إعلامسياسة

هافينجتون بوست: في مصر لا مكان للمعارضة

هافينجتون بوست: في مصر لا مكان للمعارضة

هافينجتون بوست – تانيا مونفورت – ترجمة: محمد الصباغ

أظهر القبض على حسام بهجت، الناشط الحقوقي والصحفي، الصعوبات التي تواجه المقاومة وضعف الديمقراطية وسط شبكة واضحة من القوانين المقيدة التي تم صياغتها بإشراف الحكومة المصرية الجديدة.

بالتأكيد علمت المخابرات الحربية أنه بالقبض على حسام بهجت سيكون هناك احتجاج عام واسع. فهو معروف بنزاهته ومصداقيته، وبالتالي ليده علاقات جيدة في مصر والخارج. و بالمثل يجب أن يعلم حسام أيضاً أن علاقاته لن تقدر على منع استدعائه في يوم ما نظراً لتقلص دور المعارضة.

يعلم معظم النشطاء الذين تحدثت معهم أو قرأت ما كتبوه على الانترنت بأنه مع اعتماد وتنفيذ قوانين واسعة تحظر التعبير عن الآراء السياسية من أي نوع، فسيكون القبض عليهم في المستقبل أمراً محتملاً.

التحقيق الذي كتبه بهجت وتسبب في احتجازه كان حول المحاكمات العسكرية السرية والإدانات لضباط جيش يُزعم أنهم مرتبطون بجماعة الإخوان المسلمين ومشاركتهم في مخطط لانقلاب عسكري. كتب بأن المحاكمات حدثت. فقط هذا ما فعله. لم يكن هناك أي دفاع عن المدانين، لا إعلان عن سبب سياسي سوى فكرة أن التقرير هو شىء لا يجب أن يعرفه العامة. ما فعله التحقيق هو معارضة واضحة للجيش، وهو الأمر المحظور الكتابة عنه في مصر. تحدى التحقيق رغبة أن يبقى المخطط بالإنقلاب والإدانات بعيدة عن الأنظار. استجوبت المخابرات الحربية حسام بهجت ثم تم الإفراج عنه، لكن من الممكن أن يتم اتهامه من خلال النيابة العسكرية بسبب التحقيق.

لا يعد ذلك هو التحقيق الاستقصائي الأول لبهجت. كتب العديد من التحقيقات القوية من بينها تحقيقات عن ثروة مبارك الكبيرة، وآخر عن العفو عن عدد كبير من الجهاديين عبر المجلس الأعلى للقوات المسلحة قبل الانتخابات التي فازت بها جماعة الإخوان المسلمين.

كما قدمت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، التي أسسها بهجت، العديد من الشكاوى ضد مصر في اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان. وبالرغم من أن صحفيين ونشطاء آخرين قد اعتقلوا لأقل من ذلك، يبدو أن موقف بهجت جعله إلى حد ما في درجة حماية كافية إلى الآن. ليس بغريب على المعارضة السياسية، لكن تحقيق الإنقلاب هو من أدى إلى استدعائه أخيراً.

أخبرني أحد رؤساء تحرير المجلات المصرية التي كتبت لها قبل الربيع العربي أن الجيش هو الشئ الوحيد الذي لا يستطيع أحد الكتابة عنه. كان يمكن انتقاد مبارك وليس من الضروري أن يؤدي ذلك بك إلى زنزانة، لكن الجيش أمر مختلف.

بقي الجيش المصري كالصندوق الأسود، مبهم من الخارج وضد الانتقاد. ما تغيّر هو العلاقة الحميمية بين الرئاسة والجيش. لم يعد متواجداً حتى ذلك الخط الضبابي بين الجيش والرئاسة منذ وصول السيسي إلى السلطة.

وفي ظل الحصار بين حكومة عسكرية وعنف متزايد من الجماعات الإسلامية، هناك مساحة صغيرة جداً من أجل المعارضة السلمية. التهديد قد يكون في أي مكان، أصبحت الحكومة بكاملها بقرة مقدسة جديدة، غامضة ولا يتم محاسبتها حتى من قبل الأصوات الناقدة التي لا غبار عليها.

في ذروة الربيع العربي، بدا وأن مسيرة التاريخ كانت تتحرك نحو ديمقراطية تشاركية وحرية أكثر في المجتمع المصري. للأسف، التاريخ ليس ذي اتجاه واحد. وبدلاً مما سبق، كان هناك إعادة تأكيد على حكومة مستبدة. لكن نوع من الاستبداد يتغذى على بيروقراطية بنيت داخل نظام قوي من اللوائح القانونية التي تقوم بتضييق الخناق على حرية التعبير والمعارضة السياسية.

القانون الجنائي الذي اتهم من خلاله بهجت بنشر معلومات تخل بالأمن العام يعتبر أحد تشريعات كثيرة تجعل الحياة صعبة بالنسبة للمجتمع المصري.

كان هناك انتشار لقوانين جديدة تحد من أي شكل من أشكال التعبير. كما يوجد قانون التظاهر 107 لعام 2013 الذي اعتقلت بموجبه يارا سلام، التي تعمل بالمناسبة في المنظمة التي أسسها بهجت، وذلك بسبب المشاركة في مظاهرة ضد اعتماد هذا القانون وتم الإفراج عنها مؤخراً بعفو رئاسي.

أما مسودة قانون الجمعيات الأهلية التي تعد تعديلاً لقانون رقم 84 لسنة 2002، فأشارت التكهنات إلى أنه يعد أكثر تقييداً من السابق. انتقد القانون الحالي بسبب أمور كثيرة منها أنه يقضي بالسجن لو فشل في تسجيل المنظمة غير الحكومة لدى الحكومة. ووفقاً لقانون 2002 تم إدانة العديد من المصريين والأمريكيين عام 2013. كما هناك قانون مكافحة الإرهاب الجديد الذي ينص على غرامات باهظة ضد أي تغطية صحفية حول الهجمات لا تتماشى مع رواية الدولة. هذه الشبكة من القوانين المدعومة من المخاوف من تهديدات ضد الامن القومي، وفرت إطاراً قانونياً لخنق المناخ السياسي.

المعارضة عادة مصرية. الكثير من النشطاء في السجن حالياً هم الجيل الثاني أو الثالث لسجناء سياسيين. طالما استخدم الصحفيون المصريون والمثقفون، والقصاصون، وكتاب التلفزيون والأفلام، أصواتهم بطرق مختلفة من أجل تشكيل مصر عبر السنين.

بالنسبة لمن بيننا الذين لا ليس لديهم هوس بالتصويت ودائما ما يؤمنون بأن الديمقراطية تتعلق أكثر بالصوت السياسي المعارض هو من سيقود المصوتين إلى صناديق الإقتراع. يعتبر الإرث الديمقراطي الطويل في مصر مرة أخرى تحت التهديد. هذا الإرث يخنق وليس بيد عملاء أجانب أو إرهابيين، لكن بيد السلطة العسكرية وتحكمها في أصوات المصريين.

تم استئناف المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر والتي تبلغ قيمتها 1.5 مليار دولار، بعد تعليقها مؤقتاً عندما استولى السيسي على السلطة من الإخوان المسلمين. لم يتم حتى الآن إعادة تقييمها ويجب أن تمر عبر عملية مراجعة دقيقة قريباً من مجلس المحاسبة الأمريكي (GAO).

بالرغم من عمل تقييم لأوضاع حقوق الإنسان في مصر قبل استئناف المساعدات، فمعايير ربطها بأوضاع حقوق الإنسان ليست واضحة. وعلى الرغم من الأصوات المنادية بإعادة التفكير في العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر، هناك الكثير على المحك لو تخلينا عن مصر الآن. ويجب أن تكون الولايات المتحدة واضحة فيما يتعلق بالمتوقع في مقابل المساعدات.

أن تطلب من الجيش إطلاق سراح الصحفيين والنشطاء المصريين فقط، يبدو طلب بسيط في مقابل المليارات التي يستقبلونها. ربما يؤدي إلى اتهام الولايات المتحدة بالإمبريالية، لكن يبدو الأمر حتمي لو أرادت أمريكا أن تحمي نفسها من تهمة التواطؤ في قمع الديمقراطية في مصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى