودابست، تحديدا في محطة قطار كيليتي، التي تحول محيطها إلى مخيم رث للمهاجرين، جاء أول قطار لنقل المهاجرين البائسين يوم الخميس ظاهرياً إلى الحدود النمساوية، بينما اتجه فعليا إلى معسكر اعتقال. وتواجد المهاجرين خلف محطة القطارات بينما كانت إحدى العربات مكتوب عليها شعار “1989 أوروبا بلا حدود”.

وفي يوم الجمعة، مرر البرلمان المجري النصف الأول من مجموعة المراجعات على قوانين اللاجئين التي قد تسمح بخلق ما يسمى بمناطق عبور بطول الحدود الصربية. وسيقتصر وجود اللاجئين الجدد على تلك المناطق، التي يجب أن تكون في حدود 60 متراً، حتى يتم الوصولإلى حل لموقفهم، ويستغرق الحل ثمانية أيام، وهناك ثلاثة أيام آخرى للطعون المحتملة.

وإذا تقرر أنهم عبروا دولة تعتبر آمنة خلال رحلتهم إلى المجر، وفي الغالب سيكون حدث، سيتم إعادتهم مرة أخرى بموجب القانون.

لكن مع قدوم المهاجرين بنسبة 3 آلاف شخص يومياً، ففي خلال 10 أيام سيصل تعداد من بالمعسكرات إلى حوالي 30 ألفا.

يقول جابور جيولاي، منسق برنامج اللاجئين بلجنة هلسنكي لحقوق الإنسان ببودابست، إنه لا يستطيع ”اعتبار الأمر أي شئ سوى معسكرات اعتقال. يصل هؤلاء اللاجئين في ظروف مرعبة، ثم يتم وضعهم في تلك المعسكرات“.

من المتوقع أن يصدر البرلمان دفعة جديدة من القوانين المتعلقة باللاجئين خلال الأسبوع المقبل، وسيعطى للشرطة والجيش سلطة أوسع، ويشمل ذلك الحق في دخول أي منزل والبحث عن المهاجرين الذين قد يكونوا مختبئين.

ويرى الكثير من المناصرين لقضية اللاجئين أن ذلك يعد فقدانا للذاكرة التاريخية، حين تقوم تلك الدول بالتشدد مع اللاجئين رغم أنها أكثر الدول التى عانت خلال الحرب العالمية الثانية وخرج منها أكبر عدد من اللاجئين.

يقول كينيث روث: ”في أوروبا، استفدنا من المساعدة الإنسانية وتقبل اللاجئين عقب كارثة الحرب العالمية الثانية. يبدو كما لو أن هناك ذاكرة قصيرة ولا يوجد شعور بأن أوروبا ،التي هي الآن ناجحة، تدين بالكثير للآخرين المحتاجين للمساعدة“.

ويشير جيولاي إلى أن أول عملية كبيرة تعاملت معها مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين بعد تأسيسها كانت مع 200 ألف لاجئ تم ترحيلهم عقب قيام الاتحاد السوفيتي بسحق التمرد في المجر عام 1956.

ويقول مدير الإعلام الأوروبي بمنظمة “هيومان رايس ووتش”، أندرو ستروهلين إنه من الصعب إدراك كيفية نسيان الأشخاص للتاريخ سريعاً. نقول جميعاً أننا تعلمنا من دروس الماضي، لكن بإبعاد هؤلاء البائسين  الذي فروا من الموقف المرعب يوحي بأننا لم نتعلم أي دروس على الإطلاق“.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى