سياسة

السيسي .. أبو الهول غير المتوقع

الدبلوماسي الإسرائيلي أوري سافير يحلل السياسات المصرية “الغامضة”  في عهد السيسي ويرى أن العلاقة مع إسرائيل ستستقر في مكان بين عبد الناصر والسادات.

 Egypt's President Sisi smiles upon arrival at Khartoum International Airport

أوري سافير – المونيتور

ترجمة – محمود مصطفى

مع انسحاب الولايات المتحدة من عملية السلام في الشرق الأوسط، استطاعت مصر تحت الإدارة الجديدة لعبد الفتاح السيسي أن تبرز كوسيط مهم في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية. في أعقاب حرب غزة، قد تكون القاهرة، التي تعيد تشكيل دورها القيادي الاستراتيجي في المنطقة، منفتحة على دفع استراتيجية سلام إقليمية أساسها مبادرة السلام العربية.

هذه فرصة لإسرائيل للتنسيق مع مصر لحل دولتين متوازن بالتنسيق أيضاً مع السلطة الفلسطينية والأردن والسعودية.

لكن، مع ذلك، لا شيء يتحرك أبطأ من تغير السياسات في مصر ما بين الثورات. وحذرني خبير في السياسات المصرية “حقيقة أنك لا ترى تغيراً في السياسات لا تعني أنه لا يحدث.”

بالتأكيد، وفقاً لمصادر رفيعة المستوى في وزارة الخارجية المصرية، تضع إدارة السيسي استراتيجية إقليمية جديدة موضع التنفيذ ببطء وحذر، ولكن بتصميم مصري تقليدي. خلال هذه العملية قد نرى تغييرات في ترتيب تحالفات مصر في المنطقة وفي العالم.

من الطبيعي أن تكون أولوية الرئيس السيسي القصوى هي الاقتصاد، وهي مهمة مستحيلة في أرض الزيادة السكانية والبطالة. دولياً، يعني هذا علاقات طيبة مع الولايات المتحدة، خاصة للجيش المصري، ولكن أيضاً تنويعاً في العلاقات بتحسبن الروابط الاقتصادية والسياسية مع روسيا والصين وألمانيا.

على الجبهة الإقليمية، ترى قاهرة السيسي الانقسام الشيعي السني ذا  أهمية استراتيجية وترى في إيران تهديداً سياسياً لمصر. لا ينظر للقضية الفلسطينية كثيراً من منظور استراتيجي، ولكن من منظور أنها في قلوب وعقول الشعب المصري المتضامن مع إخوته تحت الاحتلال.

ليس هناك الكثير من الحب المفقود في أروقة السلطة الجديدة على ضفاف النيل، هناك قبل كل شيء وعي جاد بمصالح أمنية مشتركة بين الدولتين من اجل مواجهة الإرهاب والحفاظ على اتفاقية السلام.

ومع ذك، مصر السيسي أكثر قومية من الحكومة السابقة عليها ومع الوقت سيصبح توجهها نحو إسرائيل، وفقاً لتلك المصادر بوزارة الخارجية، في موقع ما بين سياسات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والرئيس الراحل أنور السادات. بدون دولة فلسطينية ستكون هذه العلاقة (بين مصر وإسرائيل) مهتزة على أفضل تقدير.

وفقاً لمصادر بوزارة الخارجية الأمريكية، واجه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال زيارته الأخير للقاهرة صعوبة في قراءة تعابير وجه السيسي الجامدة، يحتفظ الزعيم المصري بأوراق لعبه بعيداً عن الأعين.

يطلب السيسي من الولايات المتحدة اعترافاً بدورها القيادي الإقليمي كما يرفض أي تدخل أمريكي في الشئون المحلية.

يغطي على الاستقلال الاقتصادي الفخر الوطني والخيلاء، هؤلاء الذين في القاهرة يخمنون الأوراق التي في يد السيسي يزعمون أن تغييرات تدريجية وإن تكن مفاجئة لا تزل محتملة. وبينما يرى السيسي جماعة الاخوان المسلمين كتهديد للأمن الوطني، قد يسمح في المستقبل بحريات اجتماعية  اكبر لأتباعها، وإن لن تكون حريات سياسية.

أيضاً، بينما ينظر إلى إيران على أنها عدو إقليمي، فإن الحوار مع طهران يتكثف ويتحسن عبر المبعوثين الرئاسيين. وفي الوقت ذاته تظل العلاقات مع السعودية الثرية جوهرية.

كذلك الامر مع حماس، تزعم مصادر الخارجية المصرية أننا لم نسمع الكلمة الاخيرة بعد من القاهرة فالسيسي لم يندب القصف الإسرائيلي لغزة بل وفضل قبضة إسرائيلية أقوى كما أنه لم يقدم تنازلاً ولو بسيطاً لحماس في اتفاقيات وقف إطلاق النار وفتح معبر رفح.

ومع ذلك، هنا أيضاً، التغيير محتمل. فمصر تدرك، ربما أفضل من الآخرين، أن حماس وجدت لتبقى. مصر قد يروق لها أن تضعف حماس لكن تحت رعاية مصرية.

يحمل السيسي إزدراءاً عميقاً لقطر وقد يجاول أن يحل بدلاً منها كأب روحي لحماس أكثر ميلاً لمصر. ويعي موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس والمقيم بالقاهرة، هذه الميول جيداً.

السياسة الخارجية لمصر مبنية على مقدمات منطقية استراتيجية متعلقة بدورها القيادي في المنطقية، وبقدر ما ستناور الحكومة بحذر وباستقلالية لبناء تحالفات جديدة فإنها ستريد أن تبتعد عن صورة الدولة التي تدور في فلك الولايات المتحدة وهي الصورة التي تصف عهد حسني مبارك الذي ظل رئيساً من عام 1981 حتى 2011.

تقول المصادر بوزارة الخارجية الأمريكية لـ”المونيتور” إنهم يراقبون السيسي بتقدير وبإحباط، فذلك النوع من الصفقات السياسية التي كانت ممكنة في عهد مبارك أصبحت أكثر صعوبة مع أبو الهول المصري هذا.

سواء حول الدولة الإسلامية أو قطاع غزة، يفضل السيسي ووزراة خارجيته دوراً أكثر استقلالية ويبدو أن واشنطن لم تتعلم بعد كيفية المناورة مع الزعيم المصري الجديد ولا تدرك مدى محورية مصر في عملية صنع القرار الفلسطيني.

لا تزال العلاقات الأمريكية المصرية متوترة، بالرغم من الاتفاق على توريد 10 طائرات هليكوبتر من طراز آباتشي، بسبب التوقعات الأمريكية المفرطة حول العملية الديمقراطية في مصر، وتتفق المصادر بالخارجية الامريكية في أن السيسي شخصية بشكل ما لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها.

 إسرائيل حالياً أكثر ثقة في رؤيتها وعلاقتها بمصر بعد سقوط الاخوان المسلمين. العلاقات بالقاهرة في أغلب الأحوال في أيدي وزارة الدفاع الإسرائيلية وبالتنسيق مع الجنرال المتقاعد عاموس جلعاد؛ المنظور الذي ترى من خلاله القدس هذه العلاقة مركز على مكافحة الإرهاب.

بالطبع التنسيق الأمني هو الأفضل منذ سنوات عديدة، ومع ذلك فإن المسائل السياسية كما أصبح معتاداً في السنوات الأخيرة، هي قصة الفرص الضائعة.

كثف السيسي حواره مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقدم دعمه الكامل لمبادرة السياسات الفلسطينية الجديدة. وأشار السيسي لعباس بأنه مستعد، مع الجامعة العربية، لدعم عملية إقليمية تقود إلى حل دولتين وإلى إضعاف الأصوليين.

لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي رفض الانخراط في أي عملية قد تخالف سياسته “المستوطنات أولاً” وحجته الجديدة هي منع الأنفاق والصواريخ في الضفة الغربية.

إذاً، على الطرفين المتقابلين لصحراء سيناء تقع حكومتان، المصرية والإسرائيلية وكلاهما يتحول إلى سياسات أكثر وطنية، يمكنهما الاقتراب من بعضهما البعض فقط في مسألة الدولة الفلسطينية. وبدون تطور على الجبهة الفلسطينية، تقف إسرائيل في انتظار أن تفاجئأ بتحركات القاهرة السياسية الإقليمية المرتقبة.

أوري سافير: دبلوماسي وسياسي إسرائيلي كان عضوا في الكينيسيت ما بين عامي 1999 و2001.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى