سياسة

ذا نيويوركر: ميدان التحرير أرض التناقضات

ذا نيويوركر: ميدان التحرير أرض التناقضات

ذا نيويوركر – بيتر هيسلر – ترجمة: محمد الصباغ

الإثنين كان الذكرى الخامسة لاندلاع الثورة المصرية، وأكثر الأشياء التي رأيتها امتاعاً في ميدان التحرير كانت إما الأمطار أو الشاب الذي ارتدى سترة ب”زنط“ مكتوباً علىها بالإنجليزية وبحروف كبيرة (Keep And & Smoke Weed) أو ”استرخ ودخن الحشيش“.  لا يوهن المصريين شيء أكثر من الأمطار-  مع إنه حتى في شهر يناير، أكثر شهور العام أمطاراً، تكون ارتفاع المياه أقل من شبر. في هذا اليوم، بدأ هطول الأمطار بشكل ثابت حوالي الساعة الواحدة، فتفرق بشكل سلمي حشد صغير من الأشخاص الذين تجمعوا بأحد أركان الميدان، في يوم يسمى بعيد الشرطة أيضاً، من أجل دعم الحكومة.

وعلى الرغم من الأمطار قرر بعضهم الجلوس على الأرض. كان هناك رجل في الستينيات من عمره يدعى محمد الفونس، سافر لدة 3 ساعات بالقطار، من الواحات البحرية ليحمل لافتة عليه صورة للرئيس عبدالفتاح السيسي ومكتوب عليها ”ربنا معاك.“ قام محمد بتزيين بنطاله، وكتب على الجزء الأيسر منه ”نعم،“ وعلى القدم اليمنى كتب  ”السيسي“. عندما سالته عن رأيه في الثورة التي بدأت في 25 يناير 2011، قال إنها ”كانت جيدة بنسبة 100%.“ لكنه أحب أيضاً حسني مبارك، الرئيس السابق الذي كان هدفاً لتلك التظاهرات. وأوضح محمد: ”كان رجلاً طيباً، لكنه سمح للإخوان المسلمين بأن يصبحوا أقوياء. أضعف البلاد، ومهد الطريق ليصبح محمد مرسي رئيساً.“

بينما كنا نتحدث وصل الشاب الذي يرتدي ملابس مطبوع عليها عبارة ”استرخ ودخن الحشيش.“ كانت الكلمات مطبوعة على خلفية من نبات الحشيش. الشاب في العشرينيات، وعندما سألته عما إذا كان يعرف معنى الكلمات المكتوبة بالإنجليزية هز رأسه. ترجمت له المكتوب، فانفجر بالضحك مع أصدقائه- أفضل عيد للشرطة على الإطلاق. عندما رأتني سيدة عجوز أدون ملاحظات، قدمت نفسها إلى، الحاجة زينب، وأخبرتني انها جاءت إلى الميدان لأنها بحاجة إلى المساعدة. قالت: ”زوجي مريض وغير قادر على العمل. لست متسولة. لا أريد مالاً. فقط أريد الحصول على كشك صغير لأبيع أشياء كالسكر والزيت.“ ثم فتشت في حقيبتها وأخرجت تقريراً طبياً، مع جريدة بها صورة لها وعنوان ”حلم بكشك مرخص.“

الأحاديث في ميدان التحرير مشوشة، ومن الصعب أن تجد علاقة لها بالحركة التي بدأت في 2011. لا يوجد نقص في البيانات والتحليلات، على سبيل المثال، أصدر معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط مؤخراً شامل يدين الوضع السياسي والاقتصادي للدولة. وهناك استبيان حول الذكرى الخامسة ، أعده مركز بصيرة. سأل المركز السؤال التالي: ”هل تعتقد أن البلاد تحسنت أم كما هي أم أسوأ مما كانت عليه قبل ثورة يناير 2011 ؟“ كانت الإجابات بأسوأ نسبتها فقط 19%. في حين كان حوالي 70% إيجابيين،  فأجاب 39% منهم بأن الاحوال أفضل، و29% أكدوا ان الأحوال أفضل كثيراً. في حين ذكرت تقارير بنيويورك تايمز ووسائل إعلام أخرى بأن حملة امنية كبيرة ضد الصحفيين والمؤسسات الثقافية مع ذكرى 25 يناير الإثنين.

إذاً ما هو الموقف الحقيقي؟ في كثير من الاحيان أشعر بأن أكثر الأشياء المفيدة التي تعلمته في مصر تتلخص في: ليس من الحتمي أن يكون للامر معنى. أو ربما يمكننا القول أنه من الأفضل أن نقول إن العديد من التناقضات والاختلافات يمكن أن تكون حقيقية في نفس الوقت. من المحتمل أن الاقتصاد المصري والحياة السياسية قد تدمرت بشدة في الفترة ما  بعد عصر التحرير، لكن مع ذلك يبقى أغلبية المواطنين، لسبب ما، تنم ردودهم على استبيان حول ما حدث بعد الثورة، عن كونهم متفائلين. من الممكن لرجل سافر لثلاث ساعات للاحتفال بالذكرى الخامسة للثورة، ومازال يتحدث بحب عن القائد الذي أسقطته تلك الحركة. من الجائز أن يتحدث شخص ما بشكل جيد عن السيسي ومرسي- مررت بتلك النوعية من الحوارات مرات عديدة، وآخرها كانت في الليلة التي سبقت ذكرى الثورة، أثناء شرائي للبرتقال.

محتمل أيضاً من سلطات الأمن المصرية التي تورطت في استعدادات أمنية كبيرة لهذه الذكرى، التي تعني القليل -في هذه المرحلة- لأغلب السكان. في دولة استبدادية، يمكن أن يكون هناك قمع دون معارضة نشطة- العلاقة بين تلك العناصر ليس من الضرورة أن تكون منطقية أو بسبب ما. من المذهل ظهور هذا الحس القليل بالأزمات أو الغضب في مصر هذه الأيام، وكيف يتم توجيه طاقة قليلة إلى الحياة السياسية. بالنسبة لكثير من الأشخاص، تبدو بداية الربيع العربي منذ فترة طويلة، ويميلون أكثر إلى محاولة المقارنة بين الاوضاع حالياً وما كانت عليه في النصف الأول من عام 2013، حينما كان مرسي في السلطة وكانت الدولة تبدو في طريقها أكثر إلى الانهيار، مع الانقطاع المتكرر للكهرباء، ونقص البنزين والسلع الأساسية الأخرى.  بالمقارنة، الأعمال الإرهابية المتقطعة خلال العامين الماضيين تبدو أقل كثيراً في تهديدها للمواطن العادي، وخصوصاً مع الميل إلى تركيز الهجمات في سيناء. خلال العام الماضي، قمت تقريباً بعشر رحلات إلى الجنوب، ووجدت تدخلاً أقل كثيراً لقوات الأمن. في أكتوبر، قمت برحلة لمدة 10 أيام –صحفي أجنبي، يسافر وحيداً بسيارته- دون أن يواجه أي سؤال من ضابط.

كانت القوات كثيرة في التحرير يوم الإثنين، لكن عندما زرت المكان لم يكن لديهم الكثير ليقوموا به. وفي طريق عودتي إلى السيارة، رأيت مجموعة من ضباط بملابس رسمية وكلب بوليسي مجتمعين بمرآب للسيارات، مختبئين من الجو السيئ. كانت الشوارع المغاطة بمياه الامطار خالية عند قيادتي إلى المنزل. ربما كان ذلك أهم شئ حول اليوم، لم أكن لأفكر في مرة أستمع فيها إلى صوت مساحات الزجاج الامامي لسيارتي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى