حياتنا

دراسة: “القيلولة” قد تخدع العقل بذكريات وهمية

النصف الأيمن من المخ أكثر انخداعًا بسبب "المغازل النومية"

 

ذاكرتنا ليست نقية من العيوب، فقد نتذكر بعض اللحظات الماضية وننسى لحظات أخرى كما لو كان شريط ذكرياتنا به بعض الأعطال، وربما نتذكر أحيانًا بعض الأشياء التي لم تحدث أبدًا؛ وهي ظاهرة يطلق عليها العلماء “الذاكرة المزيفة” تتسبب حتى في شهادات مضللة لشهود العيان في قضايا هامة.

من أين تأتي هذه الذاكرة المزيفة؟ وفقًا لمواقع Live Science الأمريكي المهتم بالعلوم، ترجّح دراسات علمية سابقة أن النوم يلعب دورًا في تكوين ذكريات مزيفة، إلى أن استقرّ باحثون في دراسة حديثة مصغّرة على وجه محدد من أوجه النوم باعتباره المتهم الرئيسي بهذه الظاهرة، وهي “المغازل النومية” التي تظهر في كهربية الدماغ في أثناء النوم.

توضح الدراسة، المنشورة في ديسمبر الماضي بالدورية العلمية “علم النفس العصبي”، أن هذه المغازل النومية هي انفجارات سريعة في نشاط المخ في أثناء النوم، وتحدث في أحد أخفّ مراحل النوم المعروفة بالمرحلة 2، المعروفة بتباطؤ معدل نبضات القلب وعدم حركة العين.

اعتمد الباحثون في الدراسة الأخيرة على بحث عينة من 32 طالبًا بالجامعة ممن يحصلون على قسط جيد من الراحة ولا يتناولون الكافيين، وعرضوا عليهم بضع كلمات تتصل جميعًا بنفس الموضوع، ثم ربطوها بجهاز اختبارات النوم المتعددة التي تقيس نشاط المخ في أثناء النوم.

بعدها تم تقسيم الطلاب عشوائيًا إلى مجموعتين، إحداهما مستيقظة والأخرى في حالة قيلولة، وتم وضع مجموعة القيلولة في أجواء مناسبة للنوم، مع التأكد من كونهم غارقين في نوم تام عن طريق جهاز اختبارات النوم، بينما طلب الباحثون من المجموعة المتيقظة مشاهدة أي شيء يريدونه على التلفاز.

وبعد انتهاء فترة اختبارية محددة، تم عرض مجموعة أخرى من الكلمات على المجموعتين، بعضها مُكرر من التجربة الأولى لعرض الكلمات والبعض الآخر جديد، مع وجود بعض الكلمات الخادعة التي تتصل بنفس الموضوع لكنهم لم يروها من قبل، وسُئلوا عما إذا كانوا رأوا هذه الكلمات من قبل. ووجد الباحثون أن الطلاب الذين حصلوا على قيلولة كانوا أكثر عُرضة للوقوع في فخ الكلمات الخادعة، والقول بأنهم رأوها من قبل، أي أنهم يخلقون ذكريات مزيفة.

لكن الباحثين احتاروا في معرفة الجزء من المخ المسؤول عن الانخداع بذكريات مزيفة، ولمعرفة ذلك جرّب الباحثون إظهار الكلمات بشكل سريع على شاشة، بحيث تظهر على الجانب الأيمن من الشاشة مرة وعلى الجانب الأيسر مرةً أخرى، بحيث يتم العرض في مجال بصري لا يتسع سوى لنصف المخ في المرة الواحدة.

جون شاو، قائد الفريق البحثي والدارس بمرحلة الدكتوراه في علم النفس بجامعة “لانكستر” الإنجليزية، قال إن التجربة صُمِّمت بحيث يفقد الطالب الكلمة إذا طرَف بعينه للحظة، لأن الكلمة لو بقيت لوقت طويل على الشاشة لأدركها نصفا المخ معًا. وانتهت الدراسة إلى أن النصف الأيمن من المخ لدى من يحصلون على قيلولة يكون عُرضة للانخداع بكلمة مزيفة، ومن ثمّ تكوين ذكريات مزيفة، أكثر من النصف الأيمن، لكونه يتضمن العدد الأكبر من المغازل النومية بحسب ما سجّله جهاز اختبارات النوم.

وأوضح شاو كيف يتم الأمر: “مثلًا قد ترفع المغازل النومية الكلمة (نوم) وتقول للمخ إنه يتذكرها من قبل، نظرًا لكونها تتماشى مع المحور العام للكلمات الأخرى التي رآها المخ من قبل بالفعل، مثل (فراش) و(حلم) و(قيلولة) و(غفوة)”.

يُذكر أن دراسات سابقة ربطت بين المغازل النومية وتكوُّن الذاكرة، لكنها فحصت في ذلك الذكريات الصحيحة فحسب. تابع شاو: “في الواقع تلعب المغازل النومية دورًا شديد الأهمية في دمج الذاكرات قصيرة المدى في أرشيف الذاكرة طويلة المدى، كما تساعد في التطور القشري للمخ؛ لكن هذه الدراسة هي الأولى من نوعها في كشف علاقة المغازل النومية بتكوين ذاكرة مزيفة”.

ولا يدفعنّك هذا إلى النقمة على عقلك الساذج، أو اعتبار نوم القيلولة شرًا مطلقًا يؤذي المخ؛ ففي دراسة نشرها موقع Live Science أيضًا في 2011 وجد الباحثون أن الحصول على قيولة قبل الدراسة أو أداء امتحان يرفع نسبة الذكاء والأداء الدراسي بنسبة 20%، ويعمل على إنعاش العقل ويحسّن استعادته للذكريات المُخزّنة.

الدراسة تمت على نطاق ضيق، لذا يأمل شاو في إجراء توابع لها على نطاق أوسع من المبحوثين، والتوسع من دراسة القيلولة فقط إلى دراسة ما يتعرض له المخ من “أذى” في أثناء النوم لليلة كاملة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى