سياسة

“واشنطن بوست”: لماذا تطيح الثورات السلمية بديكتاتور وتفشل مع آخر؟

واشنطن بوست: لماذا تطيح الثورات السلمية بديكتاتور وتفشل مع آخر؟

كلما اقترب النظام من الغرب واعتمد عليه استطاع المتظاهرون السلميون الضغط عليه

واشنطن بوست- دانيل ريتر

ترجمة: محمد الصباغ

شاهدنا خلال العقود القليلة الماضية انتشار نوع جديد من الثورات، وأطلق عليه وصف بديل مثل ”تفوضية،“ ”ديمقراطية،“ ”انتخابية،“ ”غير العنيفة،“ أو ”غير المسلحة،“ تتجنب تلك الثورات بشكل كبير أساليب العنف، وأصبحت جزءا من سمات السياسة الدولية المعاصرة.

ومنذ الإطاحة بمحمد رضا بهلوي، شاه إيران الأخير، في يناير 1979 كنتيجة لمظاهرات كبيرة وإضرابات، سقط القادة المستبدون بطريقة مماثلة في دول مثل الفلبين وتشيلي، وتشيكوسلوفاكيا، وألمانيا الشرقية، وإندونيسيا، وصربيا، وأوكرانيا، وجورجيا، وتونس، ومصر.

وبالرغم أن المكاسب المحققة على المدى الطويل في أعقاب تلك الثورات غير المسلحة وغيرها كانت محبطة لأنصارها، لكن قدرتها على الإطاحة بالمستبدين عبر أساليب ليست عنيفة -بعض الأحيان أشير إليها بعبارة ”المقاومة المدنية“- مثّلت لغزًا كبيرًا أمام العلوم الاجتماعية.

كيف يمكن تفسير أن نظاما قمعيا شديدا ويمتلك كل السلطات تقريبًا، ينهار على يد متظاهرين مسلحين فقط بالشعارات والإصرار؟ وفي أحيان أخرى، لماذا تفشل بعض المحاولات لثورات غير مسلحة في الإطاحة بالطغاة، على الرغم من أن تلك الحركات في البداية تبدو متطابقة مع نظرائها من المحاولات الناجحة؟

في كتابي الأخير، أشير إلى أن التأكيد على خطابات الديمقراطية وحقوق الإنسان يمكن أن يساعدنا في فهم لماذا أثبت شاه إيران، وزين العابدين بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر، أنهم سريعو التأثر بالحركات السلمية أكثر من محمود أحمدي نجاد في إيران، ومعمر القذافي في ليبيا، وبشار الأسد في سوريا؟ فمع العلاقات القوية بين هؤلاء القادة في إيران وتونس ومصر، وبين الغرب -خصوصًا في ما يرتبط بالمزايا الاقتصادية السياسية بسبب العلاقات الجيوسياسية- وجدوا أنفسهم مجبرون على التعامل بطريقة مقبولة بشكل كبير من نظرائهم الغربيين. وفعلوا ذلك من خلال تحويل أنظمتهم إلى ”ديمقراطيات مزيفة،“ وهي عبارة عن حكومة تتحدث كثيرًا في خطاباتها عن القيم الليبرالية الغربية مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن دون أي نية حقيقية لتنفيذ الالتزامات المتعلقة بها.

دائمًا ما ذهب الشاه وبن علي ومبارك إلى تأييد علني لحقوق الإنسان أو إجراء انتخابات (ليست عادلة)، وهنا قد يغض القادة الغربيون الطرف بشكل جزئي ويستمرون في دعمهم حتى لو لم تسر الأمور في تلك الدول بالشكل المثالي، فعلى الأقل، العالم الديمقراطي لم يكن في علاقة وثيقة مع مستبدين ينتهكون حقوق الإنسان. بالتتابع، قام المستبدون الثلاثة بصناعة وتعزيز ديمقراطيات زائفة من أجل تعزيز صورتهم أمام المحافل الدولية، مما سهل الدعم الغربي وسمح بوجود مناصرة غربية مستمرة لهم.

لكن هذا النفاق في الالتزام بالقيم الغربية يتم دفع ثمن في مقابله، فقد أدركت المعارضة في الدول الثلاث أن استخدام حكومتهم تلك المبادئ، قد يكون ضدها. سعى نشطاء حقوق الإنسان والمناصرون للديمقراطية إلى محاسبة قادتهم بالإشارة إلى التناقضات بين الخطابات والواقع، حدث ذلك عادة بدعم من منظمات حقوقية خارج البلاد. ونتيجة لذلك، اضطر قادة الدول الثلاثة إلى إعادة التأكيد على التزامهم بمبادئ الديمقراطية، مما جعلهم أكثر عرضة للانتقادات والضغط.

لم يستطع القادة الثلاثة تدمير ديمقراطيتهم المصطنعة التي يعتمدون عليها، مما سمح للتحركات بالنمو بشكل درامي حتى أصبح الحسم باستخدام العنف أمرا مستحيلا. عرف هؤلاء القادة وحلفاؤهم في الداخل أن القمع قد تتناقله وسائل الإعلام الغربية، مما سيجبر الزعماء الغربيين على التصرف. هذا القفص الحديدي الهام من الليبرالية لم يحتجز المستبدين فقط: عندما طالب عشرات الآلاف من المتظاهرين غير المسلحين مطالبين بالديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحرية، والكرامة، وذلك على الهواء مباشرة، كان على القادة الغربيين التعاطف مع مطالبهم، ويتخلون -على مضض أحيانًا- عن حلفاء مهمين من أجل الوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ (والجانب الصحيح من الانتخابات القادمة).

بدلا من أن تكون قوية في جوهرها، أرى أن تلك الأساليب البعيدة عن العنف تؤثر وبشكل كبير بسبب توافقها مع القيم الغربية. في الواقع، الثورة غير المسلحة هي تجسيد للمادتين 19 و20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يضمن حرية التجمع والرأي والتعبير. أي حكومة استبدادية أو (دولة ديمقراطية في تلك الحالة) تدعي حماية تلك المعايير ستعاني مع التناقض الذي قد يظهر حين تمنع مواطنيها الممثلين في حركات ثورية غير مسلحة على نطاق واسع من ممارسة هذه الحقوق.

على النقيض من التغيير الثوري العنيف، التوافق بين عدم العنف والديمقراطية وحقوق الإنسان يجعل الحركات الثورية غير المسلحة تمثل تهديدًا وجوديًا لأي ديكتاتور يتحالف أو يعتمد على الغرب.

وعلى النقيض، يمكن للطغاة استخدام عنف غير مسبوق ضد مواطنيهم، وهو الأمر الذي أثبت دمويته خلال الأحداث في ليبيا وسوريا منذ عام 2011.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى