مقالات

وكالة الطاقة الدولية تخفض توقعات الطلب في 2024

خفضت وكالة معلومات الطاقة الدولية توقعاتها لنمو الطلب على النفط خلال العام القادم، مبررةً ذلك بتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي وتلاشي الزخم القوي الذي أعقب مرحلة ما بعد كورونا، فضلاً عن ازدهار مبيعات السيارات الكهربائية وتزايد استخدام مصادر الطاقة المتجددة.

وبحسب تقديرات الوكالة الدولية، والتي تتخذ من باريس مقرًا لها، من المتوقع أن ينمو الطلب على النفط بمقدار مليون برميل يوميًا خلال العام القادم، وهو رقم أقل بـ 150 ألف برميل من توقعاتها السابقة. وأشارت المنظمة إلى استمرار التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي في ظل أسعار الفائدة المرتفعة وتشديد شروط الائتمان والمشاكل التي تواجهها الشركات في ضوء تباطؤ أنشطة التجارة والتصنيع.

في هذه الأثناء، حذرت وكالة الطاقة الدولية من انخفاض حاد في المخزونات العالمية خلال الفترة المتبقية من عام 2023، وهو الأمر الذي يمكن أن يعزز من ارتفاعات اسعار النفط، والتي سجلت بالفعل أعلى مستوياتها منذ بداية العام عند 88$ للبرميل.

وبالنسبة لتقديرات العام الحالي، قالت المنظمة الدولية أن الطلب العالمي على النفط سيسجل زيادة بـ 2.2 مليون برميل بحلول نهاية العام، وذلك بدعم من استعادة أنشطة السفر خلال فصل الصيف كامل عافيتها، بالإضافة إلى زيادة استهلاك النفط في توليد الطاقة بسبب اضطراب سلاسل توريد الغاز الطبيعي. وقالت المنظمة الدولية أن استهلاك النفط سيسجل في المتوسط 102.2 مليون برميل يوميًا هذا العام، مع الإشارة إلى أن الصين تستحوذ وحدها على 70% من النمو السنوي رغم المشاكل الاقتصادية التي تواجهها.

على الجانب الآخر، لا تزال توقعات منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) إيجابية حيث أبقت على توقعاتها بنمو الطلب بأكثر من مليوني برميل في 2024، حيث قدرت الزيادة بـ 2.25 مليون برميل مقارنةً مع 2.44 مليون في 2023.

ويرى كثيرون أن التزام البلدان المنتجة المنضوين تحت تحالف أوبك+ لخفض الإنتاج سيكون حاسمًا في استقرار الأسعار في ضوء التحديات التي يواجهها الطلب. وبدأ الكارتل النفطي منذ نهاية 2022 جهودًا لدعم الأسعار، وهي الخطوات التي واجهت معارضة كبيرة من الولايات المتحدة والدول المستهلكة. برغم ذلك، هدأت حدة هذه الانتقادات بعد أن تراجع سعر خام برنت إلى حدود المستوى 70$ للبرميل في منتصف العام.

ويشير هؤلاء تحديدًا إلى استمرار تهريب النفط من قبل البلدان الخاضعة للعقوبات الغربية، وعلى رأسها إيران وفنزويلا وروسيا. وبرغم أن الأخيرة قد التزمت بتخفيضات طوعية إلى جانب السعودية، إلا أن لموسكو تاريخ طويل في التملص من التزاماتها في هذا الصدد بسبب اعتبارات داخلية. وعلاوة على ذلك، من المعروف تاريخيًا أن ارتفاع الأسعار يقود عادةً إلى تسابق البلدان المنتجة لتعزيز حصتها في السوق وزيادة إيراداتها التي تضررت جراء انخفاض الأسعار. 

ستتابع الأسواق بيانات التضخم التي ستصدر في الفترة المقبلة لتحديد ما إذا كان سيحافظ على مساره الهبوطي، وهو ما سيتطلب تراجع مؤشر أسعار المستهلكين بقيمته الأساسية في الربع الثالث إلى ما دون المستوى 4%. تحقق هذا السيناريو سيعني أن الاحتياطي الفيدرالي لا يزال ناجحًا في مهمة السيطرة على التضخم، ومن ثم قد لا يجد مبررًا لمواصلة تشديد السياسة النقدية خصوصًا في ظل تزايد الإشارات الانكماشية.

على الجانب الآخر، هناك سيناريو آخر مفاده أن مهمة تخفيض معدل التضخم من 8% إلى مستواه الحالي، عند 4.7%، كانت أسهل كثيرًا من دفعه صوب المستوى الذي يستهدفه البنك المركزي عند 2%. يعني ذلك أن الاحتياطي الفيدرالي سيبقي هو الآخر على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة غير قصيرة، وقد يطول الانتظار حتى بدء دورة التيسير النقدي في نهاية الربع الأول من 2024 على الأقل. 

الجدير بالذكر أن النطاق الحالي لمعدلات الفائدة الفيدرالية يتراوح بين 5.25-5.50%، وهو أعلى مستوى منذ مارس 2001. هذه التوقعات تحمل في طياتها أخبار غير سارة لأسواق الطاقة، حتى أن البعض يتوقع ببدء موجة تصحيح هبوطية قد تصل إلى 15% إذا ما تلبدت سماء الاقتصاد بغيوم الركود وارتفاع معدلات التضخم والفائدة مجتمعين. 

من الواضح أن توقعات بنوك الاستثمار تتجه نحو رفع توقعات الأسعار المستهدفة حتى نهاية العام، وهذا يعود جزئيًا إلى رفع الصين للقيود المشددة التي فرضتها بسبب جائحة كورونا، مما عزز حالة التفاؤل في السوق. إضافةً إلى ذلك، تأثرت الأسواق بتخلي الحكومة الصينية عن سياسة “صفر كوفيد” بسبب تداعياتها على الاقتصاد والقطاعات المختلفة.

توقعات سعر برنت حوالي 85-90 دولار للبرميل يمثل نطاقًا معقولًا في ظل الوضع الحالي، ولكن يجب أخذ الاقتصاد الأمريكي وتأثير ارتفاع أسعار الفائدة في الاعتبار، حيث قد تؤثر هذه العوامل على توقعات أسعار النفط خلال الفترة المقبلة.

إذا ألقينا نظرة سريعة على الرسم البياني لخام برنت سنلاحظ أن السعر سيتعين عليه اجتياز مقاومة هامة على حدود المستوى 89$ للبرميل والتي مثلت سقف قناة الحركة منذ نوفمبر 2022. الكسر أعلى هذا المستوى، والذي سيتأكد باختراق وإغلاق أسبوعي أعلى المستوى 90، سيفتح الطريق صوب استهداف المستوى النفسي 100. برغم ذلك، يرى كثير من المحللين أن هذا السيناريو يتطلب بالضرورة حدوث تدهور شديد في مستويات المعروض، ربما بسبب تطورات الحرب الروسية الأوكرانية.

هذه التقديرات تشير إلى التفاعلات المعقدة بين عوامل العرض والطلب وتأثيرها على سوق النفط. تلك العوامل تتضمن الوضع الاقتصادي والسلوكيات الاستهلاكية والسياسات الحكومية. يعكس هذا الملخص بشكل عام الحالة المتقلبة لصناعة النفط وكيف يؤثر التوازن بين الإنتاج والاستهلاك والمخزونات على أسواق النفط العالمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى