ثقافة و فن

“شيء من حتى”.. أو لماذا لا يتم تدريس سلسلة “فانتازيا” في المدارس؟

المتعة والفائدة والمعلومات في سلسلة أحمد خالد توفيق الرائعة

في قصته “شيء من حتى“، التي تحكي حكاية سيبويه “إمام النحاة” ومواجهته اللغوية الشهيرة مع الكسائي في بغداد، يروي أحمد خالد توفيق قصة اكتشاف بحر المتدارك على هذا النحو الطريف: يجعل من مكتشف البحر “الأخفش الأوسط” شابا صغيرا يحاول التحدث بلا جدوى إلى أستاذه الخليل بن أحمد الذي لا يستمع إليه، وكلما قال له الأخفش: ولكن يا سيدي.. يقاطعه الخليل على نحو أو آخر، وحين يخرج الخليل بن أحمد أخيرا من البصرة في رحلة إلى بغداد، يلحق به الأخفش على دابة صغيرة، يصل إليه وهو يلهث لـ”يتداركه”، ويخبره أخيرا بالبحر الذي غاب عنه “بحر المتدارك”.

عنوان القصة “شيء من حتى” مقتبس من عبارة شهيرة منسوبة لسيبويه، عالم اللغة ذي الأصول الفارسية، والذي تستعرض القصة أزمته الشخصية منذ طفولته مع أصحاب الأصول العربية الذين طالما استهانوا بإمكانات هذا “الفتى الأجنبي” وأحبطوه، فتحدّاهم وأمضى عمره يحاول إثبات أنهم على خطأ، تصل القصة، التي صدرت ضمن سلسلة “فانتازيا” إلى لحظة المواجهة/ المناظرة الشهيرة بين سيبويه (الفارسي) والكسائي (العربي)، والتي كانت مشكلتها في “التحكيم”، لأن ليس هناك من هو أعلم باللغة بين العالمين المتنافسين، فمن سيحكم بينهما؟ هنا يأتي الكسائي بعدد من أعراب البادية، الذين يشيع عنهم قدراتهم اللغوية الفطرية ليصيروا محكّمين، لكنهم، كما تقدّمهم القصة كانوا مجرد عملاء للكسائي، وافقوا على كل ما يقول وظلموا سيبويه من جديد.

هذا الاختصار قد يجعل من القصة تبدو كما لو كانت عملا لا يهم إلا هواة اللغة، غير أنها أبعد ما تكون عن ذلك، هي تحيل شخصياتها، سيبويه والكسائي والفراهيدي والأخفش، إلى شخوص حيّة تمشي في الأسواق وتضحك وتسخر وتعاني المشكلات النفسية، تجادل الحكام وتسخر من العامة وتداعب الباعة والبسطاء، هي قصة شديدة الإمتاع ينتهي قارئها وقد عرف الكثير عن عالم ربما لم يكن يعني له من قبل شيئا، مثل هذه الصفات، أليست هي الأفضل لكتاب مدرسي؟ بدلا من الكتب الجافة لوزارة التربية والتعليم؟

نتيجة بحث الصور عن فانتازيا تشي

بطلة سلسلة فانتازيا وهي الشابة “عبير عبد الرحمن” هي بنت عادية، كملايين التلاميذ، لا تتميز بجمال خاص ولا قدرات خارقة وتنتمي إلى الشريحة الأقل من الطبقة الوسطى، لا يميّزها سوى خيالها الواسع، يأخذها المؤلف -فتأخذنا هي – في كل عدد من السلسلة إلى عالم جديد، خيالي أدبي، أو علمي أو فلسفي، في قصة “فلاسفة في حسائي” من السلسلة ذاتها يجلس القارئ مع سقراط في زنزانته في ليلته الأخيرة ويشهد الأيام التي سبقت جنون نيتشة، في “حب في أغسطس” تشهد البطلة احتراق البشر حرفيا في أجواء القنبلة النووية على هيروشيما، في “عبقري” تشهد أزمة البطل في “جريمة وعقاب” ديستويفسكي، وبين “آخر أيام الرايخ” و”من قتل الإمبراطور” يلمّ القارئ والقارئة -بمتعة غير محدودة- بعوالم النازي وزمن بونابرت، في عبقري آخر “تخوض السلسلة العالم النفسي شديد التعقيد لأبي الطيب المتنبي، ثم يرحل إلى عالم ديزني في “اقتلوا بطوط”.

لا تحتاج سلسلة فانتازيا إلى وزارة التعليم كي تنجح وتصير مقروءة، فهي كذلك بالفعل، الواقع أن المدارس، وعالمها الجاف التلقيني، هي ما يحتاج إلى كتب بمتعة وقيمة سلسلة فانتازيا.

صورة ذات صلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى