سياسة

هاآرتس: هل تفقد الولايات المتحدة نفوذها في مصر؟

 تحليل لعلاقات واشنطن بالقاهرة بعد تولي السيسي الرئاسة يقدمه زفي بارئيل محلل شئون الشرق الأوسط بصحيفة هاآرتس الإسرائيلية.

2240051515

زفي بارئيل – هاآرتس

ترجمة – محمود مصطفى

“على الولايات المتحدة التحلي بضبط النفس والتعامل مع المتظاهرين بالمعايير الأمريكية والدولية” هذا الرد المصري الذي بدا ساخراً على الطريقة التي فضت بها الشرطة في فيرجسون في ولاية ميزوري التظاهرات، ليس مفاجئاً بالنظر إلى التوترات التي نشأت بين الإدارة الأمريكية ومصر عقب التوبيخ الأمريكي لمصر بسبب سياساتها بصدد حقوق الإنسان.

نائبة المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية ماري هارف وافقت على أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي “قائد للتحول الديمقراطي” لكنها بدت وكأن هذا الإقرار تعرض للتشويه.

“ما نتوقعه هو أن يتم يتم الالتزام بالعملية التي وضع أطرها الدستور المصري، الذي وضع ليوضح كيفية حكم المصريين، وأن الحكومة يجب أن تأخذ خطوات إضافية للسماح بالمعارضة وللسماح للناس بالخروج في الشوارع وإيصال أصواتهم إذا فعلوا ذلك بسلمية” قالت هارف.

قبل أيام قليلة من تصريحات هارف، حاول مديرو منظمة هيومان رايتس ووتش كينيث روث وسارة لي ويتسون دخول مصر لعرض تقرير من 195 صفحة وضعاه سوياً حول الأحداث في مصر قبل عام وقتل فيها أكثر من 800 شخص (بالإضافة إلى حوالي 300 آخرين في الأشهر التالية).

في أغسطس 2013 فض الجيش اعتصام مؤيدي الاخوان المسلمين بالقوة وفي أغسطس الجاري منعت مصر مسئولين حقوقيين بدعوى أنهما لم يطلبا ولم يحصلا على تأشيرة دخول للبلاد وهو ما يظهر أن هذه المنظمات “تعتقد أنها فوق القانون”، بحسب ما قالت التوضيحات المصرية الرسمية.

تردد أمريكي

يأتي تقرير هيومان رايتس ووتش على قمة موقف الإدارة الأمريكية المتردد التي امتنعت عن الاعتراف بشرعية نظام السيسي حتى أجريت الانتخابات. وبالرغم من حقيقة أن وزير الخارجية جون كيري جاء إلى القاهرة لتهنئة السيسي بانتخابه فإن إدارة أوباما لا زالت تعلق جزءاً من المعونة العسكرية الموجهة لمصر.

في مصر، ما يعتبر تدخلاً أمريكياً في شأنها الداخلي له ثمن. ليس فقط أن واشنطن فوجئت بالمقترح المصري لوقف إطلاق النار في غزة ولكن لحد الآن أيضاً امتنع السيسي عن زيارة الولايات المتحدة بالرغم من دعوته عدة مرات، وفضل روسيا والرئيس فلاديمير بوتين كوجهة لأولى زياراته خارج الشرق الأوسط.

لم يكن هذا الاختيار مجاملة، فالسيسي الذي زار موسكو قبل أكثر من عام عندما كان لا يزال وزيراً للدفاع وضع أساسات لحزمة مساعدات عسكرية والآن يعود ليجني ثمار ذلك. تم التوقيع على اتفاقية للامداد بطائرات (ميج-29) وأنظمة دفاع مضاد للطائرات متقدمة وطائرات هليكوبتر من طراز (إم آي-35) وأنظمة مضادة للسفن بالإضافة إلى أسلحة خفيفة وذخيرة.

وأشارت تقارير الأسبوع الماضي إلى أن روسيا ستبيع لمصر صواريخ (إس-300) كانت موجهة في الأصل لسوريا كما وصل إلى القاهرة يوم الجمعة وفد روسي لإنهاء المناقشات حول صفقة الأسلحة التي يبدو أن الإمارات ستمولها.

حقيقي أن هذه الصفقة سيبدأ تفعيلها بعد ثلاث سنوات وحقيقي أن مدى أنظمة التسليح المتنوع وتقديم أنظمة من روسيا سيستلزم فترة تجربة وتوفيق وتغيير في التدريب والأساليب القتالية، لكن توسيع الروابط العسكرية بروسيا في حد ذاته يثير بعض الاندهاش في واشنطن.

هل تتوجه مصر إلى روسيا بنيّة لعب لعبة الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر؟ هل بدأت الولايات المتحدة في فقدان النفوذ في مصر؟

من المبكر القول بإن مصر تغير اتجاهها، فاعتمادها على الولايات المتحدة لا زال كبيراً وليس فقط بسبب المليار دولار في شكل مساعدات مالية سنوية تحصل عليها مصر، فالسعودية حولت لمصر مبالغ أكبر بكثير، تقريباً خمسة أضعاف هذا الرقم في العام الماضي فقط.

التحالف مع الولايات المتحدة مبني على تفاهم مشترك بأن الولايات المتحدة ستستمر في تقديم الدعم الدولي لمصر سواء لدى المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أو في القضايا الدبلوماسية.

ويبدو، بالرغم من ذلك، أن السيسي يحاول أن يخلص مصر من شعور الاعتماد على الولايات المتحدة وأن يوسع مجال المناورة لمصر دبلوماسياً.

وعلى النقيض من إسرائيل، لدى السيسي خيارات أخرى في الشرق الأوسط وهو لا يريد أن يكون في موقف تهدد فيه “أخطاء” في قضايا “هامشية” كحقوق الانسان، أجندته.

أولويات السيسي هي إصلاح الإقتصاد المصري والحرب ضد الإرهاب سواء كان هذا الارهاب مصدره جماعات أصولية في سيناء أو الاخوان المسلمين الذين يعتبرون الآن منظمة ارهابية.

السيسي يظهر مهاراته

في الأشهر الثلاثة منذ بدأ السيسي فترته الرئاسية، أظهر مهارات دبلوماسية وقيادة سياسية لحد جعل بعض المراقبين يقارنوه بمنافسه اللدود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وأعطت الحرب في غزة فرصة للسيسي لتوضيح أن مصالح مصر تأتي قبل أي أجندات عربية أو إسلامية أو دولية، فبالنسبة له فلتذهب غزة إلى الجحيم إذا لم تستوعب قيادة حماس من يمسك بطوق نجاتها.

السيسي سد بالفعل معظم طرق تهريب حماس، إلا أن سيناء أمر آخر. فوفقاً لتفسيرات السيسي فإن تعليق المعونة العسكرية الأمريكية يضر قدرته على محاربة الإرهاب في سيناء والصحراء الغربية وبالتالي يتوجب عليه أن يبحث عن مصدر بديل لسد احتياجاته العسكرية.

ولكن في الوقت ذاته لن يضر السيسي خططه لإعادة بناء اقتصاد مصر، فطالما ستقدم روسياً جزءاً من احتياجات مصر العسكرية وتستمر الولايات المتحدة في دعم البلاد في الأسواق الدولية بينما تقدم السعودية والإمارات والكويت الدعم بتمويل خطط التنمية، ستُنفَذ أجندة السيسي بكلفة دبلوماسية، نسبياً، غير باهظة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى