اقتصادسياسة

تليجراف: مصري مهاجر وراء إنشاء منجم السكري.. وهناك “كنوز” بالصحراء الشرقية

تليجراف: مصري مهاجر وراء إنشاء منجم السكري.. وهناك مواقع تشبهه في الصحراء الشرقية

تليجراف- جون يومانز

ترجمة: محمد الصباغ

هناك شعار لشركة سنتامين المتخصصة في التنقيب عن الذهب: “لو كان الأمر سهلا، لقام به شخص آخر بالفعل.” والأمر يتضح من خلال العمل بمنجم السكري، أحد أكبر مناجم الذهب في العالم، في دولة معروفة بالثورات وتغيير الأنظمة أكثر من التنقيب عن المعادن النفيسة.

قال أندرو باردي، المدير التنفيذي الأسترالي لشركة FTSE 250 “نشأت الحضارة المصرية منذ حوالي 6 آلاف عام، وكانوا ينقبون طوال الوقت.” وأضاف أن المشكلة في أن التنقيب المصري يضل طريقه في ظل تعثر الاستثمار وعدم وجود قوانين ثابتة. “تم التنقيب بموقع السكري في العصور الفرعونية ثم الرومانية. وآخر أعمال التنقيب كانت بواسطة البريطانيين قبل استقلال الدولة المصرية.”

تابع باردي أن رمال مصر مهيأة للتنقيب، وأظهر خريطة -كأنها لكنز- للصحراء الشرقية، وعليها إشارات ونقاط توضح أماكن وجود الذهب التي حددها البريطانيون وغيرهم قبل قيادة عبد الناصر لمصر إلى التحرر عام 1953. وكشركة التنقيب الوحيدة في البلاد، صارت سنتامين تمتلك الحظوظ الأولى في استثمار الفرص المتاحة. وأضاف “السكري ليس فريدا من نوعه، في كل الصحراء الشرقية هناك مواقع شبيهة.”

أندرو باردي

ويوضح باردي، الذي التحق بالشركة عام 2008 ووصل إلى مركزه الحالي في 2015، أن منجم السكري ”هو الوحيد من بين المناجم العالمية الذي لا يقع في قبضة كبريات شركات التنقيب. لدينا خبرات تصل إلى 20 عاما. لا ديون علينا ولا نخفي شيئا، لذا مع ارتفاع أسعار الذهب، نمتلك كل الأرباح. هذا أمر فريد، مقارنة بأقراننا.”

بدأ المنجم في الإنتاج منذ 2010، ويقع على بعد حوالي 450 ميلا جنوب شرق القاهرة، وتكلف بناؤه 1.1 مليار دولار. وأظهرت التقارير خلال الأسبوع الماضي أن المنجم في طريقه ليصل إلى معدل إنتاجه المستهدف، والمقدر بـ470 ألف أوقية من الذهب سنويا، ويقدر مخزون المنجم بحوالي 14 مليون أوقية.

بدأت شركة سنتامين في توزيع الأرباح بداية من عام 2014. وأصبحت من أكبر المستفيدين من الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، مع ارتفاع أسعار أسهمها إلى 1.60 يورو بسبب زيادة سعر الذهب. ارتفع سعر المعدن ليصل إلى 1.362 دولار للأوقية منذ الاستفتاء. وقال برادي “أسعار الذهب ترتفع، وعادة نتعامل بالدولار الأمريكي، لذلك الأمر إيجابي بالنسبة لنا.”

وعن تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على صناعة التنقيب، قال “لا أعتقد أن تأثيرا كبيرا سيحدث بالنسبة للمنقبين الكبار، الذين يمتلكون انتشارا حول العالم. أما الصغار، لو حققوا أرباحا فهم يفعلونها خارج المملكة المتحدة على أي حال.”

عُين باردي كمدير تنفيذي لمنجم السكري، وتم تكليفه في البداية بعملية إنشاء المنجم. تم اختيار المكان، وفقا لحديثه، ليس فقط بسبب المخزون الكبير بل بسبب قربه من مصادر المياه بالبحر الأحمر.

وقال برادي “الفضل يعود لمؤسس الشركة، سامي الراجحي، فقد كان أول من رأى الفرصة سانحة للعمل في مصر.. لقد صبر كثيرا، علم أن الأمر سيكون به كثير من البيروقراطية وخصوصا مع شئ جديد.” والراجحي هو جيولوجي مصري، أنشأ شركة سنتامين أستراليا عام 1970. بدأ بالتنقيب في مصر خلال فترة التسعينيات، وفاز بحق التنقيب بالسكري عام 2005. تحصل الحكومة المصرية على 50% من الأرباح بمجرد تغطية تكاليف رأس المال عام 2017. استقال الراجحي من منصبه عام 2009 وتولى ابنه يوسف المهمة. وبالرغم من أن شركة سنتامين مسجلة في سيدني الأسترالية فإنها توغلت في السوق البريطاني الناشئ عام 2001، وانتقلت إلى السوق الرئيسي عام 2008.

احتاج الراجحي أكثر من 20 عاما ليتحول حلمه إلى حقيقة، لكن رحلة شركة سنتامين لم تكن بطريق ممهد. فقطار الربيع العربي وصل إلى مصر عام 2011، وأطاح بالرئيس حسني مبارك بعد 30 عاما من حجمه. ثم جاءت حكومة يقودها محمد مرسي من الإخوان المسلمين، قبل الإطاحة بها عام 2013، ويحكم الآن الرئيس عبد الفتاح السيسي، القائد السابق بالجيش.

وقال برادي “مررنا بثورتين. لكن التوقعات كانت على عكس الواقع. عندما كان يحاول الناس المغادرة من البلاد، استمرينا في التنقيب بالسكري. كان عمل بالنسبة لنا. كانت العمالة الأجنبية لدينا تغادر القاهرة حينما كنت تتابع التليفزيون وعناوينه: مصر تحترق.” وأضاف أن العمالة الحالية بها 1300 مصريا، يقومون بأعمالهم باعتيادية، وأكد أن الاضطرابات كانت مرتبطة بدرجة كبيرة بالعاصمة ومدينة الإسكندرية.

ارتفعت قيمة أسهم سنتامين بنسبة 146% هذا العام، ليقتربوا من أقصى ارتفاع وصلوا له وكان عام 2010 بقيمة وصلت إلى 1.79 يورو. قبل طفرة الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، توقفت الاستثمارات بسبب دعويين قضائيتين. الأولى عبارة عن نزاع مع مزودها بالوقود، انتهت بتعويض تدفعه قيمته 46.7 مليون دولار، وطعنت الشركة. أما الدعوى الثانية والتي يصعب حلها، وهي دعوى قضائية من معارض ضد الحكومة المصرية يزعم فيها أن شركة سنتامين ليس من حقها الحصول على عقد التنقيب بالمنجم. هذه القضية معلقة حتى تحكم المحكمة الدستورية العليا في قانون منفصل يمكنه -لو تم التمسك به- أن يلقي بمجموعة من القضايا خارج المحاكم، من بينها قضية سنتامين.

تحظى شركة التنقيب بدعم الحكومة المصرية، والتي تقدر حجم الأموال التي قد تحصل عليها من منجم السكري. وقال باردي إن سنتامين لديها “علاقة جيدة جدا” مع وزير البترول، المسؤول عن التنقيب في مصر. وتدفع الشركة الآن الحكومة إلى تقديم قانون متعلق بالتنقيب، قد يذهب إلى ما هو أبعد من عقد تقسيم الأرباح في منجم السكري وفرض إطار موحد للضرائب، وتنظيم حقوق التنقيب الجديدة. وتابع “لو أقدمت مصر على شيء مثل هذا، أنا متأكد من أننا سنرى فرص أكبر للتوسعة والنمو التدريجي.”

ويضيف باردي “لم تمتلك مصر برلمانا إلا مع نهاية العام الماضي، لذلك هي خطوة مبكرة جدا جدا -لديهم بالطبع أولويات أكثر أهمية للتركيز عليها. لكننا هنا ونذكرهم من حين لآخر. يريدون جذب استثمارات أجنبية، والتنقيب عن الذهب مثال جيد على ذلك.”

أصيبت الشركة بحادث مؤسف في مايو الماضي مع وفاة ريتشارد عثمان، المسؤول عن أعمال التطوير، في حادث الطائرة MS804. وكان عثمان هو الضحية البريطانية الوحيدة في الحادث، وعمل بمنجم السكري بجانب باردي قبل الانتقال لمقر الشركة الرئيسي في جيرسي.

ستمضي سنتامين قدما نحو توسعات في منجم السكري. ومع خبراته في إنشاء أول منجم حديث في مصر، أثنى باردي على العمال المصريين، وقال “كان علينا تدريبهم من البداية -كانوا متعلمين جيدين. غادر بعض منهم الآن إلى مناصب في شركات في إفريقيا والشرق الأوسط، وهذه إشارة جيدة.”

لا يبدو أن باردي انزعج من التحديات الموجودة والتي قد تشتت تركيزه، مثل الثورات والاضطرابات. قال “لا أعلم ما إذا كان يمكن تسميتها تحديات، كان الأمر ممتعا. استمتعنا بإنشاء منجم من الصفر، إنشاؤه وتطوير فريق العمل. هذه صناعة، وهذا هو عملنا.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى