سياسة

واشنطن بوست: جهاديون ولكن لصوص

واشنطن بوست: جهاديون ولكن لصوص

واشنطن بوست – أنطوني فايولا – سعاد مخينيت – إعداد وترجمة: محمد الصباغ

ألقت الهجمات الأخيرة في باريس الضوء على نمو نوع جديد للجهاديين، يطمس الخط الفاصل بين الجريمة المنظمة والتطرف الإسلامي، مستخدماً مهارات التمرسّ على خرق القانون في خدمة العنف حركة التطرف العنيفة.

تبني الدولة الإسلامية جيشاً من الموالين من أوروبا من بينهم عدد متزايد من رجال الشوارع والمجرمين السابقين في تطور لطبيعة الخلافة المزعومة. بدلاً من ترك حياة الجريمة، يستخدم بعض أنصار التنظيم مواهبهم الغير مشروعة في تمويل دوائر التجنيد وتكاليف السفر للمقاتلين الأجانب. ويمثل ذلك تحدي من نوع جديد للسلطات الأوروبية.

على سبيل المثال، قبل أن يصبح قائداً ذو سمعة سيئة في أعقاب هجمات الشهر الماضي في باريس، كان عبدالحميد أباعود ،28 عاماً، على اتصال بلصوص متطرفين يقودهم شخص لقبه ”سانتا كلوز“.

التشكيل العصابي ،الذي يضم شباب قد يسافرون من أجل القتال في سوريا والعراق، يقوم بسرقة السياح والمتاجر ويشكّل عملية إجرامية صغيرة في خدمة الدولة الإسلامية، وفقاً للسلطات.

تبدو طريقة المؤامرات التي تنتهجها الدولة الإسلامية في أوروبا أكثر تطوراً من نهج القاعدة، والتي اعتمدت في سنواتها الأولى على المجندين المتدينين والرعاة الأثرياء من الأجانب. على العكس، بعض الموالين للدولة الإسلامية يستخدمون ما تعلموه من مهارات غير قانونية من أجل تمويل التجنيد والسفر إلى معاقل التنظيم، وهو تحدي جديد للسلطات.

كان أباعود ،ابن المهاجرين المغربيين إلى بلجيكا، يقوم باعماله الإجرامية بشكل متكرر، وطرد من منزله في سن السادسة عشر. أصبح متطرفاً وغادر للقتال في سوريا عام 2013. لكن حتى بعد عودته الأخيرة إلى بلجيكا هذا العام، كان مستمراً في أعمال السرقة. استخدم الأمر للمساعدة في تمويل رحلة أخرى متجهة إلى سوريا في يناير 2014، وهذه المرة مع شقيقه الأصغر يونس ،13 عاماً.ذكر ذلك مصدر أمني طلب عدم ذكر اسمه بسبب التحقيقات الجارية في العمليات الإرهابية.

أضاف المصدر أن شبكة أباعود الإرهابية في باريس كانت مختلفة عن دائرته العصابية الصغيرة في بروكسل، والتي لم تنفذ هجمات في أوروبا لكن بدلاً من ذلك جندت المقاتلين ومولت انتقالهم إلى الشرق الأوسط. لكن العديد من منفذي هجمات باريس يمتلكون ماضياً إجرامياً. اثنين منهم –إبراهيم عبدالسلام، الذي فجر نفسه في 13 نوفمبر، وشقيقه صلاح عبدالسلام، الذي مازال هارباً- كانوا يديرون مقهى ببروكسل وأغلق في أغسطس الماضي بسبب علاقته بأنشطة ترتبط بالمخدرات.

ويقول محمد محمود ولد محمدو، نائب مدير مكتب جنيف للسياسة الأمنية: ”هذا الارتباط بعالم الجريمة لم يكن شيئاً يمكن رؤيته في أسامة بن لادن، كان هناك تعصباً دينياً –أصولية- محدداً يتعلق بالإرهاب.“

كانت السجون الأوروبية تربة خصبة للمتطرفين الإسلاميين لسنوات، وخصوصاً في بلجيكا وفرنسا. لكن مؤخراً، صار هناك تشابكاً بين الجريمة والتطرف، مع السلوك غير القانوني للمجندين الذي يستمر حتى بعد رؤتهم ل”نور“ الإسلام الراديكالي.

ويؤكد بيتر نيومان الخبير بالكلية الملكية بلندن أن ”الكثير منهم يعيشون كرجال عصابات ثم يتحولون إلى متدينين لكن تلك الارتباطات مع الجريمة لا تختفي، أرى أن ذلك جانب من منظور عمل الدولة الإسلامية.“

وفي مثال على الشكل الجديد، كانت محكمة بمدينة كولن الألمانية في جلسة استماع لثمانية رجال متهمين بسرقة كنائس، ومدارس، وأعمال تجارية في الفترة بين أغسطس 2011 ونوفمبر 2014 لدعم المقاتلين في سوريا. في كنيسة واحدة، قاموا بسرقة أشياء مقدسة تساوي 10 آلاف يورو. وقال المتحدث باسم المحكمة ،أكيم هنجستنبرج، إنه ليس واضحاً إلى الآن من يدعمون بالتحديد في سوريا لكن ”كل الأدلة تشير إلى الدولة الإسلامية.“

ولا توجد حالة أفضل من تربط بين الجريمة والتطرف من دائرة بروكسل التي يزعم ان رئيسها هو خالد زرقاني، 42 عام، ومن أصول مغربية وهنا مزاعم تشير إلى ارتباطه بتنظيم الدولة الإسلامية.

تقول السلطات إن أتباعه ينادونه ببابا نويل زرقاني، ويوزع الهدايا والأموال على الشباب المشاكسين في الشوارع الذين يقوم بتجنيدهم من أجل القتال المحتمل أو السرقة. قد يستهدفون محطات القطار والسياح، ويسرقون الحقائب. وما يحصلون عليه يساعد في تغطية تكاليف إرسال المقاتلين من أوروبا إلى أرض المعركة في الشرق الاوسط.

السرقة محرمة في الإسلام، لكن أتباع الدولة الإسلامية يقولون أنهم يستهدفون غير المؤمنين أو أن تلك الجرائم تكون لأهدف تكتيكية.

تقول السلطات إن جماعة الزرقاني ارتبطت بإرسال 30 أو 40 شخص إلى من بلجيكا إلى سوريا والعراق. ومن بينهم يوسف بوعمار، 21 عاماً، الذي قال للسلطات إن الزرقاني شجعهه على سرقة الأمتعة في محطات القطارات من أجل تمويل ”القضية الإسلامية“.

ألقت الشرطة البلجيكية القبض على زرقاني في فبراير 2014 واتهمته بقيادة عملية إرهابية. وتم إدانته هذا العام وحكم عليه بالسجن لمدة 12 عاماً، لم يبد أي ندم وقام بالطعن على الحكم.  ورفض محاميه ستيف لامبرت التعليق.

كان أباعود مألوفاً وسط دائرة ”بابا نويل“. كانت عائلته تعيش بضاحية مولينبيك في الوقت الذي كان زرقاني وأتباعه يتمركزون هناك. ووفقاً لوثائق مخابراتية وسجلات المحكمة وعدة لقاءات، فإن أباعود كان على اتصال بثلاثة على الأقل من شبكة الزرقاني. وتم إدانته غيابياً في نفس قضية الزرقاني، كما وجدت السلطات على أحد هواتف زرقاني الإسم الحركي لأباعود في سوريا ،أبو عمر السوسي. فيما قال شقيق أباعود الأصغر ياسين، للسلطات إن والدتهم كانت تعنّف شقيقه من أجل الابتعاد عن الزرقاني ورفاقه. وصرخت في وجهه: ”كانت خائفة من المشاكل، ووصفته بالرجال الملتحين“.

يقول خبراء إن المجموعة الجهادية الجديدة تمثل تحولاً من التنظيمات القديمة كالقاعدة التي كانت متمسكة بشدة بالتفسيرات الدينية واستخدموا مقاطع فيديو للتجنيد والتي كانت غالباً عبارة عن خطابات تصل إلى 45 دقيقة لزعيمهم بن لادن. أما تنظيم الدولة الإسلامية فيستخدم الدعايا الإعلانية المبهرة لإظهار جاذبية الجنة حيث الشباب من المحرومين قد يستمتعون بغنائم الحرب.

ويقول مسؤول أمني أوروبي آخر: ”هم إرهابيون أقل جودة.“ وأضاف أن ذلك لا يعني أنهم أقل خطورة. فقد تسمح لهم اتصالاتهم بعالم الجريمة أن يجدوا مصدر أسهل للحصول على السلاح والأموال في أوروبا.

هناك علاقة أخرى بين قائد المجموعة، الزرقاني، و زعيم هجمات باريس. فوفقاً لسجلات المحكمة، في فبراير 2014 وجدت الشرطة جواز سفر أباعود المنتهي في شقة ببروكسل يملكها أحد أتباع الزرقاني.

يقول المسؤولون والقادة الإسلاميين إن تنظيم الدولة الإسلامية يقوم بتجنيد الشباب المسلم الذي يمتلك ماضياً إجرامياً ويعتبرونهم أفضل الأهداف. فهم عادة غاضبين ومعزولين، مثل فريد، الشاب النحيف في العشرينيات من عمره الذي كان صديقاً لأباعود والذي أبدى سعادته بعد هجمات باريس.

هو أيضاً أحد ابناء المهاجرين المغاربة، واكتفى بذكر اسمه الأول فط لتجنب التعرف عليه من قبل الشرطة، وقال إنه دخل السجن وخرج منه في عدة مرات في فترات المراهقة. وخلال اللقاء معه في أحد مقاهي مولينبيك، وحمل مسدس في جيبه الخلفي. ووصف حياة الشباب المسلم في الضاحية البلجيكية بالبائسة، مع ارتفاع معدلات البطالة ويشعر كثير منهم بأنهم بلا دولة. ويضيف أن معظم أصدقائه قد سئموا من الأوقات التي يقضونها بالسجن.

وأكمل حديثه بأنه ذهب ومعه صديق آخر له إلى سوريا للالتحاق بالدولة الإسلامية. يروقهم التنظيم لأنه يؤسس مكاناً فيه المسلمين مثله يمكن أن يشعروا بأنهم في وطنهم.

ويضيف ”نحن نثور ضد هذه الدولة وهذا المجتمع الذي لم يتقبلنا أبداً كبلجيكيين. نثور ضد آبائنا ودولهم الأصلية، أنا لا أشعر بأنني بلجيكي. لا أشعر بأنني مغربي. أفكر في كوني مسلم، وهكذا رأى عبد الحميد نفسه.“

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى